يتحدث الجميع عن قرب اندلاع معركة «القلمون»، حتى أصبحت هذه المعركة في حسابات البعض «أمّ المعارك» في السلسلة الشرقية على الحدود مع سوريا. وتكمن أهميتها في أبعادها العسكرية والميدانية، وانعكاسات نتائجها على المسار السياسي العام للأزمة السورية وتداعياتها اللبنانية.

ذات يوم، قال رئيس بلدية عرسال علي الحجيري لإحدى الصحف اللبنانية إنه يسيطر على مسافة 70 كلم من عرسال لجهة الحدود. وكان يقصد هذه المنطقة المتداخلة بين لبنان وسوريا، التي شكّلت ممراً تاريخياً لكلّ انواع التهريب من سوريا وإليها، وأصبحت بعد اندلاع الازمة السورية مستقراً لجماعات مسلحة، منها ما ينتسب الى “الجيش الحر”، ومنها ما ينحاز الى المجموعات الاسلامية المتطرفة التي تقدمت على الارض وأصبحت الاكثر قوة ودعماً وتسليحاً.

بعد معركتي القُصير والغوطة الشرقية، اكتسبت تلك المنطقة أهميّة إضافية. فقد “هجر” اليها ما بقي من المقاتلين بعد القُصير وريف حمص، وأخيراً وفدت اليها مجموعات اسلامية مسلحة، هربت من الغوطة الشرقية إثر تقدّم الجيش السوري ميدانياً. ولعلّ أبرز المجموعات الاسلامية المتشددة التي تتمركز في تلك المنطقة، هي “لواء الاسلام” بزعامة زهران علوش، ذات العلاقة العضوية والمتينة بالمملكة العربية السعودية.

من جهته، ينظر “حزب الله” الى هذه المنطقة على أنها مصدر كل العمليات الارهابية التي استهدفت الضاحية، والصواريخ التي استهدفت مناطق نفوذه. وقد أفضَت التحقيقات التي أجرتها الاجهزة اللبنانية، وباشرتها الاجهزة المعنية بالإسم، الى تحديد هذه المنطقة بوَصفها منطلقاً للأعمال التخريبية والعدائية ضد المقاومة وبيئتها.

أمّا الجيش السوري فيعتبر أنّ وضع اليد على المنطقة من شأنه إقفال ملف الحدود مع لبنان من هذه الناحية، بعدما شكّلت جزءاً جدياً من عمليات تهريب السلاح والاموال والمقاتلين الى سوريا.

مع التحولات الميدانية بعد معركة القُصير، ومع تقدّم الجيش السوري في الغوطتين، إضافة الى التحولات السياسية التي طرأت منذ شهرين، أصبحت هذه المنطقة الملاذ الميداني الأخير للمسلحين بين محافظتي حمص ودمشق والحدود مع لبنان. ناهيك عن كونها من الاوراق الاخيرة التي ستتمسّك بها الدوَل الراعية للمسلحين، ومنها السعودية، لتفرض لنفسها دوراً في أيّ مفاوضات او تسوية سياسية في شأن سوريا.

اذاً، تعتبر منطقة القلمون – الزبداني امتداداً الى عرسال اللبنانية نقطة مصالح عسكرية وسياسية للطرفين، حيث تحتاج الدولة السورية إلى إقفالها لتخفيف تأثيرها في مجريات المعركة داخلياً، ويحتاج “حزب الله” الى “تسكيرها” في وجه المسلحين لِما تمثّله من خطر على خطوط إمداد المقاومة وعلى القرى والمدن البقاعية المؤيدة للحزب، أمّا المسلحون فتُمثّل لهم المنطقة “قلعة” للاحتماء والبقاء وقتاً طويلاً، والانطلاق لتنفيذ عمليات أمنية وعسكرية في سوريا ولبنان.

والحقّ انّ جغرافية المنطقة الجبلية وتضاريسها الصعبة تؤهّلها لتكون “قلعة” للاحتماء وانتظار المعطيات السياسية والعسكرية. في حين تحتاج السعودية إلى أي منطقة تعلن من خلالها أنها موجودة وحاضرة ومُمسِكة بأوراق في الشأن السوري تمكّنها من تأدية دور ما في المرحلة المقبلة من التسويات المحتملة.

بناء على هذه المعطيات “القاسية” وحاجة كل الاطراف الى السيطرة على هذه المنطقة، يبدو في التحليل والمعلومات أنّ “معركة القلمون” قد تنطلق قريباً، وذلك ربطاً بالاستحقاقات السياسية والتحضير لمؤتمر “جنيف 2″، بحيث يريد كلّ مَن يجلس على الطاولة وَضع تلك الورقة بين يديه.

التوقيت ليس نهائياً بعد، لكنّ المواعيد المضروبة للشروع في البحث عن تسوية سياسية، وحاجة الاطراف لتعزيز واقعها على الارض والإفادة سياسياً من هذا الواقع، تشير الى “اقتراب المعركة” واحتمال نشوبها في أيّ وقت.

والأهمّ في كل ذلك انتظار تداعياتها على الوضع اللبناني من بيروت الى الشمال وصولاً الى البقاع. واذا كانت معركة القُصير قد تركت آثاراً واضحة على الوضع اللبناني، فإنّ من شأن معركة “القلمون”، إذا وقعت، دَفع الوضع الامني والسياسي في لبنان نحو الذروة… والبعض بدأ يعطي إشارات جدية حيال هذا الامر.
  • فريق ماسة
  • 2013-10-18
  • 9868
  • من الأرشيف

القلمون: «أمّ المعارك» في الحدود مع لبنان ....غسان جواد

يتحدث الجميع عن قرب اندلاع معركة «القلمون»، حتى أصبحت هذه المعركة في حسابات البعض «أمّ المعارك» في السلسلة الشرقية على الحدود مع سوريا. وتكمن أهميتها في أبعادها العسكرية والميدانية، وانعكاسات نتائجها على المسار السياسي العام للأزمة السورية وتداعياتها اللبنانية. ذات يوم، قال رئيس بلدية عرسال علي الحجيري لإحدى الصحف اللبنانية إنه يسيطر على مسافة 70 كلم من عرسال لجهة الحدود. وكان يقصد هذه المنطقة المتداخلة بين لبنان وسوريا، التي شكّلت ممراً تاريخياً لكلّ انواع التهريب من سوريا وإليها، وأصبحت بعد اندلاع الازمة السورية مستقراً لجماعات مسلحة، منها ما ينتسب الى “الجيش الحر”، ومنها ما ينحاز الى المجموعات الاسلامية المتطرفة التي تقدمت على الارض وأصبحت الاكثر قوة ودعماً وتسليحاً. بعد معركتي القُصير والغوطة الشرقية، اكتسبت تلك المنطقة أهميّة إضافية. فقد “هجر” اليها ما بقي من المقاتلين بعد القُصير وريف حمص، وأخيراً وفدت اليها مجموعات اسلامية مسلحة، هربت من الغوطة الشرقية إثر تقدّم الجيش السوري ميدانياً. ولعلّ أبرز المجموعات الاسلامية المتشددة التي تتمركز في تلك المنطقة، هي “لواء الاسلام” بزعامة زهران علوش، ذات العلاقة العضوية والمتينة بالمملكة العربية السعودية. من جهته، ينظر “حزب الله” الى هذه المنطقة على أنها مصدر كل العمليات الارهابية التي استهدفت الضاحية، والصواريخ التي استهدفت مناطق نفوذه. وقد أفضَت التحقيقات التي أجرتها الاجهزة اللبنانية، وباشرتها الاجهزة المعنية بالإسم، الى تحديد هذه المنطقة بوَصفها منطلقاً للأعمال التخريبية والعدائية ضد المقاومة وبيئتها. أمّا الجيش السوري فيعتبر أنّ وضع اليد على المنطقة من شأنه إقفال ملف الحدود مع لبنان من هذه الناحية، بعدما شكّلت جزءاً جدياً من عمليات تهريب السلاح والاموال والمقاتلين الى سوريا. مع التحولات الميدانية بعد معركة القُصير، ومع تقدّم الجيش السوري في الغوطتين، إضافة الى التحولات السياسية التي طرأت منذ شهرين، أصبحت هذه المنطقة الملاذ الميداني الأخير للمسلحين بين محافظتي حمص ودمشق والحدود مع لبنان. ناهيك عن كونها من الاوراق الاخيرة التي ستتمسّك بها الدوَل الراعية للمسلحين، ومنها السعودية، لتفرض لنفسها دوراً في أيّ مفاوضات او تسوية سياسية في شأن سوريا. اذاً، تعتبر منطقة القلمون – الزبداني امتداداً الى عرسال اللبنانية نقطة مصالح عسكرية وسياسية للطرفين، حيث تحتاج الدولة السورية إلى إقفالها لتخفيف تأثيرها في مجريات المعركة داخلياً، ويحتاج “حزب الله” الى “تسكيرها” في وجه المسلحين لِما تمثّله من خطر على خطوط إمداد المقاومة وعلى القرى والمدن البقاعية المؤيدة للحزب، أمّا المسلحون فتُمثّل لهم المنطقة “قلعة” للاحتماء والبقاء وقتاً طويلاً، والانطلاق لتنفيذ عمليات أمنية وعسكرية في سوريا ولبنان. والحقّ انّ جغرافية المنطقة الجبلية وتضاريسها الصعبة تؤهّلها لتكون “قلعة” للاحتماء وانتظار المعطيات السياسية والعسكرية. في حين تحتاج السعودية إلى أي منطقة تعلن من خلالها أنها موجودة وحاضرة ومُمسِكة بأوراق في الشأن السوري تمكّنها من تأدية دور ما في المرحلة المقبلة من التسويات المحتملة. بناء على هذه المعطيات “القاسية” وحاجة كل الاطراف الى السيطرة على هذه المنطقة، يبدو في التحليل والمعلومات أنّ “معركة القلمون” قد تنطلق قريباً، وذلك ربطاً بالاستحقاقات السياسية والتحضير لمؤتمر “جنيف 2″، بحيث يريد كلّ مَن يجلس على الطاولة وَضع تلك الورقة بين يديه. التوقيت ليس نهائياً بعد، لكنّ المواعيد المضروبة للشروع في البحث عن تسوية سياسية، وحاجة الاطراف لتعزيز واقعها على الارض والإفادة سياسياً من هذا الواقع، تشير الى “اقتراب المعركة” واحتمال نشوبها في أيّ وقت. والأهمّ في كل ذلك انتظار تداعياتها على الوضع اللبناني من بيروت الى الشمال وصولاً الى البقاع. واذا كانت معركة القُصير قد تركت آثاراً واضحة على الوضع اللبناني، فإنّ من شأن معركة “القلمون”، إذا وقعت، دَفع الوضع الامني والسياسي في لبنان نحو الذروة… والبعض بدأ يعطي إشارات جدية حيال هذا الامر.

المصدر : الجمهورية/ غسان جواد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة