دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الدكتور محمد صادق *
تواصل الإدارة السورية الجديدة مساعيها لبسط
الأمن والأمان وتوحيد كامل ربوع البلاد تحت سلطة واحدة، إضافة الى العمل السياسي.
حيث أعلنت الرئاسة السورية عن تشكيل مجلس للأمن القومي، وهي هيئة لم تكن موجودة
قبل الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد قبل أكثر من ثلاثة أشهر وأفادت الرئاسة في قرارها أن رئيس المرحلة
الانتقالية أحمد الشرع قرر "تشكيل مجلس الأمن القومي "الذي يعهد إليه
تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية ". وجاء في القرار أن تشكيل المجلس
يأتي حرصاً على المصلحة الوطنية العليا، وتعزيزاً للأمن القومي، والاستجابة للتحديات
الأمنية والسياسية في المرحلة القادمة
تشكيل المجلس جاء بعد يومين من توقيع اتفاق بين
الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي، يقضي باندماج
"قسد" ضمن مؤسسات الدولة السورية. حيث نص الاتفاق على ضمان حقوق جميع
السوريين في التمثيل والمشاركة، ووقف إطلاق النار في كل الأراضي السورية، ودمج كل
المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا كما نص الاتفاق على دعم "قسد" للدولة
السورية في مكافحة فلول الأسد والتهديدات، وأكد على رفض دعوات التقسيم وخطاب
الكراهية ومحاولات بث الفتنة، على أن يتم تنفيذ الاتفاق بمدة لا تتجاوز نهاية
العام الحالي
هذه التطورات اللافتة أتت بعد أحداث عنف دامية
في الساحل السوري أواخر الأسبوع الماضي. ففي إطار حملة أمنية نفذتها قوات الأمن
العام والقوات المتحالفة معها، بينها عناصر أجنبية من دول آسيا الوسطى، ضد فلول
النظام البائد بعد مهاجمتها مواقع الأمن العام في المدن الساحلية، قتل مئات
المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وفقًا لتقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان فيما أفادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق
الإنسان إن عائلات بأكملها، بما في ذلك نساء وأطفال، قُتلت خلال أعمال العنف
الأخيرة في المنطقة الساحلية السورية. والعديد من الحالات كانت إعدامات ميدانية
نُفذت على أساس طائفي، حيث سقط أكثر من 1200 مدني معظمهم من العلويين هذه الانتهاكات التي وثقتها مقاطع فيديو كثيرة
أدت الى ردود فعل محلية ودولية تندد بالقتل العشوائي. فيما عقد اجتماع في مجلس الأمن
الدولي بمبادرة روسية أمريكية مشتركة لبحث أعمال العنف في سوريا والعمل على وقف
الانتهاكات وحماية المدنيين. بينما دعا أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش،
جميع الأطراف إلى حماية المدنيين ووقف الخطابات والأفعال التحريضية وبنظر المراقبين، فإن الإدارة السورية الجديدة
قد تداركت الموقف ولو بشكل متأخر، عبر إيقاف العملية الأمنية وتشكيل أحمد الشرع
لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري، والكشف عن الأسباب والظروف
والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها
المدنيون وتحديد المسؤولين عنها
كما أن توقيع الاتفاق بين الشرع وعبدي جاء
أيضاً بضغط تركي أمريكي كبير على الطرفين من أجل إيقاف الاشتباكات، وتجنب تكرار ما
حدث في الساحل السوري على الأراضي التي يقطنها الأكراد، وفق المراقبين
.
وبحسب الخبير السياسي توفيق ملاح فإن ما جرى من
انتهاكات يدل على هشاشة الوضع الأمني في سوريا، ويبرز الصعوبات التي تواجهها
الإدارة الجديدة في تحقيق الاستقرار وإعادة بناء الدولة. وشدد على أن الإدارة يجب
أن تستفيد من الوجود الأجنبي في سوريا، في وقت تكافح فيه البلاد مع إرث 14 عاما من
الصراع ومن الحقد الطائفي الذي زرعه النظام البائد ورأى أن الولايات المتحدة لن تنسحب في الوقت
القريب من سوريا، لذلك قامت بالتعاون مع تركيا بالضغط على قسد للبدء بالاتفاق
السابق ذكره. كما أشار الى أن روسيا لعبت دوراً كبيراً في حماية المئات من
المدنيين وعائلاتهم عبر استقبالهم في قاعدتي طرطوس وحميميم العسكريتين أثناء موجة
العنف
وذكّر ملاح بأن الشرطة العسكرية الروسية لعبت
دوراً مهماً في تعزيز الاستقرار والأمن في عدة مناطق سورية شهدت أعمال عنف، قبل
سقوط نظام الأسد، مما ساهم في خفض حدة التوترات طوال أعوام وأضاف بأن الوجود الروسي والأمريكي الى جانب
التغلغل التركي في مفاصل الإدارة الجديدة بحكم العلاقة الوطيدة الممتدة لسنوات بين
أنقرة ورموز الإدارة الجديدة، ربما سيساهم في استقرار سوريا، ويشكل ضمانة للسوريين
بعدم تكرار الأحداث المؤسفة التي تتحمل مسؤوليتها عناصر حاقدة لا تكترث بدماء السوريين
ورأى بأن روسيا مهتمة ببناء علاقات جيدة مع
السلطات السورية الجديدة، والإبقاء على الصداقة التاريخية بين البلدين، على عكس
ربما الولايات المتحدة التي تضع مصلحتها في المرتبة الأولى دوماً. وأضاف أنه تتم
إعادة بناء متسارعة للعلاقة بين موسكو وواشنطن بعد وصول الإدارة الأمريكية الجديدة
الى البيت الأبيض، وهو ما سينعكس إيجابياً على سوريا بشكل خاص
يُشار الى أن وزارة الخارجية الأمريكية أكدت أن
واشنطن تدين "الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بما في ذلك الجهاديين
الأجانب، الذين قتلوا الناس في غرب سوريا خلال الأيام الأخيرة". وأضافت
الخارجية في بيان: "تقف الولايات المتحدة إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية
في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والأكراد، وتقدم تعازيها
للضحايا وأسرهم "
فيما وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف
الأحداث الأمنية الذي شهدتها منطقة الساحل السوري بأنها "غير مقبولة"،
مطالباً السلطات السورية بضمان مشاركة كافة مكونات المجتمع في العملية السياسية.
حيث قال: "اندلاع العنف غير مقبول أبدا" وأضاف: "لا بد من ضمان
مشاركة المجموعات كافة في العملية السياسية في سوريا والسلطات الجديدة تدرك ضرورة ذلك" الدكتور محمد صادق- كاتب وباحث في شؤون الشرق الاوسط والعلاقات الدولية
المصدر :
خاص الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة