منذ أسبوعين انهارت مفاوضات استمرّت شهرين لفرض الهدوء في مخيم اليرموك في جنوب دمشق، على أمل أن يستعيد النازحون بيئتهم وبيوتهم، وتسجل نقطة أخرى ثمينة للغة الحوار والمصالحة.

في الأيام الأخيرة لحوار لا يقود إلى نتيجة، استنتج قادة فلسطينيون أن فرص حصول اتفاق، كما إمكانية صمود الهدنة العسكرية، ربما تكون قد أُقصيت.

هدنة أخرى في المعضمية، لاقت مصيراً مشابهاً، فيما تراجعت أخبار مصالحات أخرى محتملة في الأسبوعين الأخيرين، وذلك بعد شهرين تقريباً من حملات رسمية لاستعادة مجنّدين هاربين، وتسليم مسلحين أسلحتهم، وتمديد عفو رئاسي بهذا الشأن، وعمليات مهادنة في أرياف متفرقة من البلاد.

يعزو كثيرون ذلك إلى أوامر خارجية، ولا سيما في ما يخصّ وضعَي اليرموك والمعضمية، ويضاف إلى هذا التحليل عامل آخر يتمثل في محاولة إحداث تغيير ميداني في خريطة موازين القوى وتوزعها. ويبدو أن شغل المسؤولين السوريين الشاغل هو تحميل السعودية، ليس فشل إمكانية التسوية الكبرى في جنيف، وقبلها تسويات صغرى، كما في المصالحات المحلية، بل أيضاً كل أبعاد المعركة في سوريا، والتي يشكل وجود تنظيم «القاعدة» ومجموعاته عنصراً أساسياً فيها.

السياسة السعودية التي لا تتبرأ من تهمة دعم المسلحين ولا إرسال قسم منهم، تشكل هدف الحملات السورية الديبلوماسية، إلى حد دفع رئيس مجلس الشعب السوري إلى اتهام الرياض «باتباع سياسة ممنهجة لنشر فكر التكفير الوهابي المتطرف عبر حملات دينية وتمويل تربوي، ليس في الوطن العربي، فحسب بل في العالم»، مطالباً بـ«تكفير بعض أئمتها».

إلا أن حالة المواجهة، كما هو معروف، تتعدى تلك التي تجري ديبلوماسياً. ويقر مسؤولون بأن الأسابيع المقبلة، وإن تمتعت بالزخم السياسي الكافي لعقد جنيف في موعده، فإنها ستكون عنيفة ودموية أكثر من الاعتيادي.

ويعلل أحدهم لـ«السفير» أن الطرفين يريدان «رسم ملامح المؤتمر على الأرض، وفي الميدان» إلا أن «الدولة تتفوق على خصومها بعامل الوقت». وهو الأمر الذي سيدفع بالطرف الآخر إلى استخدام طاقته القصوى ميدانياً، بما في ذلك «الاستهداف العشوائي، والاستنزاف العسكري، واستهداف استراتيجي للبنية التحتية، على أمل تحقيق إنجازات طارئة».

ومن بين هذه الإنجازات يمكن «الاستيلاء على مناطق جديدة، أو محاولة استعادة مناطق قديمة  ، وزيادة حجم الضغط النفسي على المدن الكبرى عبر قصف الهاون»، كما في دمشق وحلب ورفع منسوب الضحايا، مدنيين أو عسكريين كانوا. من جهته سيتحرك الجيش بآلية معاكسة، كما سيتابع تقدّمه في القلمون، وإحكام سيطرته على الغوطة الشرقية ووسط البلاد، وذلك على الرغم من الأعداد الكبيرة التي تُضاف إلى تعداد المقاتلين كل أسبوع، ولا سيما من الأردن.

أما في حال نجح «جنيف 2» في الانعقاد، تحت ضغط الرصاص والنار، فإن أكثر المتفائلين في دمشق يبقى متشائماً، إلى حد ملحوظ، وذلك لعاملين، الأول عسكري - امني، والثاني سياسي - ديموغرافي.

ويرى مراقبون كثر، ممن عايشوا الأزمة السورية من بداياتها، أن طبقات الحرب العديدة تبدو حتى اللحظة عصية على أي اختراق داخلي. وتلك الطبقات تقسم إلى أربع، الأولى الطبقة الأهلية وهي طبقة المتصارعين الأخوة، والثانية هي طبقة التحالفات الإقليمية للمتصارعين السابقين، والثالثة هي التحالفات الدولية لهؤلاء ورعاتهم الدوليين والإقليميين، أما الرابعة فهي التنظيمات «الجهادية» والإسلامية التي لا تتبع سوى إيديولوجيتها المدمرة.

والأخيرة تضاف إليها عناصر مجهولة أخرى من الطرفين، يمكن وصفها بالمتطرفة أيضاً، لا ترضى بأية تسويات سياسية، وترى أن استمرار الصراع «باعتباره وجودياً» هو المخرج، ولو استغرق طويلاً. وكثر في دمشق يرددون المثال المتكرر عن أحداث الثمانينيات التي دامت سنوات، وانتهت باستئصال جماعة «الأخوان المسلمين»، وثبات النظام واستقراره. ورغم أن المقارنة ليست دقيقة لجهة حجم الدمار والحرب الحاصلة، كما تجاذباتها، إلا أن التشبيه يظهر جانباً أيضاً من صورة المستقبل المرتقب.

لذا تبدو فكرة «الدعوة الى وقف إطلاق نار أو إطلاق معتقلين» قبيل المؤتمر، بمثابة مزحة بالنسبة لكثيرين، يجابهونها بالتعليق إن «وقف إطلاق النار لم ينجح في صيف العام 2012 حتى ينجح في شتاء 2014؟».

ما الحل؟ يأتي الجواب بـ«مكافحة الإرهاب وذيوله وارتباطاته حتى النفس الأخير»، وهو هدف ترغب دمشق وموسكو وطهران في اعتماده عنواناً لـ«جنيف 2». أما ما يلي ذلك في حال حقق نجاحه، فثمة علامات استفهام أخرى أيضاً، إذ سبق لدمشق أن رفضت قبل ثلاثة أعوام، ومن دون ضغط الدم الذي سال، فكرة تركية - قطرية، غازلها المبعوثون الأوروبيون، عن «محاصصة» شبيهة بتلك التي في العراق ولبنان، لا تخلو من شبهة طائفية. وهي مسألة يرى كثر من النافذين في العاصمة السورية، أنها هدف جنيف الحقيقي، بخلق «بيئة سياسية مهزوزة ومرتبطة خارجياً، تبقي البلاد على حافة الهاوية دوماً»، الأمر الذي يقود إلى أن «مجابهتها تتم بفرض واقع ميداني، وإحالة كل ما ينتج عن جنيف إلى الاستفتاء الشعبي»... وترك «سلطان السياسة - الوقت» يفعل فعلته.

  • فريق ماسة
  • 2013-12-22
  • 10409
  • من الأرشيف

30 يوماً إلى جنيف 2: التسويات رهن الوقت.. والعنف

منذ أسبوعين انهارت مفاوضات استمرّت شهرين لفرض الهدوء في مخيم اليرموك في جنوب دمشق، على أمل أن يستعيد النازحون بيئتهم وبيوتهم، وتسجل نقطة أخرى ثمينة للغة الحوار والمصالحة. في الأيام الأخيرة لحوار لا يقود إلى نتيجة، استنتج قادة فلسطينيون أن فرص حصول اتفاق، كما إمكانية صمود الهدنة العسكرية، ربما تكون قد أُقصيت. هدنة أخرى في المعضمية، لاقت مصيراً مشابهاً، فيما تراجعت أخبار مصالحات أخرى محتملة في الأسبوعين الأخيرين، وذلك بعد شهرين تقريباً من حملات رسمية لاستعادة مجنّدين هاربين، وتسليم مسلحين أسلحتهم، وتمديد عفو رئاسي بهذا الشأن، وعمليات مهادنة في أرياف متفرقة من البلاد. يعزو كثيرون ذلك إلى أوامر خارجية، ولا سيما في ما يخصّ وضعَي اليرموك والمعضمية، ويضاف إلى هذا التحليل عامل آخر يتمثل في محاولة إحداث تغيير ميداني في خريطة موازين القوى وتوزعها. ويبدو أن شغل المسؤولين السوريين الشاغل هو تحميل السعودية، ليس فشل إمكانية التسوية الكبرى في جنيف، وقبلها تسويات صغرى، كما في المصالحات المحلية، بل أيضاً كل أبعاد المعركة في سوريا، والتي يشكل وجود تنظيم «القاعدة» ومجموعاته عنصراً أساسياً فيها. السياسة السعودية التي لا تتبرأ من تهمة دعم المسلحين ولا إرسال قسم منهم، تشكل هدف الحملات السورية الديبلوماسية، إلى حد دفع رئيس مجلس الشعب السوري إلى اتهام الرياض «باتباع سياسة ممنهجة لنشر فكر التكفير الوهابي المتطرف عبر حملات دينية وتمويل تربوي، ليس في الوطن العربي، فحسب بل في العالم»، مطالباً بـ«تكفير بعض أئمتها». إلا أن حالة المواجهة، كما هو معروف، تتعدى تلك التي تجري ديبلوماسياً. ويقر مسؤولون بأن الأسابيع المقبلة، وإن تمتعت بالزخم السياسي الكافي لعقد جنيف في موعده، فإنها ستكون عنيفة ودموية أكثر من الاعتيادي. ويعلل أحدهم لـ«السفير» أن الطرفين يريدان «رسم ملامح المؤتمر على الأرض، وفي الميدان» إلا أن «الدولة تتفوق على خصومها بعامل الوقت». وهو الأمر الذي سيدفع بالطرف الآخر إلى استخدام طاقته القصوى ميدانياً، بما في ذلك «الاستهداف العشوائي، والاستنزاف العسكري، واستهداف استراتيجي للبنية التحتية، على أمل تحقيق إنجازات طارئة». ومن بين هذه الإنجازات يمكن «الاستيلاء على مناطق جديدة، أو محاولة استعادة مناطق قديمة  ، وزيادة حجم الضغط النفسي على المدن الكبرى عبر قصف الهاون»، كما في دمشق وحلب ورفع منسوب الضحايا، مدنيين أو عسكريين كانوا. من جهته سيتحرك الجيش بآلية معاكسة، كما سيتابع تقدّمه في القلمون، وإحكام سيطرته على الغوطة الشرقية ووسط البلاد، وذلك على الرغم من الأعداد الكبيرة التي تُضاف إلى تعداد المقاتلين كل أسبوع، ولا سيما من الأردن. أما في حال نجح «جنيف 2» في الانعقاد، تحت ضغط الرصاص والنار، فإن أكثر المتفائلين في دمشق يبقى متشائماً، إلى حد ملحوظ، وذلك لعاملين، الأول عسكري - امني، والثاني سياسي - ديموغرافي. ويرى مراقبون كثر، ممن عايشوا الأزمة السورية من بداياتها، أن طبقات الحرب العديدة تبدو حتى اللحظة عصية على أي اختراق داخلي. وتلك الطبقات تقسم إلى أربع، الأولى الطبقة الأهلية وهي طبقة المتصارعين الأخوة، والثانية هي طبقة التحالفات الإقليمية للمتصارعين السابقين، والثالثة هي التحالفات الدولية لهؤلاء ورعاتهم الدوليين والإقليميين، أما الرابعة فهي التنظيمات «الجهادية» والإسلامية التي لا تتبع سوى إيديولوجيتها المدمرة. والأخيرة تضاف إليها عناصر مجهولة أخرى من الطرفين، يمكن وصفها بالمتطرفة أيضاً، لا ترضى بأية تسويات سياسية، وترى أن استمرار الصراع «باعتباره وجودياً» هو المخرج، ولو استغرق طويلاً. وكثر في دمشق يرددون المثال المتكرر عن أحداث الثمانينيات التي دامت سنوات، وانتهت باستئصال جماعة «الأخوان المسلمين»، وثبات النظام واستقراره. ورغم أن المقارنة ليست دقيقة لجهة حجم الدمار والحرب الحاصلة، كما تجاذباتها، إلا أن التشبيه يظهر جانباً أيضاً من صورة المستقبل المرتقب. لذا تبدو فكرة «الدعوة الى وقف إطلاق نار أو إطلاق معتقلين» قبيل المؤتمر، بمثابة مزحة بالنسبة لكثيرين، يجابهونها بالتعليق إن «وقف إطلاق النار لم ينجح في صيف العام 2012 حتى ينجح في شتاء 2014؟». ما الحل؟ يأتي الجواب بـ«مكافحة الإرهاب وذيوله وارتباطاته حتى النفس الأخير»، وهو هدف ترغب دمشق وموسكو وطهران في اعتماده عنواناً لـ«جنيف 2». أما ما يلي ذلك في حال حقق نجاحه، فثمة علامات استفهام أخرى أيضاً، إذ سبق لدمشق أن رفضت قبل ثلاثة أعوام، ومن دون ضغط الدم الذي سال، فكرة تركية - قطرية، غازلها المبعوثون الأوروبيون، عن «محاصصة» شبيهة بتلك التي في العراق ولبنان، لا تخلو من شبهة طائفية. وهي مسألة يرى كثر من النافذين في العاصمة السورية، أنها هدف جنيف الحقيقي، بخلق «بيئة سياسية مهزوزة ومرتبطة خارجياً، تبقي البلاد على حافة الهاوية دوماً»، الأمر الذي يقود إلى أن «مجابهتها تتم بفرض واقع ميداني، وإحالة كل ما ينتج عن جنيف إلى الاستفتاء الشعبي»... وترك «سلطان السياسة - الوقت» يفعل فعلته.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة