خلافاً للسياسة السعودية الرسمية تجاه لبنان ومفادها تحاشي الصدام، يقف رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان ليعلن أن «الكيل قد طفح» من قوى 8 آذار، وهي ترجمة لضغوط بدأت تمارسها واشنطن لإجراء الانتخابات في موعدها. وبعد بندر، أتى اتصال الرئيس الأميركي بالرئيس ميشال سليمان ليكرر القول ذاته.

كما كان متوقعاً لدى محافل دبلوماسية، تحرك العامل الدولي بسرعة بعد انهيار فترة المهل من دون إنتاج قانون انتخاب يسمح بإجراء الانتخابات في موعدها. ودشّن الرئيس الأميركي باراك أوباما هذا التحرك عبر اتصال هاتفي برئيس الجمهورية ميشال سليمان يؤيد مضمونه تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات في مواعيدها. وقد نمّ ذلك عن رسالة أميركية قوية للأطراف الداخلية بأن الغرب لن يسمح بتمديد أكثر من تقني للمجلس النيابي وليس طويل المدى، لأن ذلك من وجهة نظره يناسب أجندة مغايرة لتلك التي يريدها للبنان، وهي إعلان «الحياد» تجاه أحداث سورية ومجمل مشاغل المنطقة، وليس النأي بالنفس. لقد دفنت واشنطن مع ذهاب الرئيس نجيب ميقاتي مقولة النأي بالنفس. وكان وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية الستر برت واضحاً في زيارته الأخيرة لبيروت حينما رأى أن شعار الحياد على عكس شعار النأي بالنفس، هو خيار شجاع، والقائلون به هم المصطفون في «معسكر لبنان أولاً».

وكانت شخصية مطلة على السياسة الأميركية نقلت إلى بيروت قبل أيام مضمون ما تريده واشنطن، وهو إجراء الانتخابات الآن على أساس قانون حياد لبنان عن محيطه، سواء كان مختلطاً أو نسبياً أو الستين. وتريد تشكيل حكومة لا تعرض الاستقرار للخطر، ولكن في الوقت نفسه لا تذعن لمطالب حزب الله. وإذا أصرّ الأخير على تعطيل إمكانية تأليف حكومة جديدة، فلا بد من مواجهة هذا التحدي بالتأليف.

ولفتت هذه المصادر إلى أنه بالنسبة إلى واشنطن، فإن ما قبل خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي ألقاه لمناسبة يوبيل إذاعة النور، غير ما بعده. فالأخير تجاوز كل الخطوط الحمر. فحديثه عن إسهامه في جبهة الجولان، واستقباله للسلاح الكاسر للتوازن رغماً عن الخط الأحمر الاسرائيلي الذي هو بالاساس أميركي، والكلام عن أن سقف تفاوضه الداخلي هو الثلث الضامن وحكومة سياسية وليس انتخابية وإدارة ظهره لإعلان بعبدا، كلها مثّلت اختراقات للسقف الذي تقبل به أميركا.

وذكرت مصادر مطلعة أن اتصال أوباما بسليمان جاء استجابة لضغط من السفارة الأميركية في بيروت، التي تعرّضت بدورها لضغوط من جانب قيادات بارزة في 14 آذار تسأل الولايات المتحدة دفع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف تمام سلام إلى الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة.

وقالت المصادر إن الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تفاهما على أنه في ظل عدم قيام السعودية بالضغط على سلام للإسراع في تشكيل الحكومة، وفي ظل عدم قدرة الحريري وجعجع وقيادات أخرى على ممارسة الضغط على الجانب السعودي، وجد فريق «14 آذار» أن البديل قد يكون ممكناً من خلال دفع الرئيس سليمان لتولّي المهمة.

وحسب المصادر، فإن اتصالات تولّاها فريق من «القوات» والنائب مروان حمادة ومستشار الحريري الوزير السابق محمد شطح مع السفيرة الأميركية مورا كونيللي لأجل إثارة الأمر من زاوية أن السعودية تتصرف بـ«برودة»، وهي وضعت سقفاً لسلام لكنها لا تمارس الضغط للإسراع في تشكيل الحكومة.

وقالت المصادر إن قيادات «14 آذار» طلبت من كونيللي العمل على إقناع الرئيس سليمان بالقيام بدور ضاغط على سلام. واتفق على محاولة إقناع الرئيس أوباما بتولّي المهمة، إلى جانب توصية ملاحظة لسليمان حول الأزمة السورية ومشاركة حزب الله في القتال هناك.

وبحسب بيان قصر بعبدا، رأى أوباما أن «تشكيل حكومة جديدة في لبنان وإجراء الانتخابات في مواعيدها يشكلان رسالة قوية عن ممارسة التراث الديمقراطي». ولاحقاً، قالت السفارة الأميركية إن أوباما «عبّر عن قلقه من دور حزب الله النشط والمتزايد في سوريا، والقتال نيابة عن نظام بشار الأسد، وهو أمر يتعارض مع سياسات الحكومة اللبنانية»، مقدّراً «حفظ حدود لبنان مفتوحة واستضافة اللاجئين من سوريا».

وبات واضحاً بعد اتصال أوباما بسليمان، والذي تم الحرص على إعلان مضمونه، أن التحذير الذي أرسله رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان كتعبير غير مباشر عن رأي المجتمع الدولي الغربي، إلى فريق «8 آذار»، بدأت مفاعيله التطبيقية على الارض، بعد انقضاء فترة السماح المحددة بانتهاء مهلة تعليق مهلة الترشيح للانتخابات في 19 الشهر الحالي.

وكانت الرسالة المذكورة وصلت بيروت قبل أسبوعين وحملها معه النائب وليد جنبلاط بعد عودته من السعودية الى مرجع سياسي في 8 آذار، ومرسلها لم يكن السعودية كدولة بل الامير بندر، ويمكن إيجازها بكلمتين «طفح الكيل». وكان واضحاً أنها رسالة بلسان بندر من واشنطن، داخل رسالة من المملكة تتّسم بالروية. فالرياض تريد اللاصدام، أما بندر في محادثاته مع جنبلاط كان ينطق بلسان التهديد الأميركي والمهلة الاخيرة.

وفي مقابل المتحدّثين عن «برودة» السعودية تجاه الوضع اللبناني وسعيها إلى عدم كسر التوازنات، ثمة من يروّج لرواية أخرى تقول إن رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان يواكب السياسة الأميركية في لبنان، بخلاف الدوائر السعودية الأخرى المعنية بالشأن اللبناني. ويشير أصحاب هذه الرواية إلى أن إسقاط حكومة ميقاتي لم يكن بقرار سعودي، بل بتنفيذ من الرياض، بعدما اتخذت واشنطن القرار إثر صدور نتائج تفجير بورغاس في بلغاريا. وتقول المصادر إن اللقاء الأخير بين بندر والنائب وليد جنبلاط عكس هذه السياسية. ففي الجزء المعبّر عن رأي الملك، كان بندر «منفتحاً على قراءة واقعية لكل التطورات التي حصلت على الساحة اللبنانية منذ تكليف سلام». تحدّث عن «ضرورة الابتعاد عن المشاكل والاستفزاز»، ولكنه، خلال عرضه لانعكاسات التداخلات الإقليمية على الساحة اللبنانية، لجأ الى التعبير عن موقفه منها، وهو الموقف «العابر لحدود المملكة» حسبما تقول مصادر سعودية. وتشير المصادر إلى أن بن سلطان قال لجنبلاط: «... أما إذا قام فريق 8 آذار بالتحدي والمشاكل، فلن نسكت وسنسير بالمشاكل حتى النهاية».

تقول المصادر إن كلام بندر بهذه اللغة صدم جنبلاط. وسأله الأخير عن ترجمة ذلك عملياً، وهل السعودية ستواجه 7 أيار جديد؟ فردّ بندر: «لقد طفح الكيل والظروف التي كانت موجودة في أيار 2008 لم تعد موجودة اليوم. ولن أقبل بفشل تمام سلام».

يورد محضر وقائع هذا اللقاء أن جنبلاط تحدّث عما يسمّيه «سياسة المملكة الحكيمة»، وأن «المطلوب اليوم هو استقرار لبنان في الحد الأدنى، وأن هزّه يقدم خدمة للنظام السوري الذي يسعى لتصدير أزمته».

ونصح جنبلاط بتشجيع خيار تأجيل إعلان الحكومة الى ما بعد جلسة مجلس النواب التي بدأت في15 أيار الجاري والتشاور مع الرئيس بري المعروف بقدرته على تدوير الزوايا وإعطائه فرصة لإعادة التشاور مع فريق 8 آذار وتحديداً حزب الله.

هنا عاد بندر إلى خطاب المملكة الرسمي، متحدّثاً بإيجابية، قبل أن يعود ليؤكد أن صبره قد نفد ويجب تدبير الامور قبل فوات الأوان.

وتعبر زيارة سلام الأخيرة للرئيس بري عن خط الرياض الرسمي، إذ أخبر سلام بري أنه غير مستعجل على تشكيل الحكومة.

أما رسالة بندر المتضمنة قوله «عليكم تدبّر الحل قبل فوات الأوان»، فنقلها الوزير وائل أبو فاعور المطّلع على لقاء بندر _ جنبلاط أيضاً الى 8 آذار، لكن الأخيرة ردّت بلسان أحد أقطابها: «سنعمل ما يمكن لضمان الاستقرار واحترام التزامنا بحماية الدستور، ولكن ماذا يستطيع بندر أن يفعل، وأعتقد أن كلامه تهويل وغير قابل للترجمة على الارض» .

يبقى القول إن سبب الاندفاعة الاميركية لإجراء الانتخابات كيفما اتفق وفي موعدها الأقرب إذا تعذر الآن، هو وجود تقدير لدى واشنطن يفيد بأن حزب الله لا يريد انتخابات قبل عامين، أي قبل الانتخابات الإيرانية في حزيران المقبل والانتخابات السورية عام 2014. أما واشنطن فتريد انتخابات الآن تشرف عليها حكومة لا يوجد فيها تمثيل سياسي مباشر لحزب الله، تؤدي إلى أغلبية نيابية تشكل حكومة حياد لبنان، بغية جعل حزب الله من دون غطاء سياسي رسمي في المرحلة المقبلة.

  • فريق ماسة
  • 2013-05-20
  • 9819
  • من الأرشيف

أوباما وبندر: طفح الكيل

خلافاً للسياسة السعودية الرسمية تجاه لبنان ومفادها تحاشي الصدام، يقف رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان ليعلن أن «الكيل قد طفح» من قوى 8 آذار، وهي ترجمة لضغوط بدأت تمارسها واشنطن لإجراء الانتخابات في موعدها. وبعد بندر، أتى اتصال الرئيس الأميركي بالرئيس ميشال سليمان ليكرر القول ذاته. كما كان متوقعاً لدى محافل دبلوماسية، تحرك العامل الدولي بسرعة بعد انهيار فترة المهل من دون إنتاج قانون انتخاب يسمح بإجراء الانتخابات في موعدها. ودشّن الرئيس الأميركي باراك أوباما هذا التحرك عبر اتصال هاتفي برئيس الجمهورية ميشال سليمان يؤيد مضمونه تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات في مواعيدها. وقد نمّ ذلك عن رسالة أميركية قوية للأطراف الداخلية بأن الغرب لن يسمح بتمديد أكثر من تقني للمجلس النيابي وليس طويل المدى، لأن ذلك من وجهة نظره يناسب أجندة مغايرة لتلك التي يريدها للبنان، وهي إعلان «الحياد» تجاه أحداث سورية ومجمل مشاغل المنطقة، وليس النأي بالنفس. لقد دفنت واشنطن مع ذهاب الرئيس نجيب ميقاتي مقولة النأي بالنفس. وكان وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية الستر برت واضحاً في زيارته الأخيرة لبيروت حينما رأى أن شعار الحياد على عكس شعار النأي بالنفس، هو خيار شجاع، والقائلون به هم المصطفون في «معسكر لبنان أولاً». وكانت شخصية مطلة على السياسة الأميركية نقلت إلى بيروت قبل أيام مضمون ما تريده واشنطن، وهو إجراء الانتخابات الآن على أساس قانون حياد لبنان عن محيطه، سواء كان مختلطاً أو نسبياً أو الستين. وتريد تشكيل حكومة لا تعرض الاستقرار للخطر، ولكن في الوقت نفسه لا تذعن لمطالب حزب الله. وإذا أصرّ الأخير على تعطيل إمكانية تأليف حكومة جديدة، فلا بد من مواجهة هذا التحدي بالتأليف. ولفتت هذه المصادر إلى أنه بالنسبة إلى واشنطن، فإن ما قبل خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي ألقاه لمناسبة يوبيل إذاعة النور، غير ما بعده. فالأخير تجاوز كل الخطوط الحمر. فحديثه عن إسهامه في جبهة الجولان، واستقباله للسلاح الكاسر للتوازن رغماً عن الخط الأحمر الاسرائيلي الذي هو بالاساس أميركي، والكلام عن أن سقف تفاوضه الداخلي هو الثلث الضامن وحكومة سياسية وليس انتخابية وإدارة ظهره لإعلان بعبدا، كلها مثّلت اختراقات للسقف الذي تقبل به أميركا. وذكرت مصادر مطلعة أن اتصال أوباما بسليمان جاء استجابة لضغط من السفارة الأميركية في بيروت، التي تعرّضت بدورها لضغوط من جانب قيادات بارزة في 14 آذار تسأل الولايات المتحدة دفع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف تمام سلام إلى الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة. وقالت المصادر إن الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تفاهما على أنه في ظل عدم قيام السعودية بالضغط على سلام للإسراع في تشكيل الحكومة، وفي ظل عدم قدرة الحريري وجعجع وقيادات أخرى على ممارسة الضغط على الجانب السعودي، وجد فريق «14 آذار» أن البديل قد يكون ممكناً من خلال دفع الرئيس سليمان لتولّي المهمة. وحسب المصادر، فإن اتصالات تولّاها فريق من «القوات» والنائب مروان حمادة ومستشار الحريري الوزير السابق محمد شطح مع السفيرة الأميركية مورا كونيللي لأجل إثارة الأمر من زاوية أن السعودية تتصرف بـ«برودة»، وهي وضعت سقفاً لسلام لكنها لا تمارس الضغط للإسراع في تشكيل الحكومة. وقالت المصادر إن قيادات «14 آذار» طلبت من كونيللي العمل على إقناع الرئيس سليمان بالقيام بدور ضاغط على سلام. واتفق على محاولة إقناع الرئيس أوباما بتولّي المهمة، إلى جانب توصية ملاحظة لسليمان حول الأزمة السورية ومشاركة حزب الله في القتال هناك. وبحسب بيان قصر بعبدا، رأى أوباما أن «تشكيل حكومة جديدة في لبنان وإجراء الانتخابات في مواعيدها يشكلان رسالة قوية عن ممارسة التراث الديمقراطي». ولاحقاً، قالت السفارة الأميركية إن أوباما «عبّر عن قلقه من دور حزب الله النشط والمتزايد في سوريا، والقتال نيابة عن نظام بشار الأسد، وهو أمر يتعارض مع سياسات الحكومة اللبنانية»، مقدّراً «حفظ حدود لبنان مفتوحة واستضافة اللاجئين من سوريا». وبات واضحاً بعد اتصال أوباما بسليمان، والذي تم الحرص على إعلان مضمونه، أن التحذير الذي أرسله رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان كتعبير غير مباشر عن رأي المجتمع الدولي الغربي، إلى فريق «8 آذار»، بدأت مفاعيله التطبيقية على الارض، بعد انقضاء فترة السماح المحددة بانتهاء مهلة تعليق مهلة الترشيح للانتخابات في 19 الشهر الحالي. وكانت الرسالة المذكورة وصلت بيروت قبل أسبوعين وحملها معه النائب وليد جنبلاط بعد عودته من السعودية الى مرجع سياسي في 8 آذار، ومرسلها لم يكن السعودية كدولة بل الامير بندر، ويمكن إيجازها بكلمتين «طفح الكيل». وكان واضحاً أنها رسالة بلسان بندر من واشنطن، داخل رسالة من المملكة تتّسم بالروية. فالرياض تريد اللاصدام، أما بندر في محادثاته مع جنبلاط كان ينطق بلسان التهديد الأميركي والمهلة الاخيرة. وفي مقابل المتحدّثين عن «برودة» السعودية تجاه الوضع اللبناني وسعيها إلى عدم كسر التوازنات، ثمة من يروّج لرواية أخرى تقول إن رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان يواكب السياسة الأميركية في لبنان، بخلاف الدوائر السعودية الأخرى المعنية بالشأن اللبناني. ويشير أصحاب هذه الرواية إلى أن إسقاط حكومة ميقاتي لم يكن بقرار سعودي، بل بتنفيذ من الرياض، بعدما اتخذت واشنطن القرار إثر صدور نتائج تفجير بورغاس في بلغاريا. وتقول المصادر إن اللقاء الأخير بين بندر والنائب وليد جنبلاط عكس هذه السياسية. ففي الجزء المعبّر عن رأي الملك، كان بندر «منفتحاً على قراءة واقعية لكل التطورات التي حصلت على الساحة اللبنانية منذ تكليف سلام». تحدّث عن «ضرورة الابتعاد عن المشاكل والاستفزاز»، ولكنه، خلال عرضه لانعكاسات التداخلات الإقليمية على الساحة اللبنانية، لجأ الى التعبير عن موقفه منها، وهو الموقف «العابر لحدود المملكة» حسبما تقول مصادر سعودية. وتشير المصادر إلى أن بن سلطان قال لجنبلاط: «... أما إذا قام فريق 8 آذار بالتحدي والمشاكل، فلن نسكت وسنسير بالمشاكل حتى النهاية». تقول المصادر إن كلام بندر بهذه اللغة صدم جنبلاط. وسأله الأخير عن ترجمة ذلك عملياً، وهل السعودية ستواجه 7 أيار جديد؟ فردّ بندر: «لقد طفح الكيل والظروف التي كانت موجودة في أيار 2008 لم تعد موجودة اليوم. ولن أقبل بفشل تمام سلام». يورد محضر وقائع هذا اللقاء أن جنبلاط تحدّث عما يسمّيه «سياسة المملكة الحكيمة»، وأن «المطلوب اليوم هو استقرار لبنان في الحد الأدنى، وأن هزّه يقدم خدمة للنظام السوري الذي يسعى لتصدير أزمته». ونصح جنبلاط بتشجيع خيار تأجيل إعلان الحكومة الى ما بعد جلسة مجلس النواب التي بدأت في15 أيار الجاري والتشاور مع الرئيس بري المعروف بقدرته على تدوير الزوايا وإعطائه فرصة لإعادة التشاور مع فريق 8 آذار وتحديداً حزب الله. هنا عاد بندر إلى خطاب المملكة الرسمي، متحدّثاً بإيجابية، قبل أن يعود ليؤكد أن صبره قد نفد ويجب تدبير الامور قبل فوات الأوان. وتعبر زيارة سلام الأخيرة للرئيس بري عن خط الرياض الرسمي، إذ أخبر سلام بري أنه غير مستعجل على تشكيل الحكومة. أما رسالة بندر المتضمنة قوله «عليكم تدبّر الحل قبل فوات الأوان»، فنقلها الوزير وائل أبو فاعور المطّلع على لقاء بندر _ جنبلاط أيضاً الى 8 آذار، لكن الأخيرة ردّت بلسان أحد أقطابها: «سنعمل ما يمكن لضمان الاستقرار واحترام التزامنا بحماية الدستور، ولكن ماذا يستطيع بندر أن يفعل، وأعتقد أن كلامه تهويل وغير قابل للترجمة على الارض» . يبقى القول إن سبب الاندفاعة الاميركية لإجراء الانتخابات كيفما اتفق وفي موعدها الأقرب إذا تعذر الآن، هو وجود تقدير لدى واشنطن يفيد بأن حزب الله لا يريد انتخابات قبل عامين، أي قبل الانتخابات الإيرانية في حزيران المقبل والانتخابات السورية عام 2014. أما واشنطن فتريد انتخابات الآن تشرف عليها حكومة لا يوجد فيها تمثيل سياسي مباشر لحزب الله، تؤدي إلى أغلبية نيابية تشكل حكومة حياد لبنان، بغية جعل حزب الله من دون غطاء سياسي رسمي في المرحلة المقبلة.

المصدر : الأخبار/ ناصر شرارة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة