انفجار آخر يضرب عمق الضاحية الجنوبية بعد أيام على اغتيال الوزير السابق محمد شطح. هذا ويبدو أن مسلسل القتل في لبنان الى تواصل وتصاعد على مدى العام الجديد.

وكأن الممسكين بخيوط لعبة الإرهاب ملتزمون بأجندة مليئة باغتيالات تستهدف شخصيات من «14 آذار» وتفجيرات تطال جمهور المقاومة ومناصريها. في الحالة الأولى يُصار، بشكل مبرمج، الى اتهام «حزب الله»، فيما يصار في الحالة الثانية الى حصر التهمة بالتكفيريين والإرهابيين. وبين الحالتين يتم تحميل الحزب المسؤولية عن دموية المشهد اللبناني على خلفية اتهامه بالانتقام من خصومه الداخليين، وأيضاً تحميله مسؤولية استدراج «القاعدة» وأخواتها الى لبنان كنتيجة لدخوله على خط الأزمة السورية. الدافع الى اتهام «حزب الله» بالوقوف وراء الاغتيالات لا يحتاج الى تفصيل ويندرج في اطار العمل على شيطنته وتشويه صورته. أصلاً، هذا المسار بدأ مع المحكمة الدولية وله قصة أخرى لم تعد خافية.

غير أن الانتقال، في اطار الساحة الداخلية، من استهداف الحزب عبر اتهامه وشيطنته الى استهدافه من خلال ضرب المدنيين في البيئة الشعبية الحاضنة له يدفع الى التساؤل: أولاً، حول حيثيات ذلك وتداعياته، وثانياً حول هوية الفاعل وخلفياته. استهداف المدنيين لم يكن يوماً سبباً في خسارة معركة أو خسارة حرب في مسار المقاومة والبيئة التي تنتمي اليها. هذا بمعزل عن حرص المقاومة على حفظ المدنيين وحمايتهم. وفي مثل الحالة اللبنانية الراهنة لا يمكن وضع استراتيجية السيارات المفخخة الا في إطار من الكيدية والتشفي والعبثية التي لا طائل منها. اذ من المؤكد أن «حزب الله» لن يغير سياساته في سوريا تحت وطأة ما تشهده مناطقه من تفجيرات. كما أن لا أفق أمام خصومه لتوظيف هذه التفجيرات ميدانياً أو سياسياً. وفي المحصلة لن يكون أمام هؤلاء من خيار سوى مواجهته على أرض المعركة في سوريا، حيث أثبت الى الآن كفاءته وتفوقه. وأساساً لا يمكن النظر، وفق رؤية «حزب الله»، الى الكثير من أنشطة التكفيريين من دون ربط الأمر بأجهزة استخبارات محترفة تعمل، بطريقة ما، على تصنيعهم وتمويلهم وتوجيههم. ففي مثل هذه الأعمال يجب التمييز بين الفاعل القريب الذي هو المنفذ، والفاعل البعيد الذي يبرمج ويتحكم عن بعد. وقد لا يبدو الأمر منطقياً لدى البعض بأن تكون بعض الدول، وراء بعض مشتقات «القاعدة» فيما هي على عداوة معها. في الرد على ذلك، تجدر الاشارة الى أن بنية تنظيم «القاعدة» ليست تنظيمية بالمعنى الكلاسيكي كما هو حال التنظيمات العالمية الأخرى، إذ يكفي أن يلتقي مجموعة من الأشخاص على تبني فكر «القاعدة»، واستعدادهم للخوض «جهادياً» في سبيل تحقيق أهدافها، ومبايعتهم لشخص منهم يتخذونه أميراً.. يكفي ذلك حتى تصبح هذه المجموعة من تفريعات التنظيم ومشتقاته. مع التأكيد هنا على محورية الدور الذي يلعبه بعض أئمة المساجد ورؤساء الجمعيات الدينية، ممن هم على علاقات استخباراتية بأنظمة ودول، في تجميع الأفراد وحضهم على "الجهاد" وتوفير الإمكانات التي تتيح لهم الانتقال الى البلد المقصود.

هذا ويسود اعتقاد لدى البيئة الحاضنة لـ«حزب الله» بأن المملكة العربية السعودية ترعى بعض فصائل القاعدة وعلى صلة بالانفجارات التي تتعرض لها بعض مناطقه. الاعتقاد هذا ليس ناشئاً من فراغ، بل ينبع من رؤية اتهامية تستند الى سوابق المملكة، دوافعها، وإمكانياتها. في سوابق المملكة، يجدر استحضار إحدى الشهادات الأميركية النادرة، والتي وردت في كتاب «الحجاب».. الحروب السرية للـ«سي. آي. إيه» 1981 ـ 1987، الذي كتبه مدير تحرير صحيفة الـ«واشنطن بوست» بوب وودورد: «إن المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وليم كايسي، ساعد شخصياً الاستخبارات السعودية على تنفيذ ثلاث عمليات سرية، الأولى مساعدة تشاد في مواجهة ليبيا، والثانية إحباط الآمال الانتخابية للحزب الشيوعي الإيطالي في أيار العام 1985، أما الثالثة فهي محاولة اغتيال السيد محمد حسين فضل الله في 8 آذار 1985 في سيارة ملغومة أسفرت عن مصرع 80 مدنياً في بئر العبد». على أن السعودية دخلت، منذ بداية الربيع العربي، في مسار مأزوم ومضطرب وملتبس ومتناقض. وكأن سياسة الهروب الى الأمام هي التي تحكم خطواتها خوفاً من أن تصيبها لوثة هذا الربيع. في البداية وقفت الرياض الى جانب نظام بن علي ضد الشعب التونسي، ثم احتضنته تحت عنوان اللجوء الإنساني. كما وقفت الى جانب حسني مبارك ضد الشعب المصري، وبعد ذلك انقلبت على حكم مرسي ودعمت الانقلابيين على الشرعية الجديدة. وهي كانت دخلت البحرين لدعم النظام ضد الشعب الذي لا يطمح الى أكثر من اصلاحات دستورية، وأيضاً هي حاضرة بقوة على خريطة الأزمة السورية وتدعم المسلحين وتعمل على اجهاض كل المحاولات السلمية لحل هذه الأزمة. بينما لا تخفى البصمات التفجيرية للمملكة في العراق، الى جانب اليمن وأفغانستان والباكستان. وبالعموم يمكن القول إن التدخل العنفي للمملكة لا يكاد يخلو منه أي بلد من البلاد المأزومة في المنطقة. في دوافع المملكة، لا يخفى أن ثمة مشكلة مزمنة لدى الرياض تجاه المقاومة وحلفائها. المشكلة ناشئة على خلفية أن نجاح المقاومة قد فضح عجز أو تواطؤ الاعتدال العربي الذي تتزعمه الرياض في دعم القضية الفلسطينية والعداء لإسرائيل. هذا الأمر يفسر غياب هذه القضية بالكامل عن الاجندة السعودية ويفسر أيضاً التلاقي السعودي الاسرائيلي على العداء لايران وسوريا و«حزب الله». ومن المفارقات في هذا المجال مطالبة المملكة نيابة عن المجموعة العربية بعضوية على طاولة التفاوض بين الدول الست وايران، بينما لم تطلب هذه المجموعة، على سبيل المثال، أن تكون ضمن الرباعية الدولية التي كانت تتولى الإشراف على مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي كل الاحوال، دور المملكة الراهن في لبنان، يهدف الى توظيف الساحة اللبنانية خدمة للأزمة السورية. وهذا ليس بعيداً عن الاستياء السعودي من التفاهم بين طهران وواشنطن الذي تريد المملكة استبداله بخيار الحرب الاميركية على ايران. ويمكن القول إن ما تقدم كله، يجعل الرياض أكثر تقارباً مع اسرائيل من أي وقت مضى. أما بالنسبة لإمكانات المملكة، فيكفي القول إن احداً لا يصدق كون التكفيريين يمولون عملياتهم القاتلة في لبنان وسوريا والعراق من التبرعات على ابواب المساجد. كما ليس من قبيل الصدفة أن تغدق المملكة تحت عنوان «مكرمة» ملياراتها على الجيش اللبناني في خطوة غير مسبوقة، في إطار محاولة لتحويل مهمة الجيش الوطني من مواجهة الإرهاب الى مقاتلة المقاومة. ولا يخفى أن من كان مستعداً للإنفاق علنا كل هذه الأموال خدمة لأهدافه لن يتردد في الإنفاق سراً ما يفوقها اضعافاً من أجل الأهداف ذاتها. كما يجب ان يبقى في الحسبان أن من هدد روسيا بالتكفيريين ثم نفذ تهديده بضربها في عقر دارها لن يتوانى عن القيام بالعمل ذاته على امتداد دول المنطقة ومن بينها لبنان. مع ذلك يبقى السؤال مطروحاً حول السبب في ذهاب مملكة آل سعود الى اتباع استرتيجية «عليَّ وعلى أعدائي يا رب»!
  • فريق ماسة
  • 2014-01-04
  • 12870
  • من الأرشيف

المملكة .. وسياسة عليَّ وعلى أعدائي

انفجار آخر يضرب عمق الضاحية الجنوبية بعد أيام على اغتيال الوزير السابق محمد شطح. هذا ويبدو أن مسلسل القتل في لبنان الى تواصل وتصاعد على مدى العام الجديد. وكأن الممسكين بخيوط لعبة الإرهاب ملتزمون بأجندة مليئة باغتيالات تستهدف شخصيات من «14 آذار» وتفجيرات تطال جمهور المقاومة ومناصريها. في الحالة الأولى يُصار، بشكل مبرمج، الى اتهام «حزب الله»، فيما يصار في الحالة الثانية الى حصر التهمة بالتكفيريين والإرهابيين. وبين الحالتين يتم تحميل الحزب المسؤولية عن دموية المشهد اللبناني على خلفية اتهامه بالانتقام من خصومه الداخليين، وأيضاً تحميله مسؤولية استدراج «القاعدة» وأخواتها الى لبنان كنتيجة لدخوله على خط الأزمة السورية. الدافع الى اتهام «حزب الله» بالوقوف وراء الاغتيالات لا يحتاج الى تفصيل ويندرج في اطار العمل على شيطنته وتشويه صورته. أصلاً، هذا المسار بدأ مع المحكمة الدولية وله قصة أخرى لم تعد خافية. غير أن الانتقال، في اطار الساحة الداخلية، من استهداف الحزب عبر اتهامه وشيطنته الى استهدافه من خلال ضرب المدنيين في البيئة الشعبية الحاضنة له يدفع الى التساؤل: أولاً، حول حيثيات ذلك وتداعياته، وثانياً حول هوية الفاعل وخلفياته. استهداف المدنيين لم يكن يوماً سبباً في خسارة معركة أو خسارة حرب في مسار المقاومة والبيئة التي تنتمي اليها. هذا بمعزل عن حرص المقاومة على حفظ المدنيين وحمايتهم. وفي مثل الحالة اللبنانية الراهنة لا يمكن وضع استراتيجية السيارات المفخخة الا في إطار من الكيدية والتشفي والعبثية التي لا طائل منها. اذ من المؤكد أن «حزب الله» لن يغير سياساته في سوريا تحت وطأة ما تشهده مناطقه من تفجيرات. كما أن لا أفق أمام خصومه لتوظيف هذه التفجيرات ميدانياً أو سياسياً. وفي المحصلة لن يكون أمام هؤلاء من خيار سوى مواجهته على أرض المعركة في سوريا، حيث أثبت الى الآن كفاءته وتفوقه. وأساساً لا يمكن النظر، وفق رؤية «حزب الله»، الى الكثير من أنشطة التكفيريين من دون ربط الأمر بأجهزة استخبارات محترفة تعمل، بطريقة ما، على تصنيعهم وتمويلهم وتوجيههم. ففي مثل هذه الأعمال يجب التمييز بين الفاعل القريب الذي هو المنفذ، والفاعل البعيد الذي يبرمج ويتحكم عن بعد. وقد لا يبدو الأمر منطقياً لدى البعض بأن تكون بعض الدول، وراء بعض مشتقات «القاعدة» فيما هي على عداوة معها. في الرد على ذلك، تجدر الاشارة الى أن بنية تنظيم «القاعدة» ليست تنظيمية بالمعنى الكلاسيكي كما هو حال التنظيمات العالمية الأخرى، إذ يكفي أن يلتقي مجموعة من الأشخاص على تبني فكر «القاعدة»، واستعدادهم للخوض «جهادياً» في سبيل تحقيق أهدافها، ومبايعتهم لشخص منهم يتخذونه أميراً.. يكفي ذلك حتى تصبح هذه المجموعة من تفريعات التنظيم ومشتقاته. مع التأكيد هنا على محورية الدور الذي يلعبه بعض أئمة المساجد ورؤساء الجمعيات الدينية، ممن هم على علاقات استخباراتية بأنظمة ودول، في تجميع الأفراد وحضهم على "الجهاد" وتوفير الإمكانات التي تتيح لهم الانتقال الى البلد المقصود. هذا ويسود اعتقاد لدى البيئة الحاضنة لـ«حزب الله» بأن المملكة العربية السعودية ترعى بعض فصائل القاعدة وعلى صلة بالانفجارات التي تتعرض لها بعض مناطقه. الاعتقاد هذا ليس ناشئاً من فراغ، بل ينبع من رؤية اتهامية تستند الى سوابق المملكة، دوافعها، وإمكانياتها. في سوابق المملكة، يجدر استحضار إحدى الشهادات الأميركية النادرة، والتي وردت في كتاب «الحجاب».. الحروب السرية للـ«سي. آي. إيه» 1981 ـ 1987، الذي كتبه مدير تحرير صحيفة الـ«واشنطن بوست» بوب وودورد: «إن المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وليم كايسي، ساعد شخصياً الاستخبارات السعودية على تنفيذ ثلاث عمليات سرية، الأولى مساعدة تشاد في مواجهة ليبيا، والثانية إحباط الآمال الانتخابية للحزب الشيوعي الإيطالي في أيار العام 1985، أما الثالثة فهي محاولة اغتيال السيد محمد حسين فضل الله في 8 آذار 1985 في سيارة ملغومة أسفرت عن مصرع 80 مدنياً في بئر العبد». على أن السعودية دخلت، منذ بداية الربيع العربي، في مسار مأزوم ومضطرب وملتبس ومتناقض. وكأن سياسة الهروب الى الأمام هي التي تحكم خطواتها خوفاً من أن تصيبها لوثة هذا الربيع. في البداية وقفت الرياض الى جانب نظام بن علي ضد الشعب التونسي، ثم احتضنته تحت عنوان اللجوء الإنساني. كما وقفت الى جانب حسني مبارك ضد الشعب المصري، وبعد ذلك انقلبت على حكم مرسي ودعمت الانقلابيين على الشرعية الجديدة. وهي كانت دخلت البحرين لدعم النظام ضد الشعب الذي لا يطمح الى أكثر من اصلاحات دستورية، وأيضاً هي حاضرة بقوة على خريطة الأزمة السورية وتدعم المسلحين وتعمل على اجهاض كل المحاولات السلمية لحل هذه الأزمة. بينما لا تخفى البصمات التفجيرية للمملكة في العراق، الى جانب اليمن وأفغانستان والباكستان. وبالعموم يمكن القول إن التدخل العنفي للمملكة لا يكاد يخلو منه أي بلد من البلاد المأزومة في المنطقة. في دوافع المملكة، لا يخفى أن ثمة مشكلة مزمنة لدى الرياض تجاه المقاومة وحلفائها. المشكلة ناشئة على خلفية أن نجاح المقاومة قد فضح عجز أو تواطؤ الاعتدال العربي الذي تتزعمه الرياض في دعم القضية الفلسطينية والعداء لإسرائيل. هذا الأمر يفسر غياب هذه القضية بالكامل عن الاجندة السعودية ويفسر أيضاً التلاقي السعودي الاسرائيلي على العداء لايران وسوريا و«حزب الله». ومن المفارقات في هذا المجال مطالبة المملكة نيابة عن المجموعة العربية بعضوية على طاولة التفاوض بين الدول الست وايران، بينما لم تطلب هذه المجموعة، على سبيل المثال، أن تكون ضمن الرباعية الدولية التي كانت تتولى الإشراف على مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي كل الاحوال، دور المملكة الراهن في لبنان، يهدف الى توظيف الساحة اللبنانية خدمة للأزمة السورية. وهذا ليس بعيداً عن الاستياء السعودي من التفاهم بين طهران وواشنطن الذي تريد المملكة استبداله بخيار الحرب الاميركية على ايران. ويمكن القول إن ما تقدم كله، يجعل الرياض أكثر تقارباً مع اسرائيل من أي وقت مضى. أما بالنسبة لإمكانات المملكة، فيكفي القول إن احداً لا يصدق كون التكفيريين يمولون عملياتهم القاتلة في لبنان وسوريا والعراق من التبرعات على ابواب المساجد. كما ليس من قبيل الصدفة أن تغدق المملكة تحت عنوان «مكرمة» ملياراتها على الجيش اللبناني في خطوة غير مسبوقة، في إطار محاولة لتحويل مهمة الجيش الوطني من مواجهة الإرهاب الى مقاتلة المقاومة. ولا يخفى أن من كان مستعداً للإنفاق علنا كل هذه الأموال خدمة لأهدافه لن يتردد في الإنفاق سراً ما يفوقها اضعافاً من أجل الأهداف ذاتها. كما يجب ان يبقى في الحسبان أن من هدد روسيا بالتكفيريين ثم نفذ تهديده بضربها في عقر دارها لن يتوانى عن القيام بالعمل ذاته على امتداد دول المنطقة ومن بينها لبنان. مع ذلك يبقى السؤال مطروحاً حول السبب في ذهاب مملكة آل سعود الى اتباع استرتيجية «عليَّ وعلى أعدائي يا رب»!

المصدر : السفير/ حبيب فياض


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة