دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من المؤكد بأن أعداء سورية الذين خططوا ودعموا ونفذوا الحرب الكونية الظالمة على سورية ، لن يستسلموا بهذه البساطة ، ولن يعترفوا بالهزيمة بسهولة رغم تساقط العديد من الرؤوس التي تهاوت بفعل صمود الدولة السورية شعبياً ورسمياً ،لكن أسياد المؤامرة لم تزل لديهم بارقة أمل في تدمير سورية ، وعندما تتقطع بهم السبل في مواقع هامة ، ينقلون المعركة إلى مكانٍ آخر وبأسلوب أكثر تطوراً وخبثاً ، للحفاظ على حالة الاستنزاف المستمر لسورية وقوتها الكامنة ، وكلما أُغلق باب في وجههم ، يفتحون أبواباً جديدة للحرب ويرتبون بعض الهياكل الكرتونية « لما يُسمى معارضة » لتشكيل حالة بديلة عن الفشل ولو من الناحية النظرية.
و كما يقول « مارتن وايت» : القوى الكبرى لا تحتضر في الفراش ..، لذلك كان أعداء سورية وعلى رأسهم الولايات المتحدة ، في كل مرحلة تتمكن فيها الحكومة السورية من التغلب على الأزمة وتفتح أبواب للخروج من دوامتها ، يقومون بتغيير آلية عمل أدواتهم سواء من خلال رسم خطط جديدة ، أو عبر تقديم المزيد من الدعم المالي والعسكري للإرهابيين وفق المؤشرات والنتائج التي تظهر على الأرض لمنع انهيارهم سريعاً ، حيث كان هدفهم الأول تحقيق اختراق فعلي في الجسد السوري المتماسك وخاصة في بنية الجيش العربي السوري الذي أثبت على مدى عامين ونيف من بدء الحرب قدرة عالية على حماية هيكليته التنظيمية والتمسك بوحدته العقائدية وتحقيق أعلى مستويات الانسجام بين قيادته وأفراده ، وإن هروب بضع مئات من عناصره لم تُشكل حالة قلق عند القيادة السياسية والعسكرية في سورية ، لأن الجيش بقوامه الكامل كان متوافقاً مع ذاته ومع طبيعة المهام القتالية التي يُنفذها ، وإن خروج البعض من الضعفاء في انتمائهم الوطني والعقائدي من صفوف الجيش ، والذين هم بالأساس غير مؤهلين لخوض تلك المعركة الوطنية الكبيرة كانت نقطة إيجابية في عمل القوات المسلحة ، لذلك شكلت قوة مضافة في تماسك الجيش العربي السوري وحالة رعب حقيقية في نفوس الحكام والسياسيين الذين خططوا ورعوا وأداروا غرف العمليات السوداء لتلك المؤامرة القذرة على سورية .
السيناريو الذي يتم العمل عليه الآن في أقبية الاستخبارات الأمريكية والأوروبية وبمشاركة الموساد الإسرائيلي وأدواتهم العاملة على خط الأزمة السورية من دول المنطقة ، هو عملية تحضير لتقديم الحلقة الأخيرة من المسرحية التي أتعبت كل من شارك بها ولم تُحقق أهدافها في سورية ، ونقصد هنا وضع الدراسة المتكاملة لإمكانية التدخل العسكري المباشر لقوات حلف « الناتو « في سورية والقيام بضربة عسكرية جوية مباغتة لمواقع سورية محددة تحت مبررات وأعذار تراها تلك الدوائر مقنعة جداً للمواطن الأمريكي والغربي عموماً الذي تُغيب عنه الحقيقة باستمرار ، خاصة بعد دخول « حركة طالبان « في الحرب على سورية بشكل مباشر ، وتلك هي الخطة الجهنمية التي اقترحها حكام السعودية بعد تسلمهم الملف السوري من الولايات المتحدة وكف يد قطر وتركيا بعد الفشل الذي حصدوه من خطتهم المشتركة لتدمير سورية على مدى أكثر من عامين ، حيث أوعزت السعودية إلى أدواتها في حركة طالبان الوهابية الإرهابية للدخول مباشرة في الحرب على سورية ، وهنا تجد الإدارة الأمريكية أن ( من الواجب الإنساني عليها ) القيام بتدخل عسكري سريع لحماية سورية من إرهاب طالبان ، وعدم وصول الأسلحة الكيماوية لو وجدت في سورية إلى يد المجموعات الإرهابية ، وفي نفس الوقت تحقق هدفها الأكبر في تدمير سورية والقضاء على جيشها ونظامها وشعبها الذي صمد في وجه كل أنواع الحصار والتجويع والقتل والتمثيل بالجثث ، وكما سبق أن أثارت الإدارة الأمريكية قضية استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل الجيش العربي السوري ضد الإرهابيين كمبرر للغاية نفسها ، لكن التحقيقات الموثقة أكدت على أن من استخدم الأسلحة الكيميائية هم مسلحو المعارضة الذين حصلوا عليها بمساعدة تركيا والسعودية وقطر وهنا شهادة لكبير محققي الأمم المتحدة لحقوق الإنسان « كارلا ديل بونتي « حيث قال : « وفقاً للشهادات التي جمعناها استخدم ( المتمردون ) في سورية الأسلحة الكيميائية واستفادوا من غاز السارين «، وقد واجهت روسيا الولايات المتحدة بهذه الحقيقة موثقة .
وعندما يتحدث رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة بأن الحرب في سورية قد تستغرق عقداً من الزمن في مؤتمر صحفي ، هذا مؤشر على النيات الأمريكية المبيتة ، واستدعى ذلك التصريح طرح تساؤل سريع من أحد الصحفيين الحضور»مايكل منبهان « لا يخلو من بعض الاستهزاء ، هو: هل يقصد الجنرال بأن هذا هو الوقت الذي يقتضيه فناء سورية ؟؟
و نجد هنا كمتابعين للسياسات الأمريكية ، بأنه من المبرر أن تتولد مخاوف حقيقية من تهور الإدارة الأمريكية وهروبها إلى الأمام باتخاذ قرارات غير مدروسة وهذا ما تفعله عندما تجد نفسها في أزمة كبيرة ، حيث تقوم بفتح جبهات جديدة دون التدقيق جيداً في النتائج والتداعيات ، ومن المؤكد اليوم بأن الولايات المتحدة تعيش مأزقاً عميقاً نتيجة تجاربها الفاشلة في أفغانستان والعراق ، وما نتج عنها من أزمة مالية واقتصادية ضخمة ، قد تكون سبباً لدى الاستخبارات الأمريكية ومراكز القرار الأمريكية لإعادة خلط الأوراق من جديد عبر عدوان مباشر على سورية تحت ذريعة حماية المدنيين السوريين من إرهاب طالبان ، وحماية إسرائيل من هجمات إرهابية متوقعة ، وقد لا تعكس التصريحات الدبلوماسية والسياسية العلنية ما تضمره الإدارة الأمريكية من عدوان مبيت تجاه سورية .
لهذا تعمد الإدارة الأمريكية إلى عرقلة عقد مؤتمر جنيف2 وتأجيله ، مع استمرارها بتقديم المزيد من الأسلحة النوعية للإرهابيين في سورية عبر وكلائها ، بهدف تحقيق توازن قوى على الأرض ولو من الناحية الظاهرية ، ولكن ما خلف الأكمة يقول بأن السبب يتعلق بإنهاء الدراسات الجيواستراتيجية عن واقع القوات المسلحة السورية ، وبيان مدى قدرتها على المواجهة ، وحجم الخطر الذي يُمكن أن يُصيب إسرائيل فيما لو تطورت المعركة وتوسعت على جميع الجبهات ، ويرى البعض من المحللين والمتابعين بأن الإدارة الأمريكية تُحضر نعشها بيديها ، وإن الضربة الأولى على سورية ستكون آخر مسمار يُدق فيه ، وقد أشارت وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة إلى شيء من هذا القبيل في لقاء مباشر على إحدى القنوات الفرنسية .
ليست أمنيات ولا أحلاماً بل حقيقة نقولها بتجرد : بأنه على من يُفكر بضربة عسكرية على سورية أن يتذكر تماماً بأن سورية ليست دولة حديثة العهد ، وبأنها بلد مواجهة مع إسرائيل منذ أكثر من نصف قرن وهي تحسب لكل أمر يتعلق بمستقبل المنطقة والعالم حساباته الدقيقة وتعد له وفق مقتضاه ، وقد استطاعت الحكومة السورية أن تتحكم بقواعد اللعبة على مدى عامين ونيف ومنعه من الانفجار حرصاً منها على مستقبل المنطقة واستقرارها ، وإن تساقط الأعداء الواحد تلو الآخر دليل قطعي على مدى حكمة القيادة السورية ومهارتها في إدارة المعركة ، ومهما بدلت و غيرت الإدارة الأمريكية في أدوار أدواتها وعملائها في المنطقة لن تتمكن من الوصول إلى هدف تدمير سورية وفنائها وفق توقعات قادتها ، وإن ما أصاب سورية من تدمير وقتل وتخريب على يد الأمريكان وشركائهم وأدواتهم سيكون له حساب دقيق وقد يُفاجئ العالم بأسره بآلية الاقتصاص التي تحضرها سورية .
المصدر :
محمد عبد الكريم مصطفى - الثورة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة