عادت الحياة إلى «ولاية الرقة» تدريجاً. بدأت جرافات «المجلس المحلي» بإزالة مخلّفات المعارك من الشوارع، ونَقَل متطوعون ما بقي من جثث إلى براد مستشفى الرقة الوطني. تتحدث الأرقام عن أكثر من 70 جثة مجهولة الهوية. وتحاول ورشات فنية إصلاح شبكات الكهرباء والمياه وخطوط الهواتف الأرضية.

يسيطر على المدينة الهدوء الحذر. خوف يقض مضاجع مسلحين سلّموا أسلحتهم لتنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام»، وحلقوا لحاهم الكثّة معلنين انسحابهم من الحرب وعودتهم الى حياتهم الطبيعية. ناشطون انخرطوا في خلايا نائمة تعمل ضد «التنظيم» يؤكدون أنّه «أسوأ من النظام»، في الوقت الذي أغلق فيه معظم ناشطي الرقة صفحاتهم على المواقع الإلكترونية احتجاجاً على نتائج معركة انتهت لمصلحة «الدولة الاسلامية». كذلك وردت أنباء كثيرة عن اعتقال شباب من معظم أحياء المدينة.

وفي ظل سيطرة «داعش» على الرقة، باشر أصحاب المحال التجارية فتح محالهم في أسواق المدينة، ونفضوا الغبار والأتربة عن بضائعهم، وكنسوا الرصاص الفارغ والزجاج المتحطم. واستأنفت وسائط النقل عملها في ظل ندرة المحروقات وارتفاع أسعارها. كذلك ارتفعت أسعار الخضر والفواكة بشكل ملحوظ، وما زالت أزمة الخبز تخنق المدنيين الذين التزموا بيوتهم في ظل انعدام الغاز المنزلي. وعادت شبكة الاتصالات الخلوية، بعدما حققت محال الاتصالات الفضائية مكاسب كبيرة.

رغم مزاولة الناس لحياتهم الطبيعية، يمرّ شبح الموت بين الأحياء في الشوارع. لا يُمكن الحديث عن مقابر جماعية مكتشفة بعد. لم يشفع الوقت لمنفذي الإعدامات الميدانية بدفن ضحاياهم. عثر مارّون على 12 جثة في مكبات قمامة قرب مقبرة تل البيعة، فيما نقل متطوعون جثث القتلى إلى مستشفى الرقة، عُرفت منها جثة الشيخ عبد العظيم شيخو إمام «مسجد النور». وقد اختطف الإمام شيخو لأنه أمَّ الرئيس بشار الأسد أثناء تأديته صلاة عيد الأضحى في المدينة عام 2011. وتعرض لمحاولات اغتيال عديدة، وقد التقى أعضاء فريق بعثة جامعة الدول العربية أثناء زيارتهم الرقة فوثّقوا إصابته وأخذوا إفادته آنذاك. كثر غيره قضوا برصاص مجهول، تُلقى جثثهم في مكبات القمامة أو على ضفاف نهر الفرات. هنا يدفن الأهالي قتلاهم بصمت دون سؤال عن القاتل. يتحدث الناس عن شبح يُنكّل بشبابهم، يقولون «إنه شبح الموت»، في غمز واضح يخشون الإفصاح فيه. وأمس، حطّم «داعش» جميع الأضرحة وقبور الصحابة الموجودة في المدينة.

ميدانياً، يشهد محيط «الفرقة 17» التابعة للجيش السوري اشتباكات متفرقة يتردد صداها في المدينة. وحسب ما ذكر ناشط إعلامي لـ«الأخبار»، «فإن تنظيم داعش يقود الآن المعارك حول الفرقة، ويبحث عن نصر جديد يُحسّن صورته في الشارع».

وانسحب آخر «ألوية» الرقة باتجاه مدينة منبج في ريف حلب، وهو لواء «ثوار الرقة» يقوده «أبو عيسى»، وهو أقوى الألوية العسكرية في المدينة ومُبايع لـ«جبهة النصرة»، ويحاصر «الفرقة 17» منذ قرابة عام.

أحدث هذا الانسحاب صدمة لأبناء المدينة الذين كانوا يجزمون بأن الانتصار سيكون نصير الحلفاء، أي «النصرة» و«الجبهة الإسلامية». من جهتها، أغلقت السلطات التركية معبر تل أبيض الحدودي أمام النازحين والهاربين من الحرب، وانتشر الجيش التركي على طول الحدود تحسباً لأي عمليات عسكرية في مدينة تل أبيض بعد أن سيطر عليها تنظيم «داعش». وشهدت المدينة عمليات نزوح كبيرة بعد تفجير منازل لمدنيين منتسبين لـ«أحرار الشام» الذين فروا إلى تركيا بحافلات نقلتهم إلى معابر أخرى ما زالت تحت سيطرتهم.

  • فريق ماسة
  • 2014-01-22
  • 13184
  • من الأرشيف

«داعش» تعيد الحياة إلى الرقة... على طريقتها

عادت الحياة إلى «ولاية الرقة» تدريجاً. بدأت جرافات «المجلس المحلي» بإزالة مخلّفات المعارك من الشوارع، ونَقَل متطوعون ما بقي من جثث إلى براد مستشفى الرقة الوطني. تتحدث الأرقام عن أكثر من 70 جثة مجهولة الهوية. وتحاول ورشات فنية إصلاح شبكات الكهرباء والمياه وخطوط الهواتف الأرضية. يسيطر على المدينة الهدوء الحذر. خوف يقض مضاجع مسلحين سلّموا أسلحتهم لتنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام»، وحلقوا لحاهم الكثّة معلنين انسحابهم من الحرب وعودتهم الى حياتهم الطبيعية. ناشطون انخرطوا في خلايا نائمة تعمل ضد «التنظيم» يؤكدون أنّه «أسوأ من النظام»، في الوقت الذي أغلق فيه معظم ناشطي الرقة صفحاتهم على المواقع الإلكترونية احتجاجاً على نتائج معركة انتهت لمصلحة «الدولة الاسلامية». كذلك وردت أنباء كثيرة عن اعتقال شباب من معظم أحياء المدينة. وفي ظل سيطرة «داعش» على الرقة، باشر أصحاب المحال التجارية فتح محالهم في أسواق المدينة، ونفضوا الغبار والأتربة عن بضائعهم، وكنسوا الرصاص الفارغ والزجاج المتحطم. واستأنفت وسائط النقل عملها في ظل ندرة المحروقات وارتفاع أسعارها. كذلك ارتفعت أسعار الخضر والفواكة بشكل ملحوظ، وما زالت أزمة الخبز تخنق المدنيين الذين التزموا بيوتهم في ظل انعدام الغاز المنزلي. وعادت شبكة الاتصالات الخلوية، بعدما حققت محال الاتصالات الفضائية مكاسب كبيرة. رغم مزاولة الناس لحياتهم الطبيعية، يمرّ شبح الموت بين الأحياء في الشوارع. لا يُمكن الحديث عن مقابر جماعية مكتشفة بعد. لم يشفع الوقت لمنفذي الإعدامات الميدانية بدفن ضحاياهم. عثر مارّون على 12 جثة في مكبات قمامة قرب مقبرة تل البيعة، فيما نقل متطوعون جثث القتلى إلى مستشفى الرقة، عُرفت منها جثة الشيخ عبد العظيم شيخو إمام «مسجد النور». وقد اختطف الإمام شيخو لأنه أمَّ الرئيس بشار الأسد أثناء تأديته صلاة عيد الأضحى في المدينة عام 2011. وتعرض لمحاولات اغتيال عديدة، وقد التقى أعضاء فريق بعثة جامعة الدول العربية أثناء زيارتهم الرقة فوثّقوا إصابته وأخذوا إفادته آنذاك. كثر غيره قضوا برصاص مجهول، تُلقى جثثهم في مكبات القمامة أو على ضفاف نهر الفرات. هنا يدفن الأهالي قتلاهم بصمت دون سؤال عن القاتل. يتحدث الناس عن شبح يُنكّل بشبابهم، يقولون «إنه شبح الموت»، في غمز واضح يخشون الإفصاح فيه. وأمس، حطّم «داعش» جميع الأضرحة وقبور الصحابة الموجودة في المدينة. ميدانياً، يشهد محيط «الفرقة 17» التابعة للجيش السوري اشتباكات متفرقة يتردد صداها في المدينة. وحسب ما ذكر ناشط إعلامي لـ«الأخبار»، «فإن تنظيم داعش يقود الآن المعارك حول الفرقة، ويبحث عن نصر جديد يُحسّن صورته في الشارع». وانسحب آخر «ألوية» الرقة باتجاه مدينة منبج في ريف حلب، وهو لواء «ثوار الرقة» يقوده «أبو عيسى»، وهو أقوى الألوية العسكرية في المدينة ومُبايع لـ«جبهة النصرة»، ويحاصر «الفرقة 17» منذ قرابة عام. أحدث هذا الانسحاب صدمة لأبناء المدينة الذين كانوا يجزمون بأن الانتصار سيكون نصير الحلفاء، أي «النصرة» و«الجبهة الإسلامية». من جهتها، أغلقت السلطات التركية معبر تل أبيض الحدودي أمام النازحين والهاربين من الحرب، وانتشر الجيش التركي على طول الحدود تحسباً لأي عمليات عسكرية في مدينة تل أبيض بعد أن سيطر عليها تنظيم «داعش». وشهدت المدينة عمليات نزوح كبيرة بعد تفجير منازل لمدنيين منتسبين لـ«أحرار الشام» الذين فروا إلى تركيا بحافلات نقلتهم إلى معابر أخرى ما زالت تحت سيطرتهم.

المصدر : فراس الهكار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة