كانت النتيجة العملية الوحيدة، الى الآن، لزيارة الرئيس الامريكي براك اوباما لاسرائيل انهاء الازمة الطويلة فيالعلاقات بين اسرائيل وتركيا. فقد استجاب زعيما الدولتين لضغوطه ووافقا على القاء خلافات الماضي وراء ظهريهما وان ينزلا عن الشجرة العالية التي تسلقاها. إن أحداث القافلة البحرية الى غزة تبدو ايضا بعيدة وهي في الأساس تافهة اذا قيست بالعاصفة التي تهب على الشرق الاوسط كله وتهدد مصالح حيوية تركية واسرائيلية على السواء. فمنذ كانت الحادثة على متن 'مرمرة' سقط نظام حكم حسني مبارك في مصر، وتغير الواقع بين اسرائيل وقطاع غزة تماما، أما في سوريا فنشبت ثورة دامية تهدد بالانتقال وراء حدود هذه الدولة، الى الاردن ولبنان والى تركيا واسرائيل ايضا.

استطاعت القدس وأنقرة طوال سنوات وجود دولة اسرائيل الـ 65 ان تحافظا على قنوات اتصال مفتوحة، واقامة علاقات سوّية أحسنت الى الدولتين، واستطاعتا ان تنشئا احيانا حتى حلفا استراتيجيا لمواجهة تحديات وتهديدات مشتركة.

وكان هذا هو الوضع في تسعينيات القرن الماضي حينما دفعت المصالح الاقتصادية والامنية أنقرة الى ذراعي القدس. ونشك في ان يُمكّن تطبيع العلاقات إثر الاعتذار الاسرائيلي لتركيا من انشاء علاقات استراتيجية وحميمة كالتي كانت بينهما في العقد الماضي، لكن لا شك في ان للدولتين مجالا واسعا للتعاون بينهما.

في المجال الاقتصادي استمرت بل ازدادت عمقا في السنين الاخيرة العلاقات الاقتصادية بين الدولتين برغم القطيعة السياسية. وقد ابتعد سياح اسرائيليون في الحقيقة عن تركيا وينبغي ان نفترض ان يعودوا سريعا زرافات زرافات الى أنطاليا، لكن العلاقات التجارية نمت وأزهرت وبلغت أرقاما قياسية لكل الأزمان. وأمل اردوغان وزملاؤه ان تفتح سياستهم المؤيدة للعرب والمضادة لاسرائيل لهم الأسواق العربية.

بيد ان الاستثمارات التركية الضخمة في سوريا احترقت بالحريق المشتعل منذ سنتين في هذه الدولة، وأصاب مصير مشابه الاستثمارات في مصر التي سقطت ضحية لعدم الاستقرار في هذه الدولة. وفي مقابل ذلك تبدو اسرائيل شريكة موثوقا بها وواعدة.

وينبغي ان نضيف الى ذلك حقول الغاز في أنحاء الحوض الشرقي من البحر المتوسط. فالتعاون مع تركيا على استغلال الحقول في المساحة التركية أو التعاون على بيع الغاز الاسرائيلي بأنابيب الى اوروبا عن طريق تركيا أمر واعد للدولتين.

لكن دُرة التاج في تطبيع العلاقات بالطبع قد تكون في المجال السياسي. وفي برنامج عمل الدولتين قضيتان ساخنتان:

الاولى سوريا. إن الثورة في هذه الدولة التي راهن اردوغان عليها لا تنتقل الى أي مكان وأصبحت هذه الدولة مستنقعا مُغرقا أخذت تركيا تغرق فيه. وهو لا يعرف كيف يفضي الى اسقاط بشار الاسد، ولا يعرف كيف يعالج تهديد السلاح المتقدم الذي قد يقع في أيد غير مسؤولة، ولا يعرف كيف يعالج اليقظة الكردية في سوريا، ولا يعرف آخر الامر كيف يمنع سقوط سوريا في أيدي مجموعات جهادية متطرفة اذا انهار نظام بشار الاسد آخر الامر. والثانية هي ايران. فالربيع العربي والزعزعة التي أصابت الشرق الاوسط على أثره كشفا بل عمقا الهاوية الفاغرة فاها بين تركيا وايران. وتتصارع هاتان على التأثير وعلى السيطرة في العراق وسوريا والساحة الفلسطينية بل في لبنان.

إن سياسة اردوغان وهي 'صفر المشكلات' في بدء ولايته أفضت به الى وضع 'صفر الاصدقاء'. فلا عجب من انه يريد الآن اصدقاء جددا. وهو يعانق بحرارة الحكم الذاتي الكردي في العراق ويريد ان يصالح الاكراد في بلاده فكان من الصحيح الآن ان ينزل عن الشجرة ايضا ويصالح نتنياهو.

لا يمكن دفن الماضي بسهولة وعلى اسرائيل ان تتذكر ان تركيا يحكمها رئيس وزراء ذو باعث قوي قلبه في الجانب الفلسطيني ومع الحركات الاسلامية في العالم العربي. لكن المصالح فوق كل شيء واردوغان يفهم هذا ايضا. وقد مكّنت هذه المصالح من المصالحة بين الدولتين وستُمكّن ايضا من الدفع قدما بالتعاون الاقتصادي والامني ايضا كما يبدو، جزئيا على الأقل. والذي سيكون نعمة على الطرفين.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-03-24
  • 9994
  • من الأرشيف

سياسة اردوغان وهي 'صفر المشكلات' أفضت به الى وضع 'صفر الاصدقاء

كانت النتيجة العملية الوحيدة، الى الآن، لزيارة الرئيس الامريكي براك اوباما لاسرائيل انهاء الازمة الطويلة فيالعلاقات بين اسرائيل وتركيا. فقد استجاب زعيما الدولتين لضغوطه ووافقا على القاء خلافات الماضي وراء ظهريهما وان ينزلا عن الشجرة العالية التي تسلقاها. إن أحداث القافلة البحرية الى غزة تبدو ايضا بعيدة وهي في الأساس تافهة اذا قيست بالعاصفة التي تهب على الشرق الاوسط كله وتهدد مصالح حيوية تركية واسرائيلية على السواء. فمنذ كانت الحادثة على متن 'مرمرة' سقط نظام حكم حسني مبارك في مصر، وتغير الواقع بين اسرائيل وقطاع غزة تماما، أما في سوريا فنشبت ثورة دامية تهدد بالانتقال وراء حدود هذه الدولة، الى الاردن ولبنان والى تركيا واسرائيل ايضا. استطاعت القدس وأنقرة طوال سنوات وجود دولة اسرائيل الـ 65 ان تحافظا على قنوات اتصال مفتوحة، واقامة علاقات سوّية أحسنت الى الدولتين، واستطاعتا ان تنشئا احيانا حتى حلفا استراتيجيا لمواجهة تحديات وتهديدات مشتركة. وكان هذا هو الوضع في تسعينيات القرن الماضي حينما دفعت المصالح الاقتصادية والامنية أنقرة الى ذراعي القدس. ونشك في ان يُمكّن تطبيع العلاقات إثر الاعتذار الاسرائيلي لتركيا من انشاء علاقات استراتيجية وحميمة كالتي كانت بينهما في العقد الماضي، لكن لا شك في ان للدولتين مجالا واسعا للتعاون بينهما. في المجال الاقتصادي استمرت بل ازدادت عمقا في السنين الاخيرة العلاقات الاقتصادية بين الدولتين برغم القطيعة السياسية. وقد ابتعد سياح اسرائيليون في الحقيقة عن تركيا وينبغي ان نفترض ان يعودوا سريعا زرافات زرافات الى أنطاليا، لكن العلاقات التجارية نمت وأزهرت وبلغت أرقاما قياسية لكل الأزمان. وأمل اردوغان وزملاؤه ان تفتح سياستهم المؤيدة للعرب والمضادة لاسرائيل لهم الأسواق العربية. بيد ان الاستثمارات التركية الضخمة في سوريا احترقت بالحريق المشتعل منذ سنتين في هذه الدولة، وأصاب مصير مشابه الاستثمارات في مصر التي سقطت ضحية لعدم الاستقرار في هذه الدولة. وفي مقابل ذلك تبدو اسرائيل شريكة موثوقا بها وواعدة. وينبغي ان نضيف الى ذلك حقول الغاز في أنحاء الحوض الشرقي من البحر المتوسط. فالتعاون مع تركيا على استغلال الحقول في المساحة التركية أو التعاون على بيع الغاز الاسرائيلي بأنابيب الى اوروبا عن طريق تركيا أمر واعد للدولتين. لكن دُرة التاج في تطبيع العلاقات بالطبع قد تكون في المجال السياسي. وفي برنامج عمل الدولتين قضيتان ساخنتان: الاولى سوريا. إن الثورة في هذه الدولة التي راهن اردوغان عليها لا تنتقل الى أي مكان وأصبحت هذه الدولة مستنقعا مُغرقا أخذت تركيا تغرق فيه. وهو لا يعرف كيف يفضي الى اسقاط بشار الاسد، ولا يعرف كيف يعالج تهديد السلاح المتقدم الذي قد يقع في أيد غير مسؤولة، ولا يعرف كيف يعالج اليقظة الكردية في سوريا، ولا يعرف آخر الامر كيف يمنع سقوط سوريا في أيدي مجموعات جهادية متطرفة اذا انهار نظام بشار الاسد آخر الامر. والثانية هي ايران. فالربيع العربي والزعزعة التي أصابت الشرق الاوسط على أثره كشفا بل عمقا الهاوية الفاغرة فاها بين تركيا وايران. وتتصارع هاتان على التأثير وعلى السيطرة في العراق وسوريا والساحة الفلسطينية بل في لبنان. إن سياسة اردوغان وهي 'صفر المشكلات' في بدء ولايته أفضت به الى وضع 'صفر الاصدقاء'. فلا عجب من انه يريد الآن اصدقاء جددا. وهو يعانق بحرارة الحكم الذاتي الكردي في العراق ويريد ان يصالح الاكراد في بلاده فكان من الصحيح الآن ان ينزل عن الشجرة ايضا ويصالح نتنياهو. لا يمكن دفن الماضي بسهولة وعلى اسرائيل ان تتذكر ان تركيا يحكمها رئيس وزراء ذو باعث قوي قلبه في الجانب الفلسطيني ومع الحركات الاسلامية في العالم العربي. لكن المصالح فوق كل شيء واردوغان يفهم هذا ايضا. وقد مكّنت هذه المصالح من المصالحة بين الدولتين وستُمكّن ايضا من الدفع قدما بالتعاون الاقتصادي والامني ايضا كما يبدو، جزئيا على الأقل. والذي سيكون نعمة على الطرفين.  

المصدر : البروفيسور إيال زيسر/اسرائيل اليوم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة