دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بدا جلياً في الآونة الاخيرة ان رهان الولايات المتحدة والجامعة العربية على توحيد المعارضة السورية، بين الداخل والخارج، قد فشل الى حدّ جعل الأزمة في سورية «بلا نهاية في الأفق» على حدّ تعبير مجلة «ذا ايكونوميست» البريطانية.
نعم للتدخل الخارجي في سوريا.. لا للتدخل الخارجي في سورية. موقفان نقيضان ومصيريان بحق دمشق، رسّخا من جديد الانقسام في صفوف المعارضة السورية بين المجلس الوطني الداعم للموقف الاول وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي المؤيدة للموقف الثاني، بعدما كان الطرفان قد اتفقا على استبعاد خيار التدخل الاسبوع الماضي، وذلك قبل «انقلاب» المجلس الوطني على الاتفاق.
وفيما يشتعل الخلاف بين الجانبين من جهة ويتزايد اللغط الحاصل حول هذا الاتفاق في صفوف المجلس الوطني نفسه من جهة اخرى، تتصدّر لغة الاتهامات السجال السياسي بين الشخصيات السورية المعارضة التي تعوّل واشنطن والجامعة عليها مبدئياً لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
«لا نريد ان يؤخذ علينا أننا ضد التدخل الاجنبي في سوريا. نحن مع هذا التدخل ولكن لا نريد ان يُستبدل النظام السيئ بمحتلّ». اوضح بهذه العبارة عضو المجلس الوطني السوري جورج جبور لـ«واشنطن تايمز»، سبب «التراجع» عن الاتفاق مع هيئة التنسيق، مضيفاً ان من شأن مجلس الامن ان يقررّ نوع التدخل المطلوب، «اذ لن نملي عليهم ماذا يقررون في هذا المجال».
يصرّ زميل جبور، مرهف جويجاتي، على ان «التدخل الاجنبي ضروري» ولكن «قد لا يكون ذلك عبر الحلف الاطلسي، بل من خلال ملاذات آمنة لحماية المدنيين». هذا ما ينسجم مع ما نادى به المجلس الوطني السوري مراراً خلال الازمة، حيث طالب بخيار «الحظر الجوي» حيناً و«الملاذات الآمنة» حينا آخر وذلك في استبعاد للتدخل العسكري البرّي، اذ ما يقول انه يهدف اليه هو إسقاط الأسد وقواته الأمنية لكن من دون المساس بالمؤسسات الدستورية.
وإن كان المجلس يؤكد انه يمثل غالبية السوريين التي تؤيد مطالبه، فإن هيئة التنسيق تتهمه بخيانة السوريين عبر دعمه الخيار العسكري في البلاد والذي قد ينتج عنه هدرٌ للدماء. هيئة التنسيق التي ترتاح للفيتو الصيني -الروسي الذي يقف في وجه اي نية لإقرار مثل هذا التدخل الاجنبي، ترى ايضا ان خيار الحظر الجوي ليس مناسباً اذ سيفرض تحييد انظمة الدفاع الخاصة بالنظام ما سيؤدي الى عدد هائل من القتلى في صفوف المدنيين. ويقول عضو الهيئة خلدون الاسود ان «المجلس الوطني يريد الاستعانة بالشيطان كي يحميهم من النظام»، في إشارة الى استبسال المجلس للحصول على «نعم» سورية ودولية تنفّذ مخطط التدخل.
بدورها، لا تسلم هيئة التنسيق من انتقادات المجلس الوطني الذي يعتبر ان اعضاءها يقيمون داخل سوريا «وبالتالي فهم عرضة للتأثر بالنظام وخطابه»، بحسب عضو المجلس نجيب الغضبان. ويضيف «اكثر ما يريده النظام هو رفض التدخل الاجنبي.. هو مرتاح لما يدفعون باتجاهه».
وفيما يلقي كل من الجانبين اللوم على الآخر في ما يتعلق بإفشال اتفاق رفض التدخل الخارجي، تستعد احدى العاصمتين، التونسية او المصرية، لاستقبالهما هذا الشهر لاستكمال المحادثات في اطار «توحيد الجهود وتثبيت ارضية المعارضة» اذا جاز التعبير، وهو الأمر الذي يسعى اليه الاميركيون تحديداً. ولكن هل من أمل في ذلك؟ تجيب الخلافات المبدئية بين المعارضتين على السؤال المطروح، اذ فيما يعتبر المجلس الوطني ان لا ضرورة لتوحيد الرؤى «خصوصاً أن لا احد يطلب من المعارضين في البلدان الاخرى ان تكون حزباً واحداً»، تصرّ هيئة التنسيق على ان سوريي الداخل هم من يحق لهم تقرير مصير بلادهم، وليس من هم في الخارج.
وبالرغم من ذلك، لا يزال سيناريو التدخل الخارجي عبر فرض ملاذ امني في محيط منطقة جسر الشغور، شمال غربي سوريا، قائماً بشكل لا يستهان به، على ان تكون تركيا الخيار الاستراتيجي الأنسب لتغطية المنطقة المذكورة. هذا ما طرحته مجلة «فورين افيرز» قبل ايام، متحدثة عن امكانية توحيد رؤى المعارضة في هذا الصدد «في حال تشارك المعارضون اليأس الكامل من المذبحة المتواصلة بحق المدنيين». غير ان مثل هذا التدخل يقف حُكماً امام سبيلين لا ثالث لهما، فإما ان يُقرّ ذلك في مجلس الامن بموافقة صينية - روسية، وهو الخيار المستبعد، وإما ان تتولى ذلك الجمعية العامة التابعة للامم المتحدة عبر قرار «الاتحاد من اجل السلام» الذي يسمح باتخاذ «مجموعة من الاجراءات» وباستخدام «القوة المسلحة» في الصراعات الاجنبية. لكن الخيار الثاني يستدعي موافقة ثلثي اعضاء الجمعية العامة، وهو ما يصعب توفره في الحالة السورية، غير ان ذلك لا يعني استحالة الامر كلياً.
إقامة منطقة عازلة على الحدود مع تركيا من شأنه ان يُرفق بحظر جوي لحماية جسر الشغور، قد تستغله الميليشيات المعارضة للنظام. وبالتالي ستتمكن القوة العسكرية الغربية من تحقيق التفوق الجوي بسهولة. سيكون باستطاعة الأسطول الاميركي السادس فرض حصار بحري بسهولة، فيما سيأتي الدعم الجوي من القواعد البريطانية في قبرص، ناهيك عن تغيير ما في رأي «الاطلسي» لجهة المشاركة في الخيار الجوي ام لا...
رد فعل حزب الله، حركة حماس، الحرس الثوري الايراني، القوى الموالية لسوريا في العراق، حزب العمال الكردستاني، تنظيم «القاعدة»، وصولا الى احتمال نشوب صراع سني - شيعي على مستوى الميليشيات.. اسباب وجيهة تبقي رغم كل السيناريوهات، التدخل الاجنبي في سوريا آخر الخيارات لحلّ الازمة في دمشق، بحسب ما تخلص اليه «فورين آفيرز».
(«السفير»)
المصدر :
الايكونوميست
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة