يعرف التأمين الصغير بأنه منتج تأميني يوجه بصورة رئيسية إلى الطبقات الفقيرة في المدن والأرياف بوجه خاص وإلى قطاع الأعمال غير المنظم، ويتصف عادة بتواضع مبلغ التأمين وضآلة القسط المطلوب مقترنة بتسهيلات سداد ملموسة.

وبهذا التعريف لا يمكن اعتبار التأمين الصغير ظاهرة جديدة في العمل التأميني، فالعديد من شركات التأمين الكبرى في هذه الأيام، كانت قد بدأت عملها في بدايات القرن التاسع عشر بتقديم التأمين الصغير، الذي لا يعتبر نمطاً مختلفاً عن التأمين التقليدي. وبهذا فهو لم يستقل بقواعد وأحكام وتشريعات خاصة به.‏

وفي بعض الدول، كالبرازيل مثلاً يطلق على التأمين الصغير اسم التأمين الشعبي Popular Insurance، وتستخدم هذه التسمية لوصف التأمينات ذات الحجم الصغير والوفرة العددية العالية، ولكن ثمة اختلافاً في مدلول التسميتين، فالتأمين الصغير موجه نحو ذوي الدخل المتدني من الأسر والأفراد، ويعتبر هذا التوجه أهم صفاته، بينما لا يقتصر التأمين الشعبي على هذا التوجه، إذ هو لجميع فئات الزبائن من طالبي التأمين، ولكن طابعه المهيمن هو تواضع مبلغ التأمين، وتواضع الأقساط (بدلات التأمين) تبعاً لذلك.‏

ويبدو تعريف التأمين الصغير، الذي تبنته الجمعية الدولية لهيئات الإشراف على التأمين IAIS وكأنه لا يقدم أي إضافة على تعريف التأمين بوجه عام إلا بتأكيد توجهه إلى الأسر الفقيرة والأشخاص الفقراء لتقديم الحماية التأمينية المناسبة لواقعهم المعاشي والملائمة لإمكاناتهم المالية المحدودة، وذلك في نطاق أخطار معينة، وبمبالغ تأمين بسيطة مقابل قسط تأمين يمكن أن يكون متواضعاً بصورة محسوسة، ولكن تواضع هذه الحدود المرتبطة بالتأمين الصغير لا تنسحب على شركة التأمين التي تقدم هذا المنتج. فبعض هذه الشركات انبثقت عن شركات تجارية كبيرة (تاتا في الهند) مثلاً، كما أن المجموعة الأميركية الدولية للتأمين AIG الذائعة الصيت، كان انطلاقتها الأولى من خلال التأمين الصغير الذي بدأته في الهند قبل أن تنتقل إلى الولايات المتحدة.‏

ويمثل قطاع العمل «غير المنظم» مساحة واسعة لنشاط التأمين الصغير، حيث لا يتوفر للعاملين نوع من أنواع التأمين سواء الاجتماعي أم الحكومي أم التجاري، رغم الأعداد الكبيرة للعاملين فيه، ويمكن أن ينطوي في إطار هذا التأمين عدد كبير من الأخطار أهمها التأمين الصحي والتعويض الذي يدفع للعائلة في حالة وفاة معيلها، والتعويض عن الأضرار التي تلحق ببعض المحاصيل ذات الأهمية الخاصة في حياة ومعيشة هؤلاء وكذلك نفوق الحيوانات وأمراضها.‏

إن فرص نجاح التأمين الصغير تتطلب أن يتم في كنف انتشار التمويل الصغير Micro Finance الذي تأكدت الأهمية القصوى له في نجاح عملية التطور والتنمية في مختلف البلدان الآخذة بالنمو لما تتصف به اقتصاداتها، وما يميز الدخول الفردية فيها من التواضع لدى القطاعات الأوسع من سكانها، وقد قدمت بعض الدول أمثلة ناجحة عن تلازم هذين «الصغيرين»، حيث حققت كل من الهند والصين وبنغلادش وجنوب إفريقيا وكينيا ودول عديدة أخرى في القارة الإفريقية، ودول أميركا اللاتينية وغيرها خطوات ملموسة وتجارب تستحق دراستها والاقتداء بها.‏

ولعل السؤال المحوري في هذا المجال هو هل ثمة إمكانية لتوجه الأسواق التأمينية حديثة العهد نحو التأمين الصغير؟ والحقيقة أن ذلك ليس ممكناً فحسب، بل هو ضرورة، ويجب أن يكون هدفاً تسعى هذه الأسواق لبلوغه، وقد لا يكون الإقدام على ذلك سهلاً، ولا يفترض أن يكون كذلك، فهو يتطلب خطة مرحلية مبنية على رؤية واضحة، وعوامل تحفيز وإلزام، ففي العديد من الدول التي ذكرناها أعلاه يفرض على شركات التأمين أن تحقق نسبة معينة من محافظها التأمينية من المناطق الريفية، وفق معايير تتلاءم مع مفهوم التأمين الصغير، وتعمل على تجسيد وظائف التأمين ومبررات وجوده الاقتصادية والاجتماعية والمالية

  • فريق ماسة
  • 2010-02-22
  • 11850
  • من الأرشيف

التأمين الصغير

يعرف التأمين الصغير بأنه منتج تأميني يوجه بصورة رئيسية إلى الطبقات الفقيرة في المدن والأرياف بوجه خاص وإلى قطاع الأعمال غير المنظم، ويتصف عادة بتواضع مبلغ التأمين وضآلة القسط المطلوب مقترنة بتسهيلات سداد ملموسة. وبهذا التعريف لا يمكن اعتبار التأمين الصغير ظاهرة جديدة في العمل التأميني، فالعديد من شركات التأمين الكبرى في هذه الأيام، كانت قد بدأت عملها في بدايات القرن التاسع عشر بتقديم التأمين الصغير، الذي لا يعتبر نمطاً مختلفاً عن التأمين التقليدي. وبهذا فهو لم يستقل بقواعد وأحكام وتشريعات خاصة به.‏ وفي بعض الدول، كالبرازيل مثلاً يطلق على التأمين الصغير اسم التأمين الشعبي Popular Insurance، وتستخدم هذه التسمية لوصف التأمينات ذات الحجم الصغير والوفرة العددية العالية، ولكن ثمة اختلافاً في مدلول التسميتين، فالتأمين الصغير موجه نحو ذوي الدخل المتدني من الأسر والأفراد، ويعتبر هذا التوجه أهم صفاته، بينما لا يقتصر التأمين الشعبي على هذا التوجه، إذ هو لجميع فئات الزبائن من طالبي التأمين، ولكن طابعه المهيمن هو تواضع مبلغ التأمين، وتواضع الأقساط (بدلات التأمين) تبعاً لذلك.‏ ويبدو تعريف التأمين الصغير، الذي تبنته الجمعية الدولية لهيئات الإشراف على التأمين IAIS وكأنه لا يقدم أي إضافة على تعريف التأمين بوجه عام إلا بتأكيد توجهه إلى الأسر الفقيرة والأشخاص الفقراء لتقديم الحماية التأمينية المناسبة لواقعهم المعاشي والملائمة لإمكاناتهم المالية المحدودة، وذلك في نطاق أخطار معينة، وبمبالغ تأمين بسيطة مقابل قسط تأمين يمكن أن يكون متواضعاً بصورة محسوسة، ولكن تواضع هذه الحدود المرتبطة بالتأمين الصغير لا تنسحب على شركة التأمين التي تقدم هذا المنتج. فبعض هذه الشركات انبثقت عن شركات تجارية كبيرة (تاتا في الهند) مثلاً، كما أن المجموعة الأميركية الدولية للتأمين AIG الذائعة الصيت، كان انطلاقتها الأولى من خلال التأمين الصغير الذي بدأته في الهند قبل أن تنتقل إلى الولايات المتحدة.‏ ويمثل قطاع العمل «غير المنظم» مساحة واسعة لنشاط التأمين الصغير، حيث لا يتوفر للعاملين نوع من أنواع التأمين سواء الاجتماعي أم الحكومي أم التجاري، رغم الأعداد الكبيرة للعاملين فيه، ويمكن أن ينطوي في إطار هذا التأمين عدد كبير من الأخطار أهمها التأمين الصحي والتعويض الذي يدفع للعائلة في حالة وفاة معيلها، والتعويض عن الأضرار التي تلحق ببعض المحاصيل ذات الأهمية الخاصة في حياة ومعيشة هؤلاء وكذلك نفوق الحيوانات وأمراضها.‏ إن فرص نجاح التأمين الصغير تتطلب أن يتم في كنف انتشار التمويل الصغير Micro Finance الذي تأكدت الأهمية القصوى له في نجاح عملية التطور والتنمية في مختلف البلدان الآخذة بالنمو لما تتصف به اقتصاداتها، وما يميز الدخول الفردية فيها من التواضع لدى القطاعات الأوسع من سكانها، وقد قدمت بعض الدول أمثلة ناجحة عن تلازم هذين «الصغيرين»، حيث حققت كل من الهند والصين وبنغلادش وجنوب إفريقيا وكينيا ودول عديدة أخرى في القارة الإفريقية، ودول أميركا اللاتينية وغيرها خطوات ملموسة وتجارب تستحق دراستها والاقتداء بها.‏ ولعل السؤال المحوري في هذا المجال هو هل ثمة إمكانية لتوجه الأسواق التأمينية حديثة العهد نحو التأمين الصغير؟ والحقيقة أن ذلك ليس ممكناً فحسب، بل هو ضرورة، ويجب أن يكون هدفاً تسعى هذه الأسواق لبلوغه، وقد لا يكون الإقدام على ذلك سهلاً، ولا يفترض أن يكون كذلك، فهو يتطلب خطة مرحلية مبنية على رؤية واضحة، وعوامل تحفيز وإلزام، ففي العديد من الدول التي ذكرناها أعلاه يفرض على شركات التأمين أن تحقق نسبة معينة من محافظها التأمينية من المناطق الريفية، وفق معايير تتلاءم مع مفهوم التأمين الصغير، وتعمل على تجسيد وظائف التأمين ومبررات وجوده الاقتصادية والاجتماعية والمالية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة