تحوّلت العقوبات الاقتصادية من جانب تركيا على سورية  إلى عنوان لمرحلة جديدة من الخلاف بين البلدين، بعدما كان الحديث حول المجموعات المسلحة والدعم التركي لها هو الطاغي في المرحلة السابقة.

ولا شك في أن العقوبات من جانب تركيا سيف ذو حدين. إذ أنها إشارة أخرى على «تصفير العلاقات» على جميع الأصعدة، وقد تكون في جعبة الطرفين إجراءات إضافية.

ذلك أن أية عقوبات لن تقتصر على ما يقرره الجانب التركي بل في يد دمشق، حيث انه ورغم كل مصاعبها الداخلية فإن لديها ما يكفي من أوراق اقتصادية لكي تشعر تركيا أنها ستتأذى أيضاً. وقد كان لقرار سوريا تعليق العمل باتفاقية التجارة الحرة مع أنقرة صدى عميق، خصوصاً أن هذه الاتفاقية، كما جميع الاتفاقيات الاقتصادية الأخرى، كانت لمصلحة تركيا بسبب عدم التكافؤ بين صناعة البلدين، وهو ما أدى إلى إقفال عدد كبير من المصانع السورية وإلى إغراق السوق السورية بالمنتجات التركية.

إن قطع أنقرة تجارتها مع دمشق والبحث عن طرق بديلة عن الأراضي السورية للوصول إلى الخليج سيعني المرور الحتمي عبر العراق، مع ما يعني ذلك من مضاعفة كلفة النقل على الشاحنات التركية وتعرض الشاحنات لمخاطر المرور بالمناطق الكردية في تركيا نفسها، قبل وصولها إلى العراق.

كما أن تجارة المناطق التركية الحدودية مع سوريا ستعرّض هذه المناطق إلى تراجع الحركة التجارية فيها. وهي التي شهدت ازدهاراً ولا سيما بعد إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين. وبالتحديد محافظات غازي عينتاب والاسكندرون وشانلي اورفة وماردين. وذكرت الفضائية التركية «ميكا» التي تبث أخبارها من غازي عينتاب أن الحكومة السورية قررت إغلاق قنصليتها في المدينة.

ويذكّر هذا الوضع بما كان عليه وضع مناطق الجنوب الشرقي التركية إبان الحصار على العراق في التسعينيات، حيث انتشرت العصابات المنظمة والبطالة وعمليات التهريب والخروج على القانون ولجوء الشبان إلى التنظيمات المسلحة، ومنها حزب العمال الكردستاني. وليس مستبعداً أن تنعكس العقوبات التركية على دمشق جموداً كاملاً على المناطق الحدودية مع سوريا وخلق أوضاع اجتماعية غير مرغوب فيها.

ويقول رئيس غرفة التجارة والصناعة في محافظة كيليس الحدودية محمد أوزتشيل اوغلو إن تجنب المرور عبر سوريا ستكون كلفته عالية. وأضاف إن التجارة مع سوريا مهمة جدا لنا كذلك المرور عبرها، وبالتالي ستكون نتائجها سلبية جداً على تركيا. ودعا رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان إلى أن يكون أكثر دقة في تصريحاته لأن التوتر في العلاقات التركية السورية ليس صائباً. وقال «إن سوريا شقيقتنا ويجب ألا تشهد علاقاتنا معها أية مشكلة».

وفي صحيفة «زمان» عرض بولنت كينيش لتاريخ العقوبات الاقتصادية، وتصدر الولايات المتحدة لها، من أجل تغيير سلوك دول أو إسقاط أنظمة. وقال إن هناك تجارب ناجحة وأخرى فاشلة ومن التجارب الفاشلة إيران وكوبا. وأضاف إنه «خارج التأثيرات السياسية والنفسية المهمة لقرارات العقوبات على نظام الرئيس بشار الأسد فإن على المرء أن يكون متفائلاً للغاية لكي يتوقع نتائج عملية من وراء العقوبات على سوريا».

وعلى صعيد آخر، حذّر رئيس «حزب صوت الشعب» الإسلامي نعمان قورتولمش الذي كان رئيساً لحزب السعادة من حرب مذهبية في المنطقة في حال تدخلت تركيا في سوريا. وقال إنه «في حال بدأت حرب مذهبية فلا احد يعرف إلى أين ستصل، ويجب أن تؤخذ القضية السورية بجدية كاملة». وأضاف إن تركيا لم تضع سياسة ثابتة تجاه سوريا.

وإذ قال إن التغيير ضروري في سوريا، غير أنه شدد على أن «قرار ذلك يجب أن يكون بيد السوريين لا غيرهم». وأضاف إن أي تدخل تركي فعلي في سوريا سيشعل حربا مذهبية في المنطقة، داعيا الجميع لتحمل مسؤولياتهم للوصول إلى حل سلمي للأزمة.

 

  • فريق ماسة
  • 2011-12-02
  • 10359
  • من الأرشيف

الهيئات الاقتصادية التركية تنتقد العقوبات على سورية : سورية شقيقتنا ويجب ألا تشهد علاقاتنا معها أية مشكلة

  تحوّلت العقوبات الاقتصادية من جانب تركيا على سورية  إلى عنوان لمرحلة جديدة من الخلاف بين البلدين، بعدما كان الحديث حول المجموعات المسلحة والدعم التركي لها هو الطاغي في المرحلة السابقة. ولا شك في أن العقوبات من جانب تركيا سيف ذو حدين. إذ أنها إشارة أخرى على «تصفير العلاقات» على جميع الأصعدة، وقد تكون في جعبة الطرفين إجراءات إضافية. ذلك أن أية عقوبات لن تقتصر على ما يقرره الجانب التركي بل في يد دمشق، حيث انه ورغم كل مصاعبها الداخلية فإن لديها ما يكفي من أوراق اقتصادية لكي تشعر تركيا أنها ستتأذى أيضاً. وقد كان لقرار سوريا تعليق العمل باتفاقية التجارة الحرة مع أنقرة صدى عميق، خصوصاً أن هذه الاتفاقية، كما جميع الاتفاقيات الاقتصادية الأخرى، كانت لمصلحة تركيا بسبب عدم التكافؤ بين صناعة البلدين، وهو ما أدى إلى إقفال عدد كبير من المصانع السورية وإلى إغراق السوق السورية بالمنتجات التركية. إن قطع أنقرة تجارتها مع دمشق والبحث عن طرق بديلة عن الأراضي السورية للوصول إلى الخليج سيعني المرور الحتمي عبر العراق، مع ما يعني ذلك من مضاعفة كلفة النقل على الشاحنات التركية وتعرض الشاحنات لمخاطر المرور بالمناطق الكردية في تركيا نفسها، قبل وصولها إلى العراق. كما أن تجارة المناطق التركية الحدودية مع سوريا ستعرّض هذه المناطق إلى تراجع الحركة التجارية فيها. وهي التي شهدت ازدهاراً ولا سيما بعد إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين. وبالتحديد محافظات غازي عينتاب والاسكندرون وشانلي اورفة وماردين. وذكرت الفضائية التركية «ميكا» التي تبث أخبارها من غازي عينتاب أن الحكومة السورية قررت إغلاق قنصليتها في المدينة. ويذكّر هذا الوضع بما كان عليه وضع مناطق الجنوب الشرقي التركية إبان الحصار على العراق في التسعينيات، حيث انتشرت العصابات المنظمة والبطالة وعمليات التهريب والخروج على القانون ولجوء الشبان إلى التنظيمات المسلحة، ومنها حزب العمال الكردستاني. وليس مستبعداً أن تنعكس العقوبات التركية على دمشق جموداً كاملاً على المناطق الحدودية مع سوريا وخلق أوضاع اجتماعية غير مرغوب فيها. ويقول رئيس غرفة التجارة والصناعة في محافظة كيليس الحدودية محمد أوزتشيل اوغلو إن تجنب المرور عبر سوريا ستكون كلفته عالية. وأضاف إن التجارة مع سوريا مهمة جدا لنا كذلك المرور عبرها، وبالتالي ستكون نتائجها سلبية جداً على تركيا. ودعا رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان إلى أن يكون أكثر دقة في تصريحاته لأن التوتر في العلاقات التركية السورية ليس صائباً. وقال «إن سوريا شقيقتنا ويجب ألا تشهد علاقاتنا معها أية مشكلة». وفي صحيفة «زمان» عرض بولنت كينيش لتاريخ العقوبات الاقتصادية، وتصدر الولايات المتحدة لها، من أجل تغيير سلوك دول أو إسقاط أنظمة. وقال إن هناك تجارب ناجحة وأخرى فاشلة ومن التجارب الفاشلة إيران وكوبا. وأضاف إنه «خارج التأثيرات السياسية والنفسية المهمة لقرارات العقوبات على نظام الرئيس بشار الأسد فإن على المرء أن يكون متفائلاً للغاية لكي يتوقع نتائج عملية من وراء العقوبات على سوريا». وعلى صعيد آخر، حذّر رئيس «حزب صوت الشعب» الإسلامي نعمان قورتولمش الذي كان رئيساً لحزب السعادة من حرب مذهبية في المنطقة في حال تدخلت تركيا في سوريا. وقال إنه «في حال بدأت حرب مذهبية فلا احد يعرف إلى أين ستصل، ويجب أن تؤخذ القضية السورية بجدية كاملة». وأضاف إن تركيا لم تضع سياسة ثابتة تجاه سوريا. وإذ قال إن التغيير ضروري في سوريا، غير أنه شدد على أن «قرار ذلك يجب أن يكون بيد السوريين لا غيرهم». وأضاف إن أي تدخل تركي فعلي في سوريا سيشعل حربا مذهبية في المنطقة، داعيا الجميع لتحمل مسؤولياتهم للوصول إلى حل سلمي للأزمة.  

المصدر : السفير /محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة