بفضل تقنية متقدمة في استخراج النفط والغاز الصخري، المعروفة بـ"التكسير الهيدروليكي"، يحصل نمو ضخم في إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة، ما يطرح تساؤلات حول تأثير ذلك ليس فقط على سياسة واشنطن في الشرق الأوسط، بل أيضاً على الأوضاع الداخلية لبعض الدول الخليجية التي ستتراجع عائداتها نتيجة هبوط محتمل للأسعار.

ويصف الخبير في الطاقة ومؤلف كتاب "إعلان الاستقلال في الطاقة" جاي هايكس ما يحدث في الولايات المتحدة بـ"الثورة". ويقول لـ"السفير"، "كنا نعلم عن النفط والغاز الصخري منذ عقود، لكن في السنوات الأخيرة حصل نمو هائل وسريع". والتكنولوجيا المستخدمة في الولايات المتحدة هي "التكسير الهيدروليكي" مع الحفر الأفقي، وتعتمد على ضخ مياه ومواد كيميائية ورمال بضغط عالٍ تسمح باستخراج النفط والغاز من التكوينات الصخرية.

وبحسب "وكالة الطاقة الدولية"، ومركزها العاصمة الفرنسية باريس، ستصبح الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم بحلول العام 2020، متجاوزة بذلك السعودية وروسيا. ويقول كبير الاقتصاديين في الوكالة فاتح بيرول لـ"السفير" إنها "نهضة الطاقة الأميركية"، لافتاً إلى أن "الأرقام كبيرة إلى درجة أنها ستؤثر على جميع الدول المنتجة للنفط من دول خليجية إلى روسيا إلى بعض دول أميركا اللاتينية وأفريقيا".

ومن المفترض أن يكون للإنتاج المتزايد للنفط والغاز في الولايات المتحدة تأثير سريع على اقتصادها. ويقول بيرول "لن أستغرب إن عادت الولايات المتحدة خلال عامين أو ثلاثة كأهم قوة اقتصادية بفضل هذه النهضة في الطاقة".

وفي معرض حديثه، يتوقع بيرول كذلك أن يصل النمو في الإنتاج في أميركا الشمالية إلى أربعة ملايين برميل يومياً خلال خمس سنوات، 2,8 مليون برميل منها في الولايات المتحدة. ويلفت إلى أن "إنتاج الولايات المتحدة سينمو بقدر مجموع إنتاج المكسيك اليوم".

ويتزامن النمو في إنتاج النفط في الولايات المتحدة مع تراجع في الاستهلاك المحلي نتيجة كفاءة استخدامه في السيارات. وكانت الولايات المتحدة تستورد نسبة 60 في المئة من نفطها منذ أقل من عشر سنوات، أما اليوم فهي تستورد نسبة 40 في المئة، والرقم ينخفض باستمرار.

وحتى يومنا، تأثرت كثيراً بعض دول "منظمة الدول المصدرة للنفط" (أوبك)، مثل نيجيريا وأنغولا جراء انخفاض استيراد الولايات المتحدة لنفطها. وقريباً ستتراجع صادرات فنزويلا والدول الخليجية إلى الولايات المتحدة. ويعتبر فاتح بيرول أن "الدول التي لا تزال تصدر إلى الولايات المتحدة عليها أن تنسى الكثير من هذه المشاريع".

في المقابل، من المفترض أن يتحوّل إنتاج الدول المصدرة للنفط إلى الدول الآسيوية مثل الصين والهند وتايلاند والفيليبين، وسيتزايد التنافس بين دول "أوبك" على أسواقها. ويقول بيرول إن "آسيا ستكون المحرك للطلب العالمي على النفط".

برغم هذه التطورات، لا يبدو أن الدول الخليجية قلقة من الموضوع. وقال وزير النفط السعودي علي النعيمي في كلمة ألقاها مؤخراً في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن إن الحديث عن انتهاء اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط "ساذج"، مضيفاً أن ذلك يشكل "وجهة نظر مبسطة".

وتختلف آراء المحللين حول ما إذا كان وقف اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط سيقلل من اهتمامها بالمنطقة. ويرى فريق من المحللين أن ذلك بدأ بالظهور فعلياً مع انسحابها العسكري من العراق وسياستها المترددة حيال الأزمة في سوريا. إلا أن البعض الآخر يعتبر أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تنكفئ كلياً عن الشرق الأوسط. فالدول الأوروبية الحليفة لها لا تزال تعتمد كثيراً على نفط الشرق الأوسط وأي تعطيل في العرض سيؤثر على التجارة بينها وبين الولايات المتحدة.

في المقابل، يوافق الخبراء على أن النمو في الإنتاج الأميركي بدأ يعطي الولايات المتحدة خيارات أكبر في سياستها الخارجية، ذلك أنه ساعدها في فرض عقوبات اقتصادية على إيران من دون أن يتأثر السعر العالمي للنفط. ويوضح فاتح بيرول أنه عندما تراجع إنتاج النفط الإيراني، تمّ تعويضه بالنفط الأميركي والعراقي.

لكن مع الوقت سيصبح أكثر صعوبة على الولايات المتحدة استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ضد دول منتجة للنفط في الشرق الأوسط، ذلك أن الدول الآسيوية ستكون أقل استعداداً لأن تتبع سياسة الولايات المتحدة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالنفط الذي تستورده.

وتشتري الصين اليوم نحو 50 في المئة من نفطها من الشرق الأوسط، خصوصاً من العراق حيث تقوم أيضاً باستثمارات كبيرة. ومن المتوقع أن يزيد اعتماد الصين على نفط الشرق الأوسط في العقود المقبلة. ومع الوقت، فإنّ أي تغيير في سياسات "أوبك" سيكون تأثيره المباشر عليها وليس على الولايات المتحدة.

ويقول بعض المحللين إن اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج جعلها تتورط في عمليات عسكرية مكلفة في الشرق الأوسط، ما أدى إلى إضعاف اقتصادها إلى درجة كبيرة، كما جعلها تتحالف مع أنظمة لا توافق على طريقة معاملتها لمواطنيها. وخلال شهادتها أمام الكونغرس الأميركي مؤخراً، ذكرت المديرة التنفيذية للطاقة والاستدامة في "جامعة كاليفورنيا ديفيز" آمي مايرز جاف أنه عندما ستصبح الولايات المتحدة مستقلة عن نفط الشرق الأوسط، سيكون بوسعها أن تتكلم باسم المجتمع الدولي "بثقة أكبر وقيود أقل" عن مواضيع لها علاقة بحقوق الإنسان والديموقراطية في دول خليجية مثل البحرين.

في سياق آخر، من المفترض أن يؤدي النمو الضخم في الإنتاج الأميركي إلى تراجع في الأسعار العالمية للنفط، فيما يرى المحللون أن ما يبقي الأسعار عالية هو الخوف من انقطاع العرض من دول الخليج نتيجة التوترات والأزمات في الشرق الأوسط. وفي حديث لـ"السفير"، يقول أستاذ الاقتصاد والإحصاء في "جامعة رايس" الأميركية محمود الجمل إنه لولا ذلك لكانت قوى العرض والطلب الحقيقية حددت السوق وبالتالي انخفضت الأسعار، ما يساعد في انتعاش الاقتصاد العالمي.

وتوافق على هذه النظرية الباحثة آمي مايرز جاف. وتقول إن الأزمة السورية، بالتحديد، تمنع أسعار النفط من الهبوط. وتضيف إنه "إن كنتَ مكان روسيا والسعودية وقطر، فليس في مصلحتك انتهاؤها (الأزمة السورية) لأن أسعار النفط ستنهار، ذلك أن السوق يعلم بكميات النفط التي ستتوافر خلال ثلاث أو خمس سنوات بفضل الإنتاج الأميركي".

غير أن فاتح بيرول يرى الأمور من ناحية مختلفة، معرباً عن اعتقاده أنه لولا النمو في إنتاج النفط في الولايات المتحدة وفي العراق، لكانت الأسعار أعلى مما هي عليه الآن.

ويقول الخبراء إنه في حال تراجعت أسعار النفط، فإن ذلك سيؤدي مع الوقت إلى انخفاض في الإنتاج لأن المستثمرين في تقنية التكسير الهيدروليكي لن يعود لهم حافز في الاستثمار. ويقول محمود الجمل "إن خسر المستثمرون أموالاً نتيجة هبوط سريع للأسعار، سيقل العرض وترتفع الأسعار مجدداً".

لكن قبل أن ترتفع الأسعار مجدداً، فإن خضات كبيرة قد تحصل في بعض الدول المنتجة للنفط، حيث ساهم تأمين الاحتياجات الاقتصادية في جعل الشعوب تتغاضى عن المطالبة بالمشاركة السياسية. وتتوقع آمي مايرز جاف أن يتزعزع استقرار بعض الدول الخليجية نتيجة انخفاض مداخيلها المالية.

في المقابل، فإنه بفضل تقنية التكسير الهيدروليكي، باتت الولايات المتحدة أكبر منتج للغاز الطبيعي. وبدأت الأسعار تنخفض في السوق العالمي وأصبحت الدول الأوروبية في موقع تفاوضي أقوى مع شركة "غازبروم" الروسية. ومن المتوقع أن يخفّ اعتماد دول أوروبا الغربية على استيراد الغاز من روسيا التي بدأت تتطلع إلى السوق الآسيوي.

من جانبها، تحاول دول نقل التجربة الأميركية في التكسير الهيدروليكي. ويقول بيرول إن الصين وروسيا والأرجنتين وغيرها تحاول نقل ما يحدث في الولايات المتحدة "لكنها متأخرة كثيراً على النموذج الأميركي الذي لا أتوقع أن يكون له مثيل مهم". وتبحث بعض الدول الأوروبية في ما إذا كانت ستبدأ أيضاً باستخدام هذه التقنية. ويقول جاي هايكس إن "بولندا بالتحديد تريد استخراج النفط الصخري لتصديره إلى أوروبا الغربية".

يُشار إلى أن بعض الدول تتخوّف من تأثير التكسير الهيدروليكي على البيئة. وقد فرضت فرنسا حظراً على استخدامه في العام 2011، لكن المجلس الدستوري يدرس حالياً ما إذا كان القانون دستورياً، على أن يدلي بقراره خلال ثلاثة أشهر.

وثمة شكوك بأن التكسير الهيدروليكي يتسبب بتلويث المياه الجوفية والهواء وربما يؤدي إلى حدوث زلازل صغيرة. لكن من ناحية أخرى، فهو يساعد على استبدال الفحم بالغاز الطبيعي ما يخفف كثيراً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وفي الولايات المتحدة، بالرغم من التقدم السريع الحاصل في هذا المجال، يتهم الجمهوريون الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه يقوم بإبطاء تطوير مشاريع التكسير الهيدروليكي. ويتصدون في الكونغرس لمحاولاته رصد المزيد من الأموال لأبحاث حول مخاطره على الصحة والبيئة.
  • فريق ماسة
  • 2013-07-15
  • 10069
  • من الأرشيف

"ثورة التكسير الهيدروليكي" في أميركا: تغيّر معادلات النفط والسياسات الخارجية

بفضل تقنية متقدمة في استخراج النفط والغاز الصخري، المعروفة بـ"التكسير الهيدروليكي"، يحصل نمو ضخم في إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة، ما يطرح تساؤلات حول تأثير ذلك ليس فقط على سياسة واشنطن في الشرق الأوسط، بل أيضاً على الأوضاع الداخلية لبعض الدول الخليجية التي ستتراجع عائداتها نتيجة هبوط محتمل للأسعار. ويصف الخبير في الطاقة ومؤلف كتاب "إعلان الاستقلال في الطاقة" جاي هايكس ما يحدث في الولايات المتحدة بـ"الثورة". ويقول لـ"السفير"، "كنا نعلم عن النفط والغاز الصخري منذ عقود، لكن في السنوات الأخيرة حصل نمو هائل وسريع". والتكنولوجيا المستخدمة في الولايات المتحدة هي "التكسير الهيدروليكي" مع الحفر الأفقي، وتعتمد على ضخ مياه ومواد كيميائية ورمال بضغط عالٍ تسمح باستخراج النفط والغاز من التكوينات الصخرية. وبحسب "وكالة الطاقة الدولية"، ومركزها العاصمة الفرنسية باريس، ستصبح الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم بحلول العام 2020، متجاوزة بذلك السعودية وروسيا. ويقول كبير الاقتصاديين في الوكالة فاتح بيرول لـ"السفير" إنها "نهضة الطاقة الأميركية"، لافتاً إلى أن "الأرقام كبيرة إلى درجة أنها ستؤثر على جميع الدول المنتجة للنفط من دول خليجية إلى روسيا إلى بعض دول أميركا اللاتينية وأفريقيا". ومن المفترض أن يكون للإنتاج المتزايد للنفط والغاز في الولايات المتحدة تأثير سريع على اقتصادها. ويقول بيرول "لن أستغرب إن عادت الولايات المتحدة خلال عامين أو ثلاثة كأهم قوة اقتصادية بفضل هذه النهضة في الطاقة". وفي معرض حديثه، يتوقع بيرول كذلك أن يصل النمو في الإنتاج في أميركا الشمالية إلى أربعة ملايين برميل يومياً خلال خمس سنوات، 2,8 مليون برميل منها في الولايات المتحدة. ويلفت إلى أن "إنتاج الولايات المتحدة سينمو بقدر مجموع إنتاج المكسيك اليوم". ويتزامن النمو في إنتاج النفط في الولايات المتحدة مع تراجع في الاستهلاك المحلي نتيجة كفاءة استخدامه في السيارات. وكانت الولايات المتحدة تستورد نسبة 60 في المئة من نفطها منذ أقل من عشر سنوات، أما اليوم فهي تستورد نسبة 40 في المئة، والرقم ينخفض باستمرار. وحتى يومنا، تأثرت كثيراً بعض دول "منظمة الدول المصدرة للنفط" (أوبك)، مثل نيجيريا وأنغولا جراء انخفاض استيراد الولايات المتحدة لنفطها. وقريباً ستتراجع صادرات فنزويلا والدول الخليجية إلى الولايات المتحدة. ويعتبر فاتح بيرول أن "الدول التي لا تزال تصدر إلى الولايات المتحدة عليها أن تنسى الكثير من هذه المشاريع". في المقابل، من المفترض أن يتحوّل إنتاج الدول المصدرة للنفط إلى الدول الآسيوية مثل الصين والهند وتايلاند والفيليبين، وسيتزايد التنافس بين دول "أوبك" على أسواقها. ويقول بيرول إن "آسيا ستكون المحرك للطلب العالمي على النفط". برغم هذه التطورات، لا يبدو أن الدول الخليجية قلقة من الموضوع. وقال وزير النفط السعودي علي النعيمي في كلمة ألقاها مؤخراً في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن إن الحديث عن انتهاء اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط "ساذج"، مضيفاً أن ذلك يشكل "وجهة نظر مبسطة". وتختلف آراء المحللين حول ما إذا كان وقف اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط سيقلل من اهتمامها بالمنطقة. ويرى فريق من المحللين أن ذلك بدأ بالظهور فعلياً مع انسحابها العسكري من العراق وسياستها المترددة حيال الأزمة في سوريا. إلا أن البعض الآخر يعتبر أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تنكفئ كلياً عن الشرق الأوسط. فالدول الأوروبية الحليفة لها لا تزال تعتمد كثيراً على نفط الشرق الأوسط وأي تعطيل في العرض سيؤثر على التجارة بينها وبين الولايات المتحدة. في المقابل، يوافق الخبراء على أن النمو في الإنتاج الأميركي بدأ يعطي الولايات المتحدة خيارات أكبر في سياستها الخارجية، ذلك أنه ساعدها في فرض عقوبات اقتصادية على إيران من دون أن يتأثر السعر العالمي للنفط. ويوضح فاتح بيرول أنه عندما تراجع إنتاج النفط الإيراني، تمّ تعويضه بالنفط الأميركي والعراقي. لكن مع الوقت سيصبح أكثر صعوبة على الولايات المتحدة استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ضد دول منتجة للنفط في الشرق الأوسط، ذلك أن الدول الآسيوية ستكون أقل استعداداً لأن تتبع سياسة الولايات المتحدة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالنفط الذي تستورده. وتشتري الصين اليوم نحو 50 في المئة من نفطها من الشرق الأوسط، خصوصاً من العراق حيث تقوم أيضاً باستثمارات كبيرة. ومن المتوقع أن يزيد اعتماد الصين على نفط الشرق الأوسط في العقود المقبلة. ومع الوقت، فإنّ أي تغيير في سياسات "أوبك" سيكون تأثيره المباشر عليها وليس على الولايات المتحدة. ويقول بعض المحللين إن اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج جعلها تتورط في عمليات عسكرية مكلفة في الشرق الأوسط، ما أدى إلى إضعاف اقتصادها إلى درجة كبيرة، كما جعلها تتحالف مع أنظمة لا توافق على طريقة معاملتها لمواطنيها. وخلال شهادتها أمام الكونغرس الأميركي مؤخراً، ذكرت المديرة التنفيذية للطاقة والاستدامة في "جامعة كاليفورنيا ديفيز" آمي مايرز جاف أنه عندما ستصبح الولايات المتحدة مستقلة عن نفط الشرق الأوسط، سيكون بوسعها أن تتكلم باسم المجتمع الدولي "بثقة أكبر وقيود أقل" عن مواضيع لها علاقة بحقوق الإنسان والديموقراطية في دول خليجية مثل البحرين. في سياق آخر، من المفترض أن يؤدي النمو الضخم في الإنتاج الأميركي إلى تراجع في الأسعار العالمية للنفط، فيما يرى المحللون أن ما يبقي الأسعار عالية هو الخوف من انقطاع العرض من دول الخليج نتيجة التوترات والأزمات في الشرق الأوسط. وفي حديث لـ"السفير"، يقول أستاذ الاقتصاد والإحصاء في "جامعة رايس" الأميركية محمود الجمل إنه لولا ذلك لكانت قوى العرض والطلب الحقيقية حددت السوق وبالتالي انخفضت الأسعار، ما يساعد في انتعاش الاقتصاد العالمي. وتوافق على هذه النظرية الباحثة آمي مايرز جاف. وتقول إن الأزمة السورية، بالتحديد، تمنع أسعار النفط من الهبوط. وتضيف إنه "إن كنتَ مكان روسيا والسعودية وقطر، فليس في مصلحتك انتهاؤها (الأزمة السورية) لأن أسعار النفط ستنهار، ذلك أن السوق يعلم بكميات النفط التي ستتوافر خلال ثلاث أو خمس سنوات بفضل الإنتاج الأميركي". غير أن فاتح بيرول يرى الأمور من ناحية مختلفة، معرباً عن اعتقاده أنه لولا النمو في إنتاج النفط في الولايات المتحدة وفي العراق، لكانت الأسعار أعلى مما هي عليه الآن. ويقول الخبراء إنه في حال تراجعت أسعار النفط، فإن ذلك سيؤدي مع الوقت إلى انخفاض في الإنتاج لأن المستثمرين في تقنية التكسير الهيدروليكي لن يعود لهم حافز في الاستثمار. ويقول محمود الجمل "إن خسر المستثمرون أموالاً نتيجة هبوط سريع للأسعار، سيقل العرض وترتفع الأسعار مجدداً". لكن قبل أن ترتفع الأسعار مجدداً، فإن خضات كبيرة قد تحصل في بعض الدول المنتجة للنفط، حيث ساهم تأمين الاحتياجات الاقتصادية في جعل الشعوب تتغاضى عن المطالبة بالمشاركة السياسية. وتتوقع آمي مايرز جاف أن يتزعزع استقرار بعض الدول الخليجية نتيجة انخفاض مداخيلها المالية. في المقابل، فإنه بفضل تقنية التكسير الهيدروليكي، باتت الولايات المتحدة أكبر منتج للغاز الطبيعي. وبدأت الأسعار تنخفض في السوق العالمي وأصبحت الدول الأوروبية في موقع تفاوضي أقوى مع شركة "غازبروم" الروسية. ومن المتوقع أن يخفّ اعتماد دول أوروبا الغربية على استيراد الغاز من روسيا التي بدأت تتطلع إلى السوق الآسيوي. من جانبها، تحاول دول نقل التجربة الأميركية في التكسير الهيدروليكي. ويقول بيرول إن الصين وروسيا والأرجنتين وغيرها تحاول نقل ما يحدث في الولايات المتحدة "لكنها متأخرة كثيراً على النموذج الأميركي الذي لا أتوقع أن يكون له مثيل مهم". وتبحث بعض الدول الأوروبية في ما إذا كانت ستبدأ أيضاً باستخدام هذه التقنية. ويقول جاي هايكس إن "بولندا بالتحديد تريد استخراج النفط الصخري لتصديره إلى أوروبا الغربية". يُشار إلى أن بعض الدول تتخوّف من تأثير التكسير الهيدروليكي على البيئة. وقد فرضت فرنسا حظراً على استخدامه في العام 2011، لكن المجلس الدستوري يدرس حالياً ما إذا كان القانون دستورياً، على أن يدلي بقراره خلال ثلاثة أشهر. وثمة شكوك بأن التكسير الهيدروليكي يتسبب بتلويث المياه الجوفية والهواء وربما يؤدي إلى حدوث زلازل صغيرة. لكن من ناحية أخرى، فهو يساعد على استبدال الفحم بالغاز الطبيعي ما يخفف كثيراً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وفي الولايات المتحدة، بالرغم من التقدم السريع الحاصل في هذا المجال، يتهم الجمهوريون الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه يقوم بإبطاء تطوير مشاريع التكسير الهيدروليكي. ويتصدون في الكونغرس لمحاولاته رصد المزيد من الأموال لأبحاث حول مخاطره على الصحة والبيئة.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة