في الذكرى السابعة والثمانين لميلاد السيدة فيروز تتوهج الذاكرة الجمعية للسوريين شيبا و شبابا لتستعيد سلسلة لا تنتهي من الذكريات الدافئة والتي طالما ارتبطت بمحطات وأفكار ومشاعر انساقت إلى هذا الصوت المخملي الذي تعذر على السفر الفني المعاصر ان يفرز مثيلا له من جملة الأصوات النسائية التي تألق منها الكثير دون ان ترتقي إلى مصافه فلم تزل أغاني فيروز هي العنوان الاوحد لكل الصباحات السورية الصيفية منها والشتائية والتي يختزنها الوجدان السوري بكثير من الحب والدفء ولاسيما ان الكثير من هذه الايقونات الفيروزية ارتبط عبر الوقت بأحداث بعينها شكلت مجتمعة سيرة تاريخية و ثقافية واجتماعية ثرة تحولت فيروز الى جزء حميم لا ينقطع عنها.
وفي هذه المناسبة تستجمع الاديبة مناة الخير ذكرياتها القديمة منها و الجديدة كمؤشر على مدى الارتباط العميق بين صوت فيروز ومفهوم الاغنية الجميلة والجادة في آن معا فتقول.. في صباحات مقطوعة الكهرباء أعود إلى المذياع.. أعود إلى فيروز وصوتها الذي كان المذياع وسيلتنا للتعرف إليها في صباحات ومساءات بعيدة.. أعود لأغسل أوراق روحي من الأخبار والصور التي تهطل علينا كمطر صيفي لزج وحار يحمل معه شعوراً بالاختناق.. مع صوت فيروز ترتدي الصباحات لونها وينجلي صدأ الأيام وتنفتح شرايين القلب لتمتلئ بالحب والحنين والرضا فالحديث عن فيروز سيبدو مكروراً مهما ابتدع من توصيفات جديدة لكن الاكيد ان صوتها الرخيم طالما قام بترميم شتات الروح وتحسين ذائقة الاستماع عبر ما قدمته من إبداع ملتزم فليست الأغنية السياسية وحدها الفن الملتزم لأن كل ما قدمه الرحابنة هو تجسيد حقيقي للالتزام الصارم بالقيم الإنسانية العظيمة.. قيم الحب والجمال والصدق.. ولهذا يجتمع على حب فيروز والرحابنة ما فرقته الأيام والأجيال والجغرافيا والسياسة فتذوب الصراعات والاختلافات وتنتصر المحبة خالقة أسراباً من العصافير والسنونو والفراشات كما يقول أحد عشاق الرحابنة.
وتضيف.. في مثل هذه الأيام نحتاج جميعاً إلى الطاقة الإيجابية التي يخلقها صوت فيروز لنواجه ما يحيق بنا من غدر وتآمر وفساد ودماء وشهداء وليس من شيء كصوتها يعيد تلك الطاقة وهي تغني شآم ياذا المجد أو تغني نسمت من صوب سورية الجنوب أو تعيد صمود جبال الصوان ومعارك فخر الدين ويؤكد القدماء على أن في النفس البشرية قوى شريفة كالحلم والشجاعة والكرم تتحرك بالأصوات التي تطرب ومن الأصوات ما يشجع ويحرض ويثير الحماسة كأصوات الطبول والأبواق فكيف إذا كانت تلك الأصوات غناء والغناء كما يقولون يفتح أبواب التفكير ويسدد الآراء ويفرج الكرب ويناغي العقل وأن ذوي الطباع الفاسدة والأنفس الكدرة هم وحدهم الذين يكرهون الغناء ويرفضون السماع.
وتؤكد الخير على اهمية ما قدمه الرحابنة للموسيقا العربية وكيف تغنوا في آلاف الأغنيات بقيم العدل والحب والجمال والدفاع عن الوطن والحرية ففي مسرحية فخر الدين كما توضح تسأل عطر الليل أباها في حوارية رائعة "كيفك يا بيي عباس ... كيف انتي يا بنتي... وبهالغيبة وين كنتي... انت اللي حملتني السيف والهم اللي خلف السيف... فيجيب.. أنا مش ندمان ويطلب مني أخوتك بقدمهن كمان.. وحين تسأله لم يبتعد عنها وعن اخوتها... يقول.. العسكري ما بيسأل.. بيتو البارودة بيحملها ويرحل هون بالخدمة وفوق الخدمة وين ما تنقلنا بهالوطن نحنا منتنقل.." وتتابع.. في هذه المسرحية من القيم الوطنية الخالدة ما يكفي لشحن الروح بكل الطاقة الإيجابية التي نحن بأمس الحاجة إليها.. نحن بحاجة إلى أن نتأمل وطننا الجريح ونثق بشفائه وقدرة أبنائه ونميز بين اليد التي تحمل المبضع وتلك التي تحملالخنجر.. أقول هذا والحديث لا ينتهي.
فصوت فيروز العصي على التوصيف ملأ حياتنا العربية القاحلة غيوماً و نجوماً ومواويل وزنرها بالورد والفل والياسمين فنحن بحاجة إلى شحن أرواحنا ببهاء ما أنجزه هذا الصوت مع بقية الرحابنة لنواجه فجاجة اللحظة بجمال المستقبل.
اما الشاعر محمد عباس علي فيوضح في السياق نفسه قائلا.. أنا من الجيل الذي تربى سمعه على اصداء اغنيات فيروز وهو الجيل الذي جعل منها سفيرته الى النجوم كما انه الجيل الذي لم يعرف هدوء الصباح وجماله الإ على أنغام صوت فيروز فهي بالنسبة لجيلنا نعمة حملتها الاقدار لتمنحه ميزة ليست لغيره من الاجيال مضيفا ان فن الرحابنة مبدع جاء معاصرا وزاخرا بالثقافة التراثية من جهة والفنية المعاصرة من جهة اخرى فقد اطربنا الرحابنة وهدهدونا واقاموا بنا الدنيا واقعدوها.. تجتلي سحرهم فيروز او فلنقل ما أبدع الله من سحر مذاب تسكر به النفوس وتطرب له الاسماع.. ولهذا فقد صحبتنا فيروز كما يتابع ورافقتنا الحانا وكلمات وصوتا عذبا بحزننا وفرحنا وطفولتنا ومراهقتنا وحبنا للوطن وللارض وللام وللحبيبة وباتت جزءا لا يتجزأ من قيامنا وقعودنا كلما نشدنا متعة الروح والامل والحب ولهذا ايضا باتت بعض هدايانا إلى جلسائنا و احبائنا و بالاخص أبناؤنا الذين اردنا ان يدخل صوت فيروز إلى اسماعهم ودواخلهم ليعمل على تشذيب أحاسيسهم ومعنوياتهم فشب الجميع على نعيمات هذا الصوت الرخيم الذي نقدر انه لا يتكرر الا في معجزة.
بدوره يرى الفنان التشكيلي باسم شرمك انه و على الرغم من اختلاف أذواق الاجيال المتعاقبة الإ انهم جميعهم يتفقون على ان فيروز هي معجزة الهية و هدية سماوية لا تتكرر فعندما اجتمع مع أكثر من جيل من المراهقين إلى الشباب الناضج الواعي إلى الجيل الأكبر نغني جميعنا "بيتك يا ستي الختيارة بيذكرني ببيت ستي" وفيروز جمعت هذه الاجيال على عشق صوتها واغانيها ووحدتهم في بوتقة الغناء الاصيل الملتزم فأغاني فيروز جمعت الشعر الجميل والكلمة البسيطة السهلة المعبرة و اللحن الرائع و الصوت الذي يعجز الانسان عن وصفه والتعبير عن جماله والأداء البديع الذي يدغدغ الذاكرة.
ويتابع.. فيروز هي الفنانة الوحيدة التي قالت في شعرها وغنائها وصوتها ما لم يقله احد وذلك عندما وصفت حبيبها بالاله وقالت "انت المدى قبلك ما حدا وبعدك ما حدا" واذا اراد احدنا الذهاب في رحلة بصحبة كل شيء جميل في الدنيا فليحلق مع فيروز الحانا وشعرا وصوتا.
وعن وفاء فيروز لسورية عموما و لدمشق تحديدا يوضح شرمك انه حب يتجلى في كل ما غنته لدمشق لانها تعرف معنى الشام ومكانتها وقيمتها ولم تنس يوما انها غنت على خشبة مسرح معرض دمشق أو بين أوابد واثار بصرى وأطربت معجبيها ومحبيها فهي صناعة عربية بامتياز ليس لها ان تتكرر ابدا طالما لا معنى للصباح دون صوت فيروز الذي جمع العرب من مشرق البلاد العربية ومغربها امتدادا إلى المهاجر فهؤلاء جميعا يستيقظون كل صباح على شدو أغانيها التي تسحر مستمعيها بصوتها الملائكي الذي ندر أن أنعم الله بمثله على بشر و في هذا الصوت يمرح الأطفال وترتعش اليافعات وتهدهد الامهات لاطفالهن وتنطلق نداءات انسانية ووعود وآفاق واسعة تمتزج فيها التراتيل مع الصلوات والدعوات بالسلام وبأن يبقى الحلم الجميل مستمرا وان تحافظ الصباحات الدمشقية على القها وبهائها بعد ليل ماطر غسل القلوب وطهر النفوس.
وأشار ‘لى ان وقوف فيروز على خشبة المسرح شكل على الدوام حالة خاصة من الحضور ففي صوتها يتحاور الواقع والحلم وبحضورها المسرحي تنفتح للمعاني آفاق و يتحول الحلم إلى واقع ويصاغ الواقع كتابة ومجازا لذلك كانت على منصة المسرح تقف دائما في مكانها الطبيعي كون المنصة المسرحية مكانا خارقا بكل المقاييس وهي التي أمضت أكثر من ستين عاماً من عمرها في مسيرة غنائية فنية مسرحية سينمائية إنسانية وسط نجاح منقطع النظير لتصبح أسطورة حية ورمزاً يتنفس ويعيش بين الناس.. ويختتم بالقول.. للسيدة الكبيرة والعظيمة نقول شكرا لك على إغناء عمرنا بالسعادة وإضفاء الامل على مستقبلنا بالحب والبساطة و الخير و المودة ليبقى صوتك الساحر نادر الوجود صداحا ومشرقا كصباحات ندية ونقية.
اما المخرج المسرحي مجد يونس فيؤكد ان عائلة الرحابنة بشكل عام ساهمت في تكوين ذاكرة موسيقية ومسرحية وفنية و توثيقية لدى اجيال متعاقبة جمعت هذه الموضوعات بكل بساطة وعفوية لدرجة ان أي شخص يشاهد مسرحياتهم يشعر بأنهم يجسدون أحاسيسه ومشاعره كما انهم يتحدثون بلسانه ويرددون كلامه ويترجمون افكاره و هو ما شكل لدينا الذاكرة التي اوصلتنا إلى مرحلة نستطيع فيها ان نسمع مسرحياتها و نشاهدها مرات عدة بشوق و لهفة و دون ادنى احساس بالملل او الرتابة بالإضافة إلى ان اغانيها ومسرحياتها توثق للتاريخ المعاصر وتتنبأ باحداث بدأت الآن بالتحقق بعدما نبهت على الكثير من الامور والمخاطر المحدقة بالأمة العربية.
ويقول.. أما بالنسبة لصوت فيروز فهو عصي عن التعريف.. انه هدية ربانية تطرب له صباحاتنا ومساءاتنا ويضفي المرح والشقاوة على طفولتنا والنشوة والفرح لشبابنا والوقار والالتزام والرقي لنضجنا فصوتها رفيق وفي ومخلص لافراحنا وأحزاننا ولحنيننا وشوقنا وعشقنا للوطن وللام وللحبيبة فكل هذه الامور شكلت ذاكرة جمعية لا نستطيع الاستغناء عنها مشيرا إلى ان عائلة الرحابنة المتوجة بصوت فيروز هي الملجأ والملاذ لنا للهروب من أي شيء ففي صوتها لغة خاصة تحتضن اللحن.. لغة كرفيف أجنحة روحية تنبض بالحياة و ينطلق بها اللحن وينتشي.
ويضيف يونس.. صوتها ينفلت من التحديد والوصف ويستحيل تقليده وهو من الأصوات التي تمتلك القوة والطبقات والجمال وحتى العذوبة والحنان والجاذبية فهو تارة مثل موجة هائجة تأخذنا إلى أعماق البحار والمحيطات وتارة اخرى مثل نسمة او جناح يحملنا ليطير بنا الى مشارق الدنيا ومغاربها ويغمرنا بالسحر والسعادة والنشوة لأن الموسيقا عموما ليست لغة العواطف فحسب بل هي لغة الفكر والفهم و النفس الإنسانية بكل ظواهرها وبواطنها.
 
لهذا كله نقول شكرا للموسيقار الكبير محمد فليفل الذي اكتشف موهبتها وصوتها في إحدى الحفلات المدرسية و قام بتشجيعها على دراسة الموسيقا والغناء ونرفع القبعة بالتحية للموسيقار حليم الرومي الذي قدم لها أولى أغنياتها "تركت قلبي وطاوعت حبك" عام 1950 كما انه قدم لها اسمها الفني فيروز لتغني بعدها من ألحان حليم الرومي وكبار الفنانين امثال "سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وزكي ناصيف وإيلي شويري وفيلمون وهبة وزياد الرحباني وغيرهم".
كما انها غنت لشعراء عرب كبار أمثال.. ابن جبير- جرير- عنترة بن شداد- ميخائيل نعيمة- أبو نواس- عاصي ومنصور الرحباني- رشيد نخلة- رفيق خوري- إيليا أبو ماضي- بدوي الجبل- أحمد شوقي- الأخطل الصغير- جبران خليل جبران- مرسي جميل عزيز وتألقت في السوريات والشآميات مع الشاعر سعيد عقل.
من ناحيته يؤكد الفنان عبد الناصر مرقبي ان زمن فيروز هو بالضبط الزمن الجميل وزمن البراءة والنقاء كما أن فيروز كملت ثالوث الكلمة واللحن والصوت البديع الذي ترجم ما كتبه ولحنه الرحابنة ليعيش في واقع مستمر حتى الآن على هيئة حلم اذ يعبر صوتها عن الحب والحياة والسلام والنماء والتفاوءل فمهما تكلمنا عن فيروز الانسانة أولا والفنانة ثانيا لا نستطيع اعطاءها حقها الفني فهي تكاد تكون زعيمة عربية بكل ما للكلمة من معنى فهي التي جمعت جميع الاطياف السياسية والاجتماعية في الوطن العربي تحت لواء "فيروزيات الحب والحياة".
ويقول.. في الواقع صوت فيروز حملنا مع ألحان الرحابنة وألحان فنانين كبار لحنوا لها كذلك إلى آفاق سحرية فكانت فيروز قطب الرحابنة وأجنحتهم وبوصلتهم و تتمثل فرادة فيروز وخصوصية موهبتها لا كصوت له هويته الاستثنائية وحسب، بل أيضا كتصور وموقف وحالة روحية ومواهب وأداء ففي صوتها شعرية خاصة وثقافة سرية بالإضافة إلى ان في تلاوين صوتها الداخلية وارتعاشاته وايحاءاته وطبقاته أنغاما تبطن صوتها برفيفها الساحر وفي هوية هذا الصوت الفريد وشعريته وثقافته ما يقيم حوارا بل احتضان روحي ومسارات أعماق بين نشوة الصوت وآفاته من جهة وبين اللحن والموضوع والشعر المغنى من جهة اخرى.. ونوه بان السيدة فيروز عكست في غنائها أمل الفلسطينيين بالعودة وصدمة العالم بانتهاك الإسرائيليين لحرمات القدس والأمل في عودة الحج إليها في زهرة المدائن و معقل العزة والفخر أيام حرب تشرين التحريرية 1973 في "خبطة قدمكم" وهي ما تزال تذكرنا كل صباح بالزمن الجميل والآتي عبر أثير الإذاعة كما انها غنت لبيروت ولمكة وللجنوب اللبناني والأردن والاسكندرية والأندلس وتونس... وغيرها من المدن العربية.
  • فريق ماسة
  • 2012-11-27
  • 11002
  • من الأرشيف

في ذكرى ميلادها السابعة والثمانين.. صوت فيروز المخملي ملاذ آمن لوجدان الشباب السوري و ذاكرتهم الجمعية

في الذكرى السابعة والثمانين لميلاد السيدة فيروز تتوهج الذاكرة الجمعية للسوريين شيبا و شبابا لتستعيد سلسلة لا تنتهي من الذكريات الدافئة والتي طالما ارتبطت بمحطات وأفكار ومشاعر انساقت إلى هذا الصوت المخملي الذي تعذر على السفر الفني المعاصر ان يفرز مثيلا له من جملة الأصوات النسائية التي تألق منها الكثير دون ان ترتقي إلى مصافه فلم تزل أغاني فيروز هي العنوان الاوحد لكل الصباحات السورية الصيفية منها والشتائية والتي يختزنها الوجدان السوري بكثير من الحب والدفء ولاسيما ان الكثير من هذه الايقونات الفيروزية ارتبط عبر الوقت بأحداث بعينها شكلت مجتمعة سيرة تاريخية و ثقافية واجتماعية ثرة تحولت فيروز الى جزء حميم لا ينقطع عنها. وفي هذه المناسبة تستجمع الاديبة مناة الخير ذكرياتها القديمة منها و الجديدة كمؤشر على مدى الارتباط العميق بين صوت فيروز ومفهوم الاغنية الجميلة والجادة في آن معا فتقول.. في صباحات مقطوعة الكهرباء أعود إلى المذياع.. أعود إلى فيروز وصوتها الذي كان المذياع وسيلتنا للتعرف إليها في صباحات ومساءات بعيدة.. أعود لأغسل أوراق روحي من الأخبار والصور التي تهطل علينا كمطر صيفي لزج وحار يحمل معه شعوراً بالاختناق.. مع صوت فيروز ترتدي الصباحات لونها وينجلي صدأ الأيام وتنفتح شرايين القلب لتمتلئ بالحب والحنين والرضا فالحديث عن فيروز سيبدو مكروراً مهما ابتدع من توصيفات جديدة لكن الاكيد ان صوتها الرخيم طالما قام بترميم شتات الروح وتحسين ذائقة الاستماع عبر ما قدمته من إبداع ملتزم فليست الأغنية السياسية وحدها الفن الملتزم لأن كل ما قدمه الرحابنة هو تجسيد حقيقي للالتزام الصارم بالقيم الإنسانية العظيمة.. قيم الحب والجمال والصدق.. ولهذا يجتمع على حب فيروز والرحابنة ما فرقته الأيام والأجيال والجغرافيا والسياسة فتذوب الصراعات والاختلافات وتنتصر المحبة خالقة أسراباً من العصافير والسنونو والفراشات كما يقول أحد عشاق الرحابنة. وتضيف.. في مثل هذه الأيام نحتاج جميعاً إلى الطاقة الإيجابية التي يخلقها صوت فيروز لنواجه ما يحيق بنا من غدر وتآمر وفساد ودماء وشهداء وليس من شيء كصوتها يعيد تلك الطاقة وهي تغني شآم ياذا المجد أو تغني نسمت من صوب سورية الجنوب أو تعيد صمود جبال الصوان ومعارك فخر الدين ويؤكد القدماء على أن في النفس البشرية قوى شريفة كالحلم والشجاعة والكرم تتحرك بالأصوات التي تطرب ومن الأصوات ما يشجع ويحرض ويثير الحماسة كأصوات الطبول والأبواق فكيف إذا كانت تلك الأصوات غناء والغناء كما يقولون يفتح أبواب التفكير ويسدد الآراء ويفرج الكرب ويناغي العقل وأن ذوي الطباع الفاسدة والأنفس الكدرة هم وحدهم الذين يكرهون الغناء ويرفضون السماع. وتؤكد الخير على اهمية ما قدمه الرحابنة للموسيقا العربية وكيف تغنوا في آلاف الأغنيات بقيم العدل والحب والجمال والدفاع عن الوطن والحرية ففي مسرحية فخر الدين كما توضح تسأل عطر الليل أباها في حوارية رائعة "كيفك يا بيي عباس ... كيف انتي يا بنتي... وبهالغيبة وين كنتي... انت اللي حملتني السيف والهم اللي خلف السيف... فيجيب.. أنا مش ندمان ويطلب مني أخوتك بقدمهن كمان.. وحين تسأله لم يبتعد عنها وعن اخوتها... يقول.. العسكري ما بيسأل.. بيتو البارودة بيحملها ويرحل هون بالخدمة وفوق الخدمة وين ما تنقلنا بهالوطن نحنا منتنقل.." وتتابع.. في هذه المسرحية من القيم الوطنية الخالدة ما يكفي لشحن الروح بكل الطاقة الإيجابية التي نحن بأمس الحاجة إليها.. نحن بحاجة إلى أن نتأمل وطننا الجريح ونثق بشفائه وقدرة أبنائه ونميز بين اليد التي تحمل المبضع وتلك التي تحملالخنجر.. أقول هذا والحديث لا ينتهي. فصوت فيروز العصي على التوصيف ملأ حياتنا العربية القاحلة غيوماً و نجوماً ومواويل وزنرها بالورد والفل والياسمين فنحن بحاجة إلى شحن أرواحنا ببهاء ما أنجزه هذا الصوت مع بقية الرحابنة لنواجه فجاجة اللحظة بجمال المستقبل. اما الشاعر محمد عباس علي فيوضح في السياق نفسه قائلا.. أنا من الجيل الذي تربى سمعه على اصداء اغنيات فيروز وهو الجيل الذي جعل منها سفيرته الى النجوم كما انه الجيل الذي لم يعرف هدوء الصباح وجماله الإ على أنغام صوت فيروز فهي بالنسبة لجيلنا نعمة حملتها الاقدار لتمنحه ميزة ليست لغيره من الاجيال مضيفا ان فن الرحابنة مبدع جاء معاصرا وزاخرا بالثقافة التراثية من جهة والفنية المعاصرة من جهة اخرى فقد اطربنا الرحابنة وهدهدونا واقاموا بنا الدنيا واقعدوها.. تجتلي سحرهم فيروز او فلنقل ما أبدع الله من سحر مذاب تسكر به النفوس وتطرب له الاسماع.. ولهذا فقد صحبتنا فيروز كما يتابع ورافقتنا الحانا وكلمات وصوتا عذبا بحزننا وفرحنا وطفولتنا ومراهقتنا وحبنا للوطن وللارض وللام وللحبيبة وباتت جزءا لا يتجزأ من قيامنا وقعودنا كلما نشدنا متعة الروح والامل والحب ولهذا ايضا باتت بعض هدايانا إلى جلسائنا و احبائنا و بالاخص أبناؤنا الذين اردنا ان يدخل صوت فيروز إلى اسماعهم ودواخلهم ليعمل على تشذيب أحاسيسهم ومعنوياتهم فشب الجميع على نعيمات هذا الصوت الرخيم الذي نقدر انه لا يتكرر الا في معجزة. بدوره يرى الفنان التشكيلي باسم شرمك انه و على الرغم من اختلاف أذواق الاجيال المتعاقبة الإ انهم جميعهم يتفقون على ان فيروز هي معجزة الهية و هدية سماوية لا تتكرر فعندما اجتمع مع أكثر من جيل من المراهقين إلى الشباب الناضج الواعي إلى الجيل الأكبر نغني جميعنا "بيتك يا ستي الختيارة بيذكرني ببيت ستي" وفيروز جمعت هذه الاجيال على عشق صوتها واغانيها ووحدتهم في بوتقة الغناء الاصيل الملتزم فأغاني فيروز جمعت الشعر الجميل والكلمة البسيطة السهلة المعبرة و اللحن الرائع و الصوت الذي يعجز الانسان عن وصفه والتعبير عن جماله والأداء البديع الذي يدغدغ الذاكرة. ويتابع.. فيروز هي الفنانة الوحيدة التي قالت في شعرها وغنائها وصوتها ما لم يقله احد وذلك عندما وصفت حبيبها بالاله وقالت "انت المدى قبلك ما حدا وبعدك ما حدا" واذا اراد احدنا الذهاب في رحلة بصحبة كل شيء جميل في الدنيا فليحلق مع فيروز الحانا وشعرا وصوتا. وعن وفاء فيروز لسورية عموما و لدمشق تحديدا يوضح شرمك انه حب يتجلى في كل ما غنته لدمشق لانها تعرف معنى الشام ومكانتها وقيمتها ولم تنس يوما انها غنت على خشبة مسرح معرض دمشق أو بين أوابد واثار بصرى وأطربت معجبيها ومحبيها فهي صناعة عربية بامتياز ليس لها ان تتكرر ابدا طالما لا معنى للصباح دون صوت فيروز الذي جمع العرب من مشرق البلاد العربية ومغربها امتدادا إلى المهاجر فهؤلاء جميعا يستيقظون كل صباح على شدو أغانيها التي تسحر مستمعيها بصوتها الملائكي الذي ندر أن أنعم الله بمثله على بشر و في هذا الصوت يمرح الأطفال وترتعش اليافعات وتهدهد الامهات لاطفالهن وتنطلق نداءات انسانية ووعود وآفاق واسعة تمتزج فيها التراتيل مع الصلوات والدعوات بالسلام وبأن يبقى الحلم الجميل مستمرا وان تحافظ الصباحات الدمشقية على القها وبهائها بعد ليل ماطر غسل القلوب وطهر النفوس. وأشار ‘لى ان وقوف فيروز على خشبة المسرح شكل على الدوام حالة خاصة من الحضور ففي صوتها يتحاور الواقع والحلم وبحضورها المسرحي تنفتح للمعاني آفاق و يتحول الحلم إلى واقع ويصاغ الواقع كتابة ومجازا لذلك كانت على منصة المسرح تقف دائما في مكانها الطبيعي كون المنصة المسرحية مكانا خارقا بكل المقاييس وهي التي أمضت أكثر من ستين عاماً من عمرها في مسيرة غنائية فنية مسرحية سينمائية إنسانية وسط نجاح منقطع النظير لتصبح أسطورة حية ورمزاً يتنفس ويعيش بين الناس.. ويختتم بالقول.. للسيدة الكبيرة والعظيمة نقول شكرا لك على إغناء عمرنا بالسعادة وإضفاء الامل على مستقبلنا بالحب والبساطة و الخير و المودة ليبقى صوتك الساحر نادر الوجود صداحا ومشرقا كصباحات ندية ونقية. اما المخرج المسرحي مجد يونس فيؤكد ان عائلة الرحابنة بشكل عام ساهمت في تكوين ذاكرة موسيقية ومسرحية وفنية و توثيقية لدى اجيال متعاقبة جمعت هذه الموضوعات بكل بساطة وعفوية لدرجة ان أي شخص يشاهد مسرحياتهم يشعر بأنهم يجسدون أحاسيسه ومشاعره كما انهم يتحدثون بلسانه ويرددون كلامه ويترجمون افكاره و هو ما شكل لدينا الذاكرة التي اوصلتنا إلى مرحلة نستطيع فيها ان نسمع مسرحياتها و نشاهدها مرات عدة بشوق و لهفة و دون ادنى احساس بالملل او الرتابة بالإضافة إلى ان اغانيها ومسرحياتها توثق للتاريخ المعاصر وتتنبأ باحداث بدأت الآن بالتحقق بعدما نبهت على الكثير من الامور والمخاطر المحدقة بالأمة العربية. ويقول.. أما بالنسبة لصوت فيروز فهو عصي عن التعريف.. انه هدية ربانية تطرب له صباحاتنا ومساءاتنا ويضفي المرح والشقاوة على طفولتنا والنشوة والفرح لشبابنا والوقار والالتزام والرقي لنضجنا فصوتها رفيق وفي ومخلص لافراحنا وأحزاننا ولحنيننا وشوقنا وعشقنا للوطن وللام وللحبيبة فكل هذه الامور شكلت ذاكرة جمعية لا نستطيع الاستغناء عنها مشيرا إلى ان عائلة الرحابنة المتوجة بصوت فيروز هي الملجأ والملاذ لنا للهروب من أي شيء ففي صوتها لغة خاصة تحتضن اللحن.. لغة كرفيف أجنحة روحية تنبض بالحياة و ينطلق بها اللحن وينتشي. ويضيف يونس.. صوتها ينفلت من التحديد والوصف ويستحيل تقليده وهو من الأصوات التي تمتلك القوة والطبقات والجمال وحتى العذوبة والحنان والجاذبية فهو تارة مثل موجة هائجة تأخذنا إلى أعماق البحار والمحيطات وتارة اخرى مثل نسمة او جناح يحملنا ليطير بنا الى مشارق الدنيا ومغاربها ويغمرنا بالسحر والسعادة والنشوة لأن الموسيقا عموما ليست لغة العواطف فحسب بل هي لغة الفكر والفهم و النفس الإنسانية بكل ظواهرها وبواطنها.   لهذا كله نقول شكرا للموسيقار الكبير محمد فليفل الذي اكتشف موهبتها وصوتها في إحدى الحفلات المدرسية و قام بتشجيعها على دراسة الموسيقا والغناء ونرفع القبعة بالتحية للموسيقار حليم الرومي الذي قدم لها أولى أغنياتها "تركت قلبي وطاوعت حبك" عام 1950 كما انه قدم لها اسمها الفني فيروز لتغني بعدها من ألحان حليم الرومي وكبار الفنانين امثال "سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وزكي ناصيف وإيلي شويري وفيلمون وهبة وزياد الرحباني وغيرهم". كما انها غنت لشعراء عرب كبار أمثال.. ابن جبير- جرير- عنترة بن شداد- ميخائيل نعيمة- أبو نواس- عاصي ومنصور الرحباني- رشيد نخلة- رفيق خوري- إيليا أبو ماضي- بدوي الجبل- أحمد شوقي- الأخطل الصغير- جبران خليل جبران- مرسي جميل عزيز وتألقت في السوريات والشآميات مع الشاعر سعيد عقل. من ناحيته يؤكد الفنان عبد الناصر مرقبي ان زمن فيروز هو بالضبط الزمن الجميل وزمن البراءة والنقاء كما أن فيروز كملت ثالوث الكلمة واللحن والصوت البديع الذي ترجم ما كتبه ولحنه الرحابنة ليعيش في واقع مستمر حتى الآن على هيئة حلم اذ يعبر صوتها عن الحب والحياة والسلام والنماء والتفاوءل فمهما تكلمنا عن فيروز الانسانة أولا والفنانة ثانيا لا نستطيع اعطاءها حقها الفني فهي تكاد تكون زعيمة عربية بكل ما للكلمة من معنى فهي التي جمعت جميع الاطياف السياسية والاجتماعية في الوطن العربي تحت لواء "فيروزيات الحب والحياة". ويقول.. في الواقع صوت فيروز حملنا مع ألحان الرحابنة وألحان فنانين كبار لحنوا لها كذلك إلى آفاق سحرية فكانت فيروز قطب الرحابنة وأجنحتهم وبوصلتهم و تتمثل فرادة فيروز وخصوصية موهبتها لا كصوت له هويته الاستثنائية وحسب، بل أيضا كتصور وموقف وحالة روحية ومواهب وأداء ففي صوتها شعرية خاصة وثقافة سرية بالإضافة إلى ان في تلاوين صوتها الداخلية وارتعاشاته وايحاءاته وطبقاته أنغاما تبطن صوتها برفيفها الساحر وفي هوية هذا الصوت الفريد وشعريته وثقافته ما يقيم حوارا بل احتضان روحي ومسارات أعماق بين نشوة الصوت وآفاته من جهة وبين اللحن والموضوع والشعر المغنى من جهة اخرى.. ونوه بان السيدة فيروز عكست في غنائها أمل الفلسطينيين بالعودة وصدمة العالم بانتهاك الإسرائيليين لحرمات القدس والأمل في عودة الحج إليها في زهرة المدائن و معقل العزة والفخر أيام حرب تشرين التحريرية 1973 في "خبطة قدمكم" وهي ما تزال تذكرنا كل صباح بالزمن الجميل والآتي عبر أثير الإذاعة كما انها غنت لبيروت ولمكة وللجنوب اللبناني والأردن والاسكندرية والأندلس وتونس... وغيرها من المدن العربية.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة