شهدت العلاقات بين «الاخوان المسلمين» والسعودية مؤخراً، صراعاً مكشوفاً، لا سيما في مصر بعد الدعم السعودي للتحرك الشعبي والعسكري ضد «الإخوان». كما شهدت وسائل الإعلام السعودية حملة قاسية ضد «الإخوان» ودورهم. فما حقيقة العلاقة بين «الإخوان» والسعودية وما هي أسباب الصراع بينهما؟

تعود العلاقة بين «الاخوان المسلمين» مع المملكة العربية السعودية إلى بدايات تأسيس الجماعة في مصر، حيث يروي الإمام حسن البنا في مذكراته حول بواكير صلات «الإخوان» بالسلفية والسعودية، فيقول: «كما كان ينفس عن نفسي التردد على المكتبة السلفية، حيث نلتقي الرجل المؤمن المجاهد العالم القوي والعالم الفاضل والصحافي الإسلامي القدير السيد محب الدين الخطيب، كما نتردد على دار العلوم ونحضر في بعض مجالس الأستاذ رشيد رضا».

ويضيف البنا أن «فضيلة الشيخ حافظ وهبة مستشار جلالة الملك (عبد العزيز) ابن آل سعود، حضر إلى القاهرة رجاء انتداب بعض المدرسين من وزارة الأوقاف إلى الحجاز ليقوموا بالتدريس في معاهدها الناشئة، واتصل الشيخ حافظ بجمعية الشبان المسلمين لتساعده في اختيار المدرسين. فاتصل بي السيد محب الدين الخطيب وحدثني في هذا الشأن فوافقت مبدئياً، وجاءني بعد ذلك الخطاب التالي من الدكتور يحي الدرديري، المراقب العام للجمعية، بتاريخ 6 تشرين الثاني العام 1928 (هذا ونرجوكم التفضل بالحضور يوم الخميس المقبل، وذلك لمقابلة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حافظ وهبة مستشار جلالة الملك (عبد العزيز) ابن آل سعود للاتفاق معه على السفر وشروط الخدمة للتدريس في المعهد السعودي في مكة). وفي الموعد التقينا، وكان أهم شرط وضعته أمام الشيخ حافظ، ألا أعتبر موظفاً يتلقى مجرد تعليمات لتنفيذها، بل صاحب فكرة يعمل على أن تجد مجالها الصالح في دولة ناشئة هي أمل الإسلام والمسلمين، وشعارها العمل بكتاب الله وسنة رسوله وتحري سيرة السلف الصالح». لكن البنا لم يذهب إلى السعودية للتدريس، وإن كانت العلاقة بين «الإخوان المسلمين» والمملكة قد تطورت لاحقاً.

وبعد محاولة الاعتداء على الملك عبد العزيز في الحرم المكي من قبل أحد اليمنيين، قرر المجتمعون في المؤتمر الثالث للجماعة في العام 1934 «بأن يرفع مكتب الإرشاد باسمهم، التهنئة الخالصة لجلالة الملك عبد العزيز آل سعود على نجاته، واستنكار هذا العدوان الأثيم».

وقد تعززت العلاقة بين البنا والمسؤولين السعوديين خلال قيامه بتأدية مراسم الحج، حيث كان يتاح له إلقاء الخطب والدروس. لكن برغم ذلك، فإن الملك عبد العزيز لم يكن يشجع تأسيس فرع لـ«الإخوان» في السعودية. وفي العام 1936 كان اللقاء الشهير بين البنا والملك عبد العزيز، والذي طلب فيه البنا إنشاء فرع للجماعة في السعودية، فكان جوابُ الملك حين رَفَضَ الطلبَ: «كلنا إخوان مسلمون».

وأول إشكال سياسي حصل بين «الإخوان» والسعودية كان بعد ثورة اليمن في العام 1948، حيث أيد «الإخوان» الثورة ودعموها، لكن الملك عبد العزيز وقف في وجهها ما أغضب «الإخوان».

وبدأت السعودية تتحسس من الجماعة ومشروعها التغييري في المنطقة العربية، ولم تسمح المملكة في ذلك العام للبنا بالحج، إلا بعدما تعهد بعدم الخطابة والكلام في السياسة.

في العام 1949، تم اغتيال الإمام حسن البنا في ظل التطورات الخطيرة التي شهدتها مصر والصراع بين «الإخوان» والحكم الملكي، وقد تولى الأستاذ حسن الهضيبي منصب المرشد العام لـ«الإخوان المسلمين».

وبعد الثورة المصرية في العام 1952، ووصول جمال عبد الناصر إلى الحكم وبروز المشاكل بين الحكم الناصري و«الإخوان»، تدخلت السعودية بين الجماعة وقادة الثورة المصرية لحل الخلافات بينهما.

ويقول علي عشماوي، وهو آخر قادة التنظيم الخاص لـ«الإخوان»: «لقد حضر الملك سعود للوساطة بين الإخوان والحكومة بعد الحل الأول، وفعلاً جامله أعضاء الثورة وفتحوا صفحة جديدة مع الإخوان».

وقد زار الهضيبي السعودية لاحقاً، ولقي ترحيباً كبيراً، وتطورت العلاقة إيجاباً بين الرياض والجماعة، بعدما غادر العديد من قيادات «الإخوان» مصر إلى السعودية ودول الخليج، اثر الصدام مع عبد الناصر.

وقد تولى قادة «الإخوان» ومفكروهم مسؤوليات عدّة في المؤسسات الدعوية والتربوية والدينية في المملكة، ما عزز العلاقة بين الطرفين، ونشأ تيار «إخواني» غير معلن في السعودية. وفي المقابل، تأثر قادة «الإخوان» بأجواء الوهابية والسلفية في السعودية.

التداعيات التنظيمية والفكرية للتشدد السلفي على «الإخوان»

كان للتشدد السلفي تداعيات سلبية على فكر «الإخوان» وتنظيمهم، إذ برز ما يشبه استسلام قيادات الحركة أمام «الشباب المندفع نحو السلفية»، و«الابتعاد ضمنياً عن تعريف حسن البنا للإخوان»، بحسب ما يرى الباحث الإسلامي حسام تمام في دراسة له حول تأثر «الإخوان» بالسلفية.

ويقول تمام في الدراسة: «على الصعيد الفكري، تجلى تأثر الإخوان بالسلفية بنزعة إقصائية ورفضية تجاه المكونات الإخوانية الأخرى التي نُظر إليها على أنها الآخر المختلف، فكان المؤثر الصوفي الأكثر تضرراً، وأصبح في نظرهم، الآخر الأزهري الأشعري، عنواناً للانحراف الديني، ومهادنة السلطة».

ويضيف مثلاً بالغ الدلالة، انه حين اندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية، لم يستطع الإخوان أن «يلتحموا بأكبر حركة تغيير إسلامي في صفوفهم، نتيجة للتمدّد السلفي بينهم»، ومظاهر تنامي كتلة «الإخوانيين السلفيين».

ويشير الباحث الإسلامي إلى أن «قيادات الإخوان اضطرت إلى إطلاق اللحية والتزام كل السنن الظاهرة، وعلى رأسها مصطفى مشهور وعباس السيسي وغيرهم»، أما مجلة «الدعوة» التي كانوا يصدرونها، فبدأت تتحدث عن أفكار سلفية مثل «عقد الذمة، وحرمة بناء الكنائس، ودفع الجزية وتطبيق الشريعة وتحريم الغناء والموسيقى».

أما تنظيمياً، فكانت النتيجة «التعاضد بين مكونات سلفية وقطبية» (أطلق سيد قطب أفكاراً متشددة شملت تكفير المجتمع وجاهليته وحاكمية الله) بقيت كامنة داخل «الإخوان».

لكن لا بد من القول إن حركة «الإخوان المسلمين» تفاعلت بشكل إيجابي مع بداية الثورة الإسلامية في إيران، وعمدت إلى إرسال وفد منها لتهنئة الإمام الخميني، مما أثار الشكوك لدى المسؤولين السعوديين، وإن كانت العلاقة بين إيران و«الإخوان» قد تراجعت لاحقاً بسبب الحرب الإيرانية - العراقية، والخلاف بين «الإخوان» والقيادة الإيرانية، بالإضافة إلى اعتراض الجماعة على دعم إيران للقيادة السورية في معركتها ضد «الإخوان المسلمين» السوريين، لا سيما بعد مجزرة حماه في العام 1981.

وقد برز الخلاف الأقوى بين القيادة السعودية و«الإخوان» بعد حرب الخليج الثانية واحتلال العراق للكويت، حيث دعمت بعض القيادات الإخوانية الرئيس العراقي صدام حسين في حربه ضد الكويت، مع أن «إخوان» الكويت ولبنان وقفوا ضد الغزو العراقي للكويت.

وقد تحدث عن هذه المشكلة لاحقاً وزير الداخلية السعودي الراحل نايف بن عبد العزيز في مقابلة مع صحيفة «السياسة» الكويتية، حيث قال إن «جماعة الإخوان المسلمين أصل البلاء، كل مشاكلنا وإفرازاتنا جاءت من الإخوان، فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار. وعندما اضطهد الإخوان وعلقت لهم المشانق، لجأوا إلى السعودية فتحملتهم وحفظت محارمهم وجعلتهم آمنين. وأحد الإخوان البارزين أقام 40 سنة في السعودية، وعندما سئل عن مثله الأعلى قال: حسن البنا. وبعد حرب الخليج، جاءنا عبد الرحمن خليفة و(الشيخ راشد) الغنوشي، و(الشيخ عبد المجيد) الزنداني، فسألناهم هل تقبلون بغزو دولة لدولة واقتلاع شعبها؟ فقالوا نحن أتينا للاستماع وأخذ الآراء، وبعد وصول الوفد الإسلامي الى العراق، تفاجأنا ببيان يؤيد الغزو».

لكن الخلاف بين «الإخوان» والسعودية لم يستمر طويلاً، بل حصلت اتصالات ولقاءات بين القيادات الإخوانية والمسؤولين السعوديين في وقت لاحق، وكان المسؤولون السعوديون يلتقون بقيادات حركة حماس ويسمحون بحضور القيادات الإخوانية إلى مكة المكرمة، لعقد اللقاءات السنوية خصوصاً في موسم الحج أو في العشر الأواخر من شهر رمضان.

مميزات «السلفية الإخوانية» في التسعينيات

تميز المشهد الديني السياسي في مصر في التسعينيات بمحاصرة «الإخوان المسلمين»، بعد مشاركة لافتة في الثمانينيات في الانتخابات النقابية، وفي موازاة ذلك بـ«نمو التواجد السلفي من خلال شبكات مساجد ومؤسسات اقتصادية، والبث الفضائي الذي بات سلفياً بامتياز».

واتجهت القاعدة الإخوانية نحو «الاقتراب من الأطروحة السلفية، ما يمثل تلبيةً لطلب واسع من المجتمع المصري نحو المحافظة»، وباتت «أهم مصادر التثقيف والدعوة بين الإخوان تأتي من رموز مزدوجة سلفية إخوانية».

ويلفت الباحث حسام تمام إلى أنَّ «تنافس الأطروحتين، الإخوانية والسلفية، صبَّ في صالح الرافد السلفي الذي أنعشه تيار الدعاة الإخوانيين السلفيين في إصرارهم على تأكيد انتسابهم إلى الدعوة السلفية». ومن بين هؤلاء الذين يعدون برامج حوارية دينية صفوت حجازي، والدكتور راغب السرجاني الذي كتب في شكل حاد عن «الشيعة وحزب الله في لبنان»، والشيخ جمال عبد الهادي، والشيخ محمد حسين عيسى الذي يحتل ركناً مهماً في المكون التربوي في جماعة «الإخوان»، والشيخ عبد الخالق الشريف عضو «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي ظل «المكون السلفي في خطابه مضمرا».

سيطرة التيار «القُطبي» على القيادة الإخوانية

يؤكد الباحث تمام أنَّ انتخابات العام 2010 الداخلية، أدت إلى ما وصفه بـ«اختطاف» الجماعة على يد التيار «القُطبي» الذي أحكم «سيطرته التنظيمية على قيادة الجماعة بعدما تولى ثلاثة من أبنائه أبرز المواقع القيادية، وعلى رأسها المرشد العام محمد بديع واثنين من نوابه، إذ اعتبر بديع ونائبه الرجل الحديدي محمود عزت (أثارت تصريحاته في نيسان الماضي عن «تطبيق الحدود بعد امتلاك الأرض» جدلاً كبيراً في مصر وانزعاج قيادات شبابية «إخوانية») وجمعة أمين (كتبَ الرسالة الداخلية «عليك بالفقه واحذر من الشِرك» حول الإخوان والشيعة) أهم رموز ما بات يعرف بالتيار القطبي داخل الإخوان، وهذا التيار هو نتيجة للانشقاق الفكري الذي حصل في الجماعة في العام 1965، وأدى إلى تبلور مجموعة بقيت متأثرة بأفكار سيد قطب المرجعية، مثل الحاكمية، وبناء طليعة منعزلة تقود التغيير الجذري».

ما بعد الثورات العربية

شكلت الثورات العربية، لا سيما في تونس ومصر واليمن وليبيا تطوراً مهماً على صعيد العلاقة بين «الإخوان» والتيارات السلفية والوهابية والسعودية. فأحياناً يلاحظ المراقب أن هناك تقاربا بين هذين التيارين، وأحياناً أخرى يلحظ شدة الصراع والخوف السعودي من نجاح الإخوان المسلمين، ودعم السعودية وبعض دول الخليج للتيارات المعادية لـ«الإخوان» سلفية كانت أم علمانية أم يسارية.

كما أن دعم قطر للجماعة، ووجود صراع خفي بين السعودية وقطر على صعيد الدور السياسي والمالي في العالمين العربي والإسلامي، قد يكون أحد أبعاد هذا الصراع، مع الإشارة إلى أن قطر تحتضن أحد أبرز الرموز الإخوانية العلمائية، وهو الشيخ يوسف القرضاوي رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، بالإضافة إلى كون قطر متأثرة بالفكر الوهابي والسلفي، وقامت بإنشاء أكبر مسجد باسم «الإمام محمد بن عبد الوهاب».

وقد عمد «الإخوان» إلى التقارب مع السعودية، وكانت أول زيارة للرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي إلى السعودية، حيث أعلن من هناك «العمل والتعاون مع السعودية لحماية مذهب أهل السنة والجماعة»، مما أدى إلى شن الصحف المصرية حملة على تصريحاته.

لكن على الرغم من حرص «الإخوان» على التعاطي الإيجابي مع التيارات السلفية في مصر، والتقارب مع السعودية على الصعيد السياسي، فقد بدأت مصر تشهد صراعاً سياسياً وحزبياً وفكرياً بين «الإخوان» والسلفيين، كما أن وسائل الإعلام العربية المدعومة من السعودية، شنت هجوماً قوياً ضد «الإخوان المسلمين»، وعمدت إلى دعم القوى المعارضة لهم ولمرسي خلال الأزمات التي مرت بها مصر منذ أواخر العام 2012، والأشهر الأولى من العام 2013، حتى نجحت السعودية وحلفاؤها بإسقاط حكم «الإخوان» بعد ثورة «30 يونيو».

ويقول الباحث السعودي عبد الله الشمري، خلال مؤتمر عقدته مؤسسة «أديان» في «الجامعة اللبنانية الأميركية» في جبيل (ما بين 29 و30 تشرين الثاني 2012)، إن «وصول حركات الإسلام السياسي خاصة الإخوان المسلمين إلى السلطة، لا سيما في مصر وتونس، والمشاركة فيها بقوة كبيرة في المغرب وليبيا، مثل تحدياً كبيراً لكل من السعودية وإيران وتركيا، وإن كانت السعودية هي الأكثر تخوفاً من وصول الإخوان إلى السلطة، لأنهم سيقدمون نموذجاً عربياً إسلامياً لحكم الإسلام في مواجهة التجربة السعودية. (وإن كان «الإخوان» لم ينجحوا في ذلك في تجربتهم).

وقد برزت الحملة القاسية من دولة الإمارات ضد «الإخوان» في أواخر العام 2012 وبداية العام 2013، والتحذيرات التي أطلقها رئيس شرطة دبي ضاحي الخلفان من وصول «الإخوان» إلى الحكم وخطرهم على دول الخليج، أحد المؤشرات لبروز الصراع بين «الإخوان المسلمين» ودول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات.

أما في الداخل المصري، فالصراع بين الجماعة والسلفيين زاد، وتمثل بالتنافس على الصعيد البرلماني ومن خلال الحملات الإعلامية وتحذير السلفيين من «أخونة الدولة» وتعيين 12 ألف موظف من «الإخوان» في مؤسسات الدولة.

وقام ممثلون عن «حزب النور» السلفي، بتسليم الرئاسة المصرية ملفاً عن «أخونة الدولة»، ووعد المسؤولون في الرئاسة بدراسة الملف، في حين ان بعض التيارات السلفية والإسلامية الجهادية وقفت إلى جانب «الإخوان» في الصراع مع السلطة الجديدة في مصر.

إذًا نعيش اليوم في لحظة الصراع القوية بين «الإخوان المسلمين والسعودية»، وما تمثله من مركز للوهابية والسلفية.

وعلى الرغم من حرص «الإخوان» على السعي إلى إقامة أفضل العلاقات مع السعودية، فإن الأخيرة خاضت وتخوض حرباً قاسية ضدهم، مع أنها تستفيد منهم في بعض المعارك ضد القوى الأخرى، خصوصاً إيران و«حزب الله» وبعض القوى اليسارية والديموقراطية والناصرية في بعض المراحل. وقد دفع «الإخوان المسلمون» ثمن حسن ظنهم بالسعودية وعدم إدراكهم للخوف السعودي الكبير من وصولهم إلى حكم أكبر دولة عربية، وما يشكله ذلك من خطر على السعودية وحكام الخليج.

  • فريق ماسة
  • 2013-10-04
  • 15102
  • من الأرشيف

«الإخوان» والسعودية: الصراع والتقارب

شهدت العلاقات بين «الاخوان المسلمين» والسعودية مؤخراً، صراعاً مكشوفاً، لا سيما في مصر بعد الدعم السعودي للتحرك الشعبي والعسكري ضد «الإخوان». كما شهدت وسائل الإعلام السعودية حملة قاسية ضد «الإخوان» ودورهم. فما حقيقة العلاقة بين «الإخوان» والسعودية وما هي أسباب الصراع بينهما؟ تعود العلاقة بين «الاخوان المسلمين» مع المملكة العربية السعودية إلى بدايات تأسيس الجماعة في مصر، حيث يروي الإمام حسن البنا في مذكراته حول بواكير صلات «الإخوان» بالسلفية والسعودية، فيقول: «كما كان ينفس عن نفسي التردد على المكتبة السلفية، حيث نلتقي الرجل المؤمن المجاهد العالم القوي والعالم الفاضل والصحافي الإسلامي القدير السيد محب الدين الخطيب، كما نتردد على دار العلوم ونحضر في بعض مجالس الأستاذ رشيد رضا». ويضيف البنا أن «فضيلة الشيخ حافظ وهبة مستشار جلالة الملك (عبد العزيز) ابن آل سعود، حضر إلى القاهرة رجاء انتداب بعض المدرسين من وزارة الأوقاف إلى الحجاز ليقوموا بالتدريس في معاهدها الناشئة، واتصل الشيخ حافظ بجمعية الشبان المسلمين لتساعده في اختيار المدرسين. فاتصل بي السيد محب الدين الخطيب وحدثني في هذا الشأن فوافقت مبدئياً، وجاءني بعد ذلك الخطاب التالي من الدكتور يحي الدرديري، المراقب العام للجمعية، بتاريخ 6 تشرين الثاني العام 1928 (هذا ونرجوكم التفضل بالحضور يوم الخميس المقبل، وذلك لمقابلة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حافظ وهبة مستشار جلالة الملك (عبد العزيز) ابن آل سعود للاتفاق معه على السفر وشروط الخدمة للتدريس في المعهد السعودي في مكة). وفي الموعد التقينا، وكان أهم شرط وضعته أمام الشيخ حافظ، ألا أعتبر موظفاً يتلقى مجرد تعليمات لتنفيذها، بل صاحب فكرة يعمل على أن تجد مجالها الصالح في دولة ناشئة هي أمل الإسلام والمسلمين، وشعارها العمل بكتاب الله وسنة رسوله وتحري سيرة السلف الصالح». لكن البنا لم يذهب إلى السعودية للتدريس، وإن كانت العلاقة بين «الإخوان المسلمين» والمملكة قد تطورت لاحقاً. وبعد محاولة الاعتداء على الملك عبد العزيز في الحرم المكي من قبل أحد اليمنيين، قرر المجتمعون في المؤتمر الثالث للجماعة في العام 1934 «بأن يرفع مكتب الإرشاد باسمهم، التهنئة الخالصة لجلالة الملك عبد العزيز آل سعود على نجاته، واستنكار هذا العدوان الأثيم». وقد تعززت العلاقة بين البنا والمسؤولين السعوديين خلال قيامه بتأدية مراسم الحج، حيث كان يتاح له إلقاء الخطب والدروس. لكن برغم ذلك، فإن الملك عبد العزيز لم يكن يشجع تأسيس فرع لـ«الإخوان» في السعودية. وفي العام 1936 كان اللقاء الشهير بين البنا والملك عبد العزيز، والذي طلب فيه البنا إنشاء فرع للجماعة في السعودية، فكان جوابُ الملك حين رَفَضَ الطلبَ: «كلنا إخوان مسلمون». وأول إشكال سياسي حصل بين «الإخوان» والسعودية كان بعد ثورة اليمن في العام 1948، حيث أيد «الإخوان» الثورة ودعموها، لكن الملك عبد العزيز وقف في وجهها ما أغضب «الإخوان». وبدأت السعودية تتحسس من الجماعة ومشروعها التغييري في المنطقة العربية، ولم تسمح المملكة في ذلك العام للبنا بالحج، إلا بعدما تعهد بعدم الخطابة والكلام في السياسة. في العام 1949، تم اغتيال الإمام حسن البنا في ظل التطورات الخطيرة التي شهدتها مصر والصراع بين «الإخوان» والحكم الملكي، وقد تولى الأستاذ حسن الهضيبي منصب المرشد العام لـ«الإخوان المسلمين». وبعد الثورة المصرية في العام 1952، ووصول جمال عبد الناصر إلى الحكم وبروز المشاكل بين الحكم الناصري و«الإخوان»، تدخلت السعودية بين الجماعة وقادة الثورة المصرية لحل الخلافات بينهما. ويقول علي عشماوي، وهو آخر قادة التنظيم الخاص لـ«الإخوان»: «لقد حضر الملك سعود للوساطة بين الإخوان والحكومة بعد الحل الأول، وفعلاً جامله أعضاء الثورة وفتحوا صفحة جديدة مع الإخوان». وقد زار الهضيبي السعودية لاحقاً، ولقي ترحيباً كبيراً، وتطورت العلاقة إيجاباً بين الرياض والجماعة، بعدما غادر العديد من قيادات «الإخوان» مصر إلى السعودية ودول الخليج، اثر الصدام مع عبد الناصر. وقد تولى قادة «الإخوان» ومفكروهم مسؤوليات عدّة في المؤسسات الدعوية والتربوية والدينية في المملكة، ما عزز العلاقة بين الطرفين، ونشأ تيار «إخواني» غير معلن في السعودية. وفي المقابل، تأثر قادة «الإخوان» بأجواء الوهابية والسلفية في السعودية. التداعيات التنظيمية والفكرية للتشدد السلفي على «الإخوان» كان للتشدد السلفي تداعيات سلبية على فكر «الإخوان» وتنظيمهم، إذ برز ما يشبه استسلام قيادات الحركة أمام «الشباب المندفع نحو السلفية»، و«الابتعاد ضمنياً عن تعريف حسن البنا للإخوان»، بحسب ما يرى الباحث الإسلامي حسام تمام في دراسة له حول تأثر «الإخوان» بالسلفية. ويقول تمام في الدراسة: «على الصعيد الفكري، تجلى تأثر الإخوان بالسلفية بنزعة إقصائية ورفضية تجاه المكونات الإخوانية الأخرى التي نُظر إليها على أنها الآخر المختلف، فكان المؤثر الصوفي الأكثر تضرراً، وأصبح في نظرهم، الآخر الأزهري الأشعري، عنواناً للانحراف الديني، ومهادنة السلطة». ويضيف مثلاً بالغ الدلالة، انه حين اندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية، لم يستطع الإخوان أن «يلتحموا بأكبر حركة تغيير إسلامي في صفوفهم، نتيجة للتمدّد السلفي بينهم»، ومظاهر تنامي كتلة «الإخوانيين السلفيين». ويشير الباحث الإسلامي إلى أن «قيادات الإخوان اضطرت إلى إطلاق اللحية والتزام كل السنن الظاهرة، وعلى رأسها مصطفى مشهور وعباس السيسي وغيرهم»، أما مجلة «الدعوة» التي كانوا يصدرونها، فبدأت تتحدث عن أفكار سلفية مثل «عقد الذمة، وحرمة بناء الكنائس، ودفع الجزية وتطبيق الشريعة وتحريم الغناء والموسيقى». أما تنظيمياً، فكانت النتيجة «التعاضد بين مكونات سلفية وقطبية» (أطلق سيد قطب أفكاراً متشددة شملت تكفير المجتمع وجاهليته وحاكمية الله) بقيت كامنة داخل «الإخوان». لكن لا بد من القول إن حركة «الإخوان المسلمين» تفاعلت بشكل إيجابي مع بداية الثورة الإسلامية في إيران، وعمدت إلى إرسال وفد منها لتهنئة الإمام الخميني، مما أثار الشكوك لدى المسؤولين السعوديين، وإن كانت العلاقة بين إيران و«الإخوان» قد تراجعت لاحقاً بسبب الحرب الإيرانية - العراقية، والخلاف بين «الإخوان» والقيادة الإيرانية، بالإضافة إلى اعتراض الجماعة على دعم إيران للقيادة السورية في معركتها ضد «الإخوان المسلمين» السوريين، لا سيما بعد مجزرة حماه في العام 1981. وقد برز الخلاف الأقوى بين القيادة السعودية و«الإخوان» بعد حرب الخليج الثانية واحتلال العراق للكويت، حيث دعمت بعض القيادات الإخوانية الرئيس العراقي صدام حسين في حربه ضد الكويت، مع أن «إخوان» الكويت ولبنان وقفوا ضد الغزو العراقي للكويت. وقد تحدث عن هذه المشكلة لاحقاً وزير الداخلية السعودي الراحل نايف بن عبد العزيز في مقابلة مع صحيفة «السياسة» الكويتية، حيث قال إن «جماعة الإخوان المسلمين أصل البلاء، كل مشاكلنا وإفرازاتنا جاءت من الإخوان، فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار. وعندما اضطهد الإخوان وعلقت لهم المشانق، لجأوا إلى السعودية فتحملتهم وحفظت محارمهم وجعلتهم آمنين. وأحد الإخوان البارزين أقام 40 سنة في السعودية، وعندما سئل عن مثله الأعلى قال: حسن البنا. وبعد حرب الخليج، جاءنا عبد الرحمن خليفة و(الشيخ راشد) الغنوشي، و(الشيخ عبد المجيد) الزنداني، فسألناهم هل تقبلون بغزو دولة لدولة واقتلاع شعبها؟ فقالوا نحن أتينا للاستماع وأخذ الآراء، وبعد وصول الوفد الإسلامي الى العراق، تفاجأنا ببيان يؤيد الغزو». لكن الخلاف بين «الإخوان» والسعودية لم يستمر طويلاً، بل حصلت اتصالات ولقاءات بين القيادات الإخوانية والمسؤولين السعوديين في وقت لاحق، وكان المسؤولون السعوديون يلتقون بقيادات حركة حماس ويسمحون بحضور القيادات الإخوانية إلى مكة المكرمة، لعقد اللقاءات السنوية خصوصاً في موسم الحج أو في العشر الأواخر من شهر رمضان. مميزات «السلفية الإخوانية» في التسعينيات تميز المشهد الديني السياسي في مصر في التسعينيات بمحاصرة «الإخوان المسلمين»، بعد مشاركة لافتة في الثمانينيات في الانتخابات النقابية، وفي موازاة ذلك بـ«نمو التواجد السلفي من خلال شبكات مساجد ومؤسسات اقتصادية، والبث الفضائي الذي بات سلفياً بامتياز». واتجهت القاعدة الإخوانية نحو «الاقتراب من الأطروحة السلفية، ما يمثل تلبيةً لطلب واسع من المجتمع المصري نحو المحافظة»، وباتت «أهم مصادر التثقيف والدعوة بين الإخوان تأتي من رموز مزدوجة سلفية إخوانية». ويلفت الباحث حسام تمام إلى أنَّ «تنافس الأطروحتين، الإخوانية والسلفية، صبَّ في صالح الرافد السلفي الذي أنعشه تيار الدعاة الإخوانيين السلفيين في إصرارهم على تأكيد انتسابهم إلى الدعوة السلفية». ومن بين هؤلاء الذين يعدون برامج حوارية دينية صفوت حجازي، والدكتور راغب السرجاني الذي كتب في شكل حاد عن «الشيعة وحزب الله في لبنان»، والشيخ جمال عبد الهادي، والشيخ محمد حسين عيسى الذي يحتل ركناً مهماً في المكون التربوي في جماعة «الإخوان»، والشيخ عبد الخالق الشريف عضو «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي ظل «المكون السلفي في خطابه مضمرا». سيطرة التيار «القُطبي» على القيادة الإخوانية يؤكد الباحث تمام أنَّ انتخابات العام 2010 الداخلية، أدت إلى ما وصفه بـ«اختطاف» الجماعة على يد التيار «القُطبي» الذي أحكم «سيطرته التنظيمية على قيادة الجماعة بعدما تولى ثلاثة من أبنائه أبرز المواقع القيادية، وعلى رأسها المرشد العام محمد بديع واثنين من نوابه، إذ اعتبر بديع ونائبه الرجل الحديدي محمود عزت (أثارت تصريحاته في نيسان الماضي عن «تطبيق الحدود بعد امتلاك الأرض» جدلاً كبيراً في مصر وانزعاج قيادات شبابية «إخوانية») وجمعة أمين (كتبَ الرسالة الداخلية «عليك بالفقه واحذر من الشِرك» حول الإخوان والشيعة) أهم رموز ما بات يعرف بالتيار القطبي داخل الإخوان، وهذا التيار هو نتيجة للانشقاق الفكري الذي حصل في الجماعة في العام 1965، وأدى إلى تبلور مجموعة بقيت متأثرة بأفكار سيد قطب المرجعية، مثل الحاكمية، وبناء طليعة منعزلة تقود التغيير الجذري». ما بعد الثورات العربية شكلت الثورات العربية، لا سيما في تونس ومصر واليمن وليبيا تطوراً مهماً على صعيد العلاقة بين «الإخوان» والتيارات السلفية والوهابية والسعودية. فأحياناً يلاحظ المراقب أن هناك تقاربا بين هذين التيارين، وأحياناً أخرى يلحظ شدة الصراع والخوف السعودي من نجاح الإخوان المسلمين، ودعم السعودية وبعض دول الخليج للتيارات المعادية لـ«الإخوان» سلفية كانت أم علمانية أم يسارية. كما أن دعم قطر للجماعة، ووجود صراع خفي بين السعودية وقطر على صعيد الدور السياسي والمالي في العالمين العربي والإسلامي، قد يكون أحد أبعاد هذا الصراع، مع الإشارة إلى أن قطر تحتضن أحد أبرز الرموز الإخوانية العلمائية، وهو الشيخ يوسف القرضاوي رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، بالإضافة إلى كون قطر متأثرة بالفكر الوهابي والسلفي، وقامت بإنشاء أكبر مسجد باسم «الإمام محمد بن عبد الوهاب». وقد عمد «الإخوان» إلى التقارب مع السعودية، وكانت أول زيارة للرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي إلى السعودية، حيث أعلن من هناك «العمل والتعاون مع السعودية لحماية مذهب أهل السنة والجماعة»، مما أدى إلى شن الصحف المصرية حملة على تصريحاته. لكن على الرغم من حرص «الإخوان» على التعاطي الإيجابي مع التيارات السلفية في مصر، والتقارب مع السعودية على الصعيد السياسي، فقد بدأت مصر تشهد صراعاً سياسياً وحزبياً وفكرياً بين «الإخوان» والسلفيين، كما أن وسائل الإعلام العربية المدعومة من السعودية، شنت هجوماً قوياً ضد «الإخوان المسلمين»، وعمدت إلى دعم القوى المعارضة لهم ولمرسي خلال الأزمات التي مرت بها مصر منذ أواخر العام 2012، والأشهر الأولى من العام 2013، حتى نجحت السعودية وحلفاؤها بإسقاط حكم «الإخوان» بعد ثورة «30 يونيو». ويقول الباحث السعودي عبد الله الشمري، خلال مؤتمر عقدته مؤسسة «أديان» في «الجامعة اللبنانية الأميركية» في جبيل (ما بين 29 و30 تشرين الثاني 2012)، إن «وصول حركات الإسلام السياسي خاصة الإخوان المسلمين إلى السلطة، لا سيما في مصر وتونس، والمشاركة فيها بقوة كبيرة في المغرب وليبيا، مثل تحدياً كبيراً لكل من السعودية وإيران وتركيا، وإن كانت السعودية هي الأكثر تخوفاً من وصول الإخوان إلى السلطة، لأنهم سيقدمون نموذجاً عربياً إسلامياً لحكم الإسلام في مواجهة التجربة السعودية. (وإن كان «الإخوان» لم ينجحوا في ذلك في تجربتهم). وقد برزت الحملة القاسية من دولة الإمارات ضد «الإخوان» في أواخر العام 2012 وبداية العام 2013، والتحذيرات التي أطلقها رئيس شرطة دبي ضاحي الخلفان من وصول «الإخوان» إلى الحكم وخطرهم على دول الخليج، أحد المؤشرات لبروز الصراع بين «الإخوان المسلمين» ودول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات. أما في الداخل المصري، فالصراع بين الجماعة والسلفيين زاد، وتمثل بالتنافس على الصعيد البرلماني ومن خلال الحملات الإعلامية وتحذير السلفيين من «أخونة الدولة» وتعيين 12 ألف موظف من «الإخوان» في مؤسسات الدولة. وقام ممثلون عن «حزب النور» السلفي، بتسليم الرئاسة المصرية ملفاً عن «أخونة الدولة»، ووعد المسؤولون في الرئاسة بدراسة الملف، في حين ان بعض التيارات السلفية والإسلامية الجهادية وقفت إلى جانب «الإخوان» في الصراع مع السلطة الجديدة في مصر. إذًا نعيش اليوم في لحظة الصراع القوية بين «الإخوان المسلمين والسعودية»، وما تمثله من مركز للوهابية والسلفية. وعلى الرغم من حرص «الإخوان» على السعي إلى إقامة أفضل العلاقات مع السعودية، فإن الأخيرة خاضت وتخوض حرباً قاسية ضدهم، مع أنها تستفيد منهم في بعض المعارك ضد القوى الأخرى، خصوصاً إيران و«حزب الله» وبعض القوى اليسارية والديموقراطية والناصرية في بعض المراحل. وقد دفع «الإخوان المسلمون» ثمن حسن ظنهم بالسعودية وعدم إدراكهم للخوف السعودي الكبير من وصولهم إلى حكم أكبر دولة عربية، وما يشكله ذلك من خطر على السعودية وحكام الخليج.

المصدر : السفير/قاسم قصير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة