المشكلة بشأن قانون الانتخاب، حتى لو تفاوتت المواقف حيال عدد من بنوده، أن كل طرف يحاول حسم نتيجة المعركة الانتخابية قبل حصولها. يعكس ذلك تخلفاً ممتداً ما زال هو السائد والمهيمن في الحياة السياسية اللبنانية. إنها، بكلام آخر، فئوية مفرطة تحاول أن توظف القانون استناداً إلى مبدأ الامتيازات، لا إلى مبدأ المساواة. بذلك، يصبح القانون في خدمة مواطنين بعينهم لا في خدمة كل المواطنين دون تمييز. ينجم عن ذلك إحلال القانون في غير موقعه وإضفاء صفة الفئوية عليه وجعله، بالنتيجة، موقتاً ومحكوماً بموازين القوى، وليس طبعاً، بقواعد صحة التمثيل ونزاهة القصد وسلامة المعايير. وإذا أضفنا إلى ذلك تعاظم دور الخارج في الداخل اللبناني وتعمق وتفاقم تبعية القوى السياسية اللبنانية، نقف على حجم المشكلة التي يتخبط فيها اللبنانيون والتي تتجدد مع كل استحقاق ومنعطف وأزمة محلية أو اقليمية أو حتى دولية. والواقع، اليوم، أنّه حدث تحول أساسي على المستوى الاقليمي. نقصد الأزمة السورية. وسوريا لاعب كبير في لبنان، وهي أدارت شؤونه وشجونه، وبشكل متوافق عليه إلى حد حاسم، عربياً ودولياً وحتى محلياً، طوال خمسة عشر عاماً.

تراجع الدور السوري في نيسان عام 2005، وعاد ليتقدم مجدداً ابتداءً من عام 2006 بسبب إخفاقات الغزو الأميركي للعراق وفشل العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز عام 2006. حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كانت واحدة من ثمرات التقدم السوري. واستقالة ميقاتي الأخيرة هي واحدة من ثمرات التراجع السوري. وفي جدلية الصراع والتنافس تقدّم الدور الخليجي بعد تراجع دور سوريا وغرقها في أزمتها وعجز نظامها عن تحقيق الانتصار أو عن الانخراط في تسوية تضع حداً لتدمير سوريا في الداخل وإنهاء دورها السياسي في الخارج.

السعودية ترعى الآن المرحلة الجديدة التي يمر بها لبنان. ثابرت قيادة المملكة على رفض إقصاء فريقها عن الحكم في لبنان. بذلت الكثير من أجل إعادة الإمساك بزمام الأمور على صعيد السلطة اللبنانية. هي كانت قد اقترحت على دمشق، أثناء زيارة الملك عبد الله لها، عقد صفقة تؤمن أرجحية السعودية في لبنان مقابل السكوت عن الوضع القائم في دمشق. اقترن ذلك بزيارة «تاريخية» مشتركة للبنان ضمّت الرئيس السوري إلى العاهل السعودي في مسعى سعودي لتطبيع العلاقات ولتكريس المعادلة المشار إليها ولطيّ ملفات الصراع الساخنة، وبينها ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

لم تسر الأمور على هذا المنوال؛ إذ عادت واضطربت العلاقات. ذلك أن فريق 14 آذار بالغ في استثمار الأرجحية السعودية. أدى ذلك إلى إسقاط حكومة سعد الحريري وإلى انهيار التفاهم/ التوازن الذي حاول الملك السعودي إرساءه.

اليوم تحاول السعودية تكريس دورها الجديد. الاستقالة جاءت بضغط سعودي، والتكليف جاء بقرار سعودي. والتأليف سيكون، إذا حصل، بقرار وبضغوط سعوديين أيضاً. يستطيع الرئيس نجيب ميقاتي أن يحلم بما يشاء، والأستاذ وليد جنبلاط أن يتخيّل من الأدوار ما يشاء أيضاً، لكن ما تقدم هو الحقيقة الأساسية في كل ما جرى وما سوف يجري.

والسفير السعودي السيد علي عوض العسيري يؤكد ويكرّر الجملة التقليدية السمجة التي كررها قبله وسيكررها بعده كل المنخرطين في صراعات لبنان والمنطقة. سوريا وإيران والولايات المتحدة وفرنسا، هم أيضاً «على مسافة من الجميع»!

لقد أنجزت المملكة، حتى الآن، إقصاء «حكومة حزب الله» عن السلطة. وهي تدير مرحلة انتقالية ينبغي أن تنتهي بتمكين حلفائها من تأمين أكثرية في المجلس النيابي القادم.

والسعودية تخوض صراعاً إقليمياً ذا أبعاد دولية. إنها تخوض معركة ضد إيران ودورها وسلاحها في الخليج وعلى مستوى المنطقة العربية والإسلامية. وهي تخوض صراعاً، أيضاً، من أجل تصفية القضية الفلسطينية دون أن تقتنع القيادة الصهيونية، حتى الآن، بتقديم بعض «التنازلات» الجزئية تحقيقاً لهذا الهدف. والمملكة تخوض صراعاً ضد التيارات الإسلامية المتشددة والمنفتحة التي من شأنها تهديد سلطة العائلة المالكة وتفردها بالحكم وبالسيطرة على المقدسات وبالاستيلاء على ثروة البلاد الهائلة التي يعود معظمها للسيد الأميركي ولاحتكاراته.

كل ذلك ماثل في جدول الأعمال السعودي، وانطلاقاً منه تتحرك السعودية إزاء الوضع اللبناني. تتحرك في الرياض وتتحرك في بيروت وتتحرك في عواصم أخرى.

والوصي الجديد «على مسافة من الجميع». والسعودية تملك الكثير من أساليب «الإقناع». و«الانفتاح» ضروري لكي تُزال العقبات أمام العهد السعودي في لبنان.

طبعاً، ليست الأمور ميسرة كما تشتهي السفن السعودية. الصراع مفتوح والعقبات ليست بسيطة. لكن الوقت حليف المملكة، وحليفها أيضاً أخطاء النظام السوري الذي لم يدرك، ولن يدرك على الأرجح، أن الحل المنطلق من الحوار والمفضي إلى وقف الدمار هو مصلحة سوريّة قبل أي أمر آخر.

أما في لبنان، فما زال اللبنانيون أمام خيارين ومشروعين فقط، في وقت يغيب فيه المشروع الوطني التوحيدي الديموقراطي، وتنصرف بعض القوى «الطليعية» إلى التصفيات الداخلية، في إمعان مريب في الغياب وفي انعدام الوزن والدور وفي العبثية!

 

  • فريق ماسة
  • 2013-04-18
  • 9112
  • من الأرشيف

الوصاية السعودية!

المشكلة بشأن قانون الانتخاب، حتى لو تفاوتت المواقف حيال عدد من بنوده، أن كل طرف يحاول حسم نتيجة المعركة الانتخابية قبل حصولها. يعكس ذلك تخلفاً ممتداً ما زال هو السائد والمهيمن في الحياة السياسية اللبنانية. إنها، بكلام آخر، فئوية مفرطة تحاول أن توظف القانون استناداً إلى مبدأ الامتيازات، لا إلى مبدأ المساواة. بذلك، يصبح القانون في خدمة مواطنين بعينهم لا في خدمة كل المواطنين دون تمييز. ينجم عن ذلك إحلال القانون في غير موقعه وإضفاء صفة الفئوية عليه وجعله، بالنتيجة، موقتاً ومحكوماً بموازين القوى، وليس طبعاً، بقواعد صحة التمثيل ونزاهة القصد وسلامة المعايير. وإذا أضفنا إلى ذلك تعاظم دور الخارج في الداخل اللبناني وتعمق وتفاقم تبعية القوى السياسية اللبنانية، نقف على حجم المشكلة التي يتخبط فيها اللبنانيون والتي تتجدد مع كل استحقاق ومنعطف وأزمة محلية أو اقليمية أو حتى دولية. والواقع، اليوم، أنّه حدث تحول أساسي على المستوى الاقليمي. نقصد الأزمة السورية. وسوريا لاعب كبير في لبنان، وهي أدارت شؤونه وشجونه، وبشكل متوافق عليه إلى حد حاسم، عربياً ودولياً وحتى محلياً، طوال خمسة عشر عاماً. تراجع الدور السوري في نيسان عام 2005، وعاد ليتقدم مجدداً ابتداءً من عام 2006 بسبب إخفاقات الغزو الأميركي للعراق وفشل العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز عام 2006. حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كانت واحدة من ثمرات التقدم السوري. واستقالة ميقاتي الأخيرة هي واحدة من ثمرات التراجع السوري. وفي جدلية الصراع والتنافس تقدّم الدور الخليجي بعد تراجع دور سوريا وغرقها في أزمتها وعجز نظامها عن تحقيق الانتصار أو عن الانخراط في تسوية تضع حداً لتدمير سوريا في الداخل وإنهاء دورها السياسي في الخارج. السعودية ترعى الآن المرحلة الجديدة التي يمر بها لبنان. ثابرت قيادة المملكة على رفض إقصاء فريقها عن الحكم في لبنان. بذلت الكثير من أجل إعادة الإمساك بزمام الأمور على صعيد السلطة اللبنانية. هي كانت قد اقترحت على دمشق، أثناء زيارة الملك عبد الله لها، عقد صفقة تؤمن أرجحية السعودية في لبنان مقابل السكوت عن الوضع القائم في دمشق. اقترن ذلك بزيارة «تاريخية» مشتركة للبنان ضمّت الرئيس السوري إلى العاهل السعودي في مسعى سعودي لتطبيع العلاقات ولتكريس المعادلة المشار إليها ولطيّ ملفات الصراع الساخنة، وبينها ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لم تسر الأمور على هذا المنوال؛ إذ عادت واضطربت العلاقات. ذلك أن فريق 14 آذار بالغ في استثمار الأرجحية السعودية. أدى ذلك إلى إسقاط حكومة سعد الحريري وإلى انهيار التفاهم/ التوازن الذي حاول الملك السعودي إرساءه. اليوم تحاول السعودية تكريس دورها الجديد. الاستقالة جاءت بضغط سعودي، والتكليف جاء بقرار سعودي. والتأليف سيكون، إذا حصل، بقرار وبضغوط سعوديين أيضاً. يستطيع الرئيس نجيب ميقاتي أن يحلم بما يشاء، والأستاذ وليد جنبلاط أن يتخيّل من الأدوار ما يشاء أيضاً، لكن ما تقدم هو الحقيقة الأساسية في كل ما جرى وما سوف يجري. والسفير السعودي السيد علي عوض العسيري يؤكد ويكرّر الجملة التقليدية السمجة التي كررها قبله وسيكررها بعده كل المنخرطين في صراعات لبنان والمنطقة. سوريا وإيران والولايات المتحدة وفرنسا، هم أيضاً «على مسافة من الجميع»! لقد أنجزت المملكة، حتى الآن، إقصاء «حكومة حزب الله» عن السلطة. وهي تدير مرحلة انتقالية ينبغي أن تنتهي بتمكين حلفائها من تأمين أكثرية في المجلس النيابي القادم. والسعودية تخوض صراعاً إقليمياً ذا أبعاد دولية. إنها تخوض معركة ضد إيران ودورها وسلاحها في الخليج وعلى مستوى المنطقة العربية والإسلامية. وهي تخوض صراعاً، أيضاً، من أجل تصفية القضية الفلسطينية دون أن تقتنع القيادة الصهيونية، حتى الآن، بتقديم بعض «التنازلات» الجزئية تحقيقاً لهذا الهدف. والمملكة تخوض صراعاً ضد التيارات الإسلامية المتشددة والمنفتحة التي من شأنها تهديد سلطة العائلة المالكة وتفردها بالحكم وبالسيطرة على المقدسات وبالاستيلاء على ثروة البلاد الهائلة التي يعود معظمها للسيد الأميركي ولاحتكاراته. كل ذلك ماثل في جدول الأعمال السعودي، وانطلاقاً منه تتحرك السعودية إزاء الوضع اللبناني. تتحرك في الرياض وتتحرك في بيروت وتتحرك في عواصم أخرى. والوصي الجديد «على مسافة من الجميع». والسعودية تملك الكثير من أساليب «الإقناع». و«الانفتاح» ضروري لكي تُزال العقبات أمام العهد السعودي في لبنان. طبعاً، ليست الأمور ميسرة كما تشتهي السفن السعودية. الصراع مفتوح والعقبات ليست بسيطة. لكن الوقت حليف المملكة، وحليفها أيضاً أخطاء النظام السوري الذي لم يدرك، ولن يدرك على الأرجح، أن الحل المنطلق من الحوار والمفضي إلى وقف الدمار هو مصلحة سوريّة قبل أي أمر آخر. أما في لبنان، فما زال اللبنانيون أمام خيارين ومشروعين فقط، في وقت يغيب فيه المشروع الوطني التوحيدي الديموقراطي، وتنصرف بعض القوى «الطليعية» إلى التصفيات الداخلية، في إمعان مريب في الغياب وفي انعدام الوزن والدور وفي العبثية!  

المصدر : الاخبار\ سعد الله مزرعاني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة