خسرت الأسرة السعودية الحاكمة رجلها الأقوى الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد وزير الداخلية الذي كان الحاكم الفعلي للبلاد لاكثر من ثلاثين عاما على الأقل، عندما تولى المواقع الأمنية الأهم مثل الشؤون الأمنية والحج والأوقاف والأعلام.

الأسرة الحاكمة كانت تؤسس مجالس عليا للإشراف على الوزارات التي لا يتولاها وزراء من أبنائها، أي من عامة الشعب، فكان هناك مجلس أعلى لشؤون النفط تولاه العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد    العزيز حتى وفاته، والمجلس الأعلى للحج والأوقاف وتولاه الأمير نايف حتى وفاته أيضا، وكذلك المجلس الأعلى للإعلام وكان يرأسه الأمير نايف إلى ما قبل بضع سنوات، حيث تقرر إلغاؤه بفعل الانتقادات العديدة التي وجهت من قبل جهات داخلية وخارجية لمثل هذا الاحتكار والهيمنة.

غياب الأمير نايف سيترك فراغا كبيرا في قمة السلطة ولكننا لا نعتقد في الوقت نفسه انه سيخلق أزمة أو صراعا على الحكم في الأسرة الحاكمة يتبلور حول خلافته، مثلما روجت بعض التحليلات العربية والأجنبية.

العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز حاول ترتيب مسألة الخلافة بطريقة أثارت حالة من التفاؤل في أوساط الأسرة وقطاعات من الشعب عندما أعلن عن تشكيل مجلس البيعة من كبار أعضاء الأسرة الحاكمة وبعض الأمراء الشباب لاختيار ولي العهد المقبل على أساس الكفاءة والتوافق، ولكنه لم يلتزم بحرفيته عندما اضطر لاختيار الأمير نايف نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، بسبب تفاقم الحالة الصحية لولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز وتواجده في الخارج للعلاج. فقد فرض هذا التعيين على أعضاء مجلس البيعة ولم يأخذ باعتراضات بعض الأمراء الكبار من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، أمثال طلال ومتعب وعبد الرحمن، والأخيران استقالا بسبب تجاوزهما في السلم الوظيفي، الأول بسبب تعيين نايف نائبا لرئيس مجلس الوزراء ورفض أن يشارك في اجتماعات المجلس لأنه أي نايف يصغره سنا، والثاني بسبب تجاوزه كنائب لوزير الدفاع وتعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز وزيرا للدفاع خلفا للأمير سلطان.

تولي الأمير نايف ولاية العهد بعد وفاة الأمير سلطان جاء فرضا للأمر الواقع على مجلس البيعة، ومن المتوقع إن يتكرر الأمر نفسه إذا ما قرر الملك عبدالله تعيين الأمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع وليا للعهد، اللهم إلا إذا قرر الإقدام على خطوة 'ثورية' واختيار أمير 'شاب' من الجيل الأول أو من الجيل الثاني أي أحفاد الملك عبدالعزيز.

الأسرة السعودية الحاكمة أسرة محافظة ولا تؤمن بالتالي بالقرارات الثورية، ولكن هناك ضغوطا داخلية وخارجية وظرفية تحتم كسر التقليد المتبع وتعيين أمير اقل شيخوخة بعد وفاة وليي العهد في اقل من ثمانية اشهر، وبلوغ العاهل السعودي الثانية والتسعين من العمر ومعاناته من أمراض الشيخوخة.

هناك من يتحدث عن ضرورة اختيار احد أبناء الملك عبد العزيز 'الشباب' أمثال مقرن رئيس الاستخبارات الذي اقترب من السبعين، أو احمد بن عبد العزيز نائب وزير الداخلية الذي تجاوز السبعين بعام تقريبا. ويذهب آخرون بالقول إن الوقت حان للانتقال إلى أبناء الجيل الثاني الذين اقتربوا من الشيخوخة وباتوا في الستينات وإعطائهم فرصة، خاصة أن بعضهم تعلم في الخارج أمثال خالد وتركي الفيصل ومحمد بن نايف وخالد وبندر بن سلطان وعبد العزيز بن فهد وعبد العزيز بن عبدالله بن عبد العزيز وآخرين.

الظروف الإقليمية والدولية الصعبة والمتغيرة، ومكانة المملكة كأكبر دولة مصدرة للنفط وتلعب دورا إقليميا مهما، تحتم وجود قيادة قوية تتحمل المسؤولية وتتولى دفة الحكم وسط منطقة مشتعلة.

والاهم من ذلك التسريع بعجلة الإصلاح السياسي من حيث توسيع دائرة المشاركة في الحكم، وإعطاء دور اكبر للقيادات والكفاءات الشعبية والتأسيس لنظام يقوم على العدالة الاجتماعية والمساواة والتوزيع العادل للثروة والقضاء المستقل والبرلمان المنتخب والتأسيس للفصل بين السلطات والرقابة والمحاسبة من خلال سلطة تشريعية راسخة.

لا نريد أن نستبق الأحداث ونغرق في التكهنات، لكن ما يحدث في المملكة حاليا هو تكرار لما حدث في الاتحاد السوفييتي في أواخر أيامه حيث توالت عملية اختفاء القيادات الهرمة، مما أدى إلى انهياره كليا في نهاية المطاف، وهو أمر لا نتمناه للمملكة العربية السعودية على أي حال.

المنطقة العربية تعيش هذه الأيام مخاضا صعبا نرى إرهاصاته في سورية واليمن ومصر وليبيا وقبلها تونس، فعملية التغيير سواء للأفضل أو الأسوأ باتت تفرض نفسها بقوة ولم تعد هناك أي دولة محصنة، والمملكة العربية السعودية ليست استثناء.

  • فريق ماسة
  • 2012-06-17
  • 9380
  • من الأرشيف

السعودية ولحظة الحقيقة

خسرت الأسرة السعودية الحاكمة رجلها الأقوى الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد وزير الداخلية الذي كان الحاكم الفعلي للبلاد لاكثر من ثلاثين عاما على الأقل، عندما تولى المواقع الأمنية الأهم مثل الشؤون الأمنية والحج والأوقاف والأعلام. الأسرة الحاكمة كانت تؤسس مجالس عليا للإشراف على الوزارات التي لا يتولاها وزراء من أبنائها، أي من عامة الشعب، فكان هناك مجلس أعلى لشؤون النفط تولاه العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد    العزيز حتى وفاته، والمجلس الأعلى للحج والأوقاف وتولاه الأمير نايف حتى وفاته أيضا، وكذلك المجلس الأعلى للإعلام وكان يرأسه الأمير نايف إلى ما قبل بضع سنوات، حيث تقرر إلغاؤه بفعل الانتقادات العديدة التي وجهت من قبل جهات داخلية وخارجية لمثل هذا الاحتكار والهيمنة. غياب الأمير نايف سيترك فراغا كبيرا في قمة السلطة ولكننا لا نعتقد في الوقت نفسه انه سيخلق أزمة أو صراعا على الحكم في الأسرة الحاكمة يتبلور حول خلافته، مثلما روجت بعض التحليلات العربية والأجنبية. العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز حاول ترتيب مسألة الخلافة بطريقة أثارت حالة من التفاؤل في أوساط الأسرة وقطاعات من الشعب عندما أعلن عن تشكيل مجلس البيعة من كبار أعضاء الأسرة الحاكمة وبعض الأمراء الشباب لاختيار ولي العهد المقبل على أساس الكفاءة والتوافق، ولكنه لم يلتزم بحرفيته عندما اضطر لاختيار الأمير نايف نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، بسبب تفاقم الحالة الصحية لولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز وتواجده في الخارج للعلاج. فقد فرض هذا التعيين على أعضاء مجلس البيعة ولم يأخذ باعتراضات بعض الأمراء الكبار من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، أمثال طلال ومتعب وعبد الرحمن، والأخيران استقالا بسبب تجاوزهما في السلم الوظيفي، الأول بسبب تعيين نايف نائبا لرئيس مجلس الوزراء ورفض أن يشارك في اجتماعات المجلس لأنه أي نايف يصغره سنا، والثاني بسبب تجاوزه كنائب لوزير الدفاع وتعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز وزيرا للدفاع خلفا للأمير سلطان. تولي الأمير نايف ولاية العهد بعد وفاة الأمير سلطان جاء فرضا للأمر الواقع على مجلس البيعة، ومن المتوقع إن يتكرر الأمر نفسه إذا ما قرر الملك عبدالله تعيين الأمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع وليا للعهد، اللهم إلا إذا قرر الإقدام على خطوة 'ثورية' واختيار أمير 'شاب' من الجيل الأول أو من الجيل الثاني أي أحفاد الملك عبدالعزيز. الأسرة السعودية الحاكمة أسرة محافظة ولا تؤمن بالتالي بالقرارات الثورية، ولكن هناك ضغوطا داخلية وخارجية وظرفية تحتم كسر التقليد المتبع وتعيين أمير اقل شيخوخة بعد وفاة وليي العهد في اقل من ثمانية اشهر، وبلوغ العاهل السعودي الثانية والتسعين من العمر ومعاناته من أمراض الشيخوخة. هناك من يتحدث عن ضرورة اختيار احد أبناء الملك عبد العزيز 'الشباب' أمثال مقرن رئيس الاستخبارات الذي اقترب من السبعين، أو احمد بن عبد العزيز نائب وزير الداخلية الذي تجاوز السبعين بعام تقريبا. ويذهب آخرون بالقول إن الوقت حان للانتقال إلى أبناء الجيل الثاني الذين اقتربوا من الشيخوخة وباتوا في الستينات وإعطائهم فرصة، خاصة أن بعضهم تعلم في الخارج أمثال خالد وتركي الفيصل ومحمد بن نايف وخالد وبندر بن سلطان وعبد العزيز بن فهد وعبد العزيز بن عبدالله بن عبد العزيز وآخرين. الظروف الإقليمية والدولية الصعبة والمتغيرة، ومكانة المملكة كأكبر دولة مصدرة للنفط وتلعب دورا إقليميا مهما، تحتم وجود قيادة قوية تتحمل المسؤولية وتتولى دفة الحكم وسط منطقة مشتعلة. والاهم من ذلك التسريع بعجلة الإصلاح السياسي من حيث توسيع دائرة المشاركة في الحكم، وإعطاء دور اكبر للقيادات والكفاءات الشعبية والتأسيس لنظام يقوم على العدالة الاجتماعية والمساواة والتوزيع العادل للثروة والقضاء المستقل والبرلمان المنتخب والتأسيس للفصل بين السلطات والرقابة والمحاسبة من خلال سلطة تشريعية راسخة. لا نريد أن نستبق الأحداث ونغرق في التكهنات، لكن ما يحدث في المملكة حاليا هو تكرار لما حدث في الاتحاد السوفييتي في أواخر أيامه حيث توالت عملية اختفاء القيادات الهرمة، مما أدى إلى انهياره كليا في نهاية المطاف، وهو أمر لا نتمناه للمملكة العربية السعودية على أي حال. المنطقة العربية تعيش هذه الأيام مخاضا صعبا نرى إرهاصاته في سورية واليمن ومصر وليبيا وقبلها تونس، فعملية التغيير سواء للأفضل أو الأسوأ باتت تفرض نفسها بقوة ولم تعد هناك أي دولة محصنة، والمملكة العربية السعودية ليست استثناء.

المصدر : الماسة السورية/رأي القدس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة