الماسة السورية

تحديات ضخمة تواجه سوريا بعد انتهاكات الساحل ومقتل مئات المدنيين

أعلنت وزارة الدفاع السورية انتهاء العمليات العسكرية في محافظتي اللاذقية وطرطوس، بعد أن شهدت منطقة الساحل السوري أحداثًا مروعة في الأيام القليلة الماضية، تسببت في صدمة محلية ودولية، حيث أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان سقوط أكثر من 830 قتيلا في عمليات وصفت بأنها الأعنف منذ سنوات. وجاء هذا الإعلان عقب أنباء نقلها المرصد سابقًا عن إقدام عناصر من قوات الأمن على "إعدام" 90 شخصًا من أبناء الطائفة العلوية المنتمية إلى نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وذلك بعد اشتباكات دامية مع مسلحين مؤيدين له. الباحث آصف ملحم أكد أن ما يحدث في الساحل السوري يشير إلى حال احتقان بسبب عدم إيفاء الحكومة الحالية بوعودها، وفصلها أعداداً كبيرة من الموظفين، وقسم كبير منهم لم يتلق أجورهم، فضلاً عن ملاحقة المطلوبين وتعامل أفراد الأمن العام باقتحام المنطقة بطريقة مرعبة للمدنيين وهذا ما حصل في قرية عين الشمس، بحسب قوله. وأضاف، "اعتقلوا طلاب جامعة لا علاقة لهم بالنظام السابق، وباتت عبارة (فلول النظام) تهمة جاهزة، إضافة للظروف المعيشية المعقدة والصعبة، لهذا من الطبيعي أن نشهد تحرك بعض من أبناء الطائفة العلوية التي تتعرض للظلم والاضطهاد أكثر من غيرها من أبناء مكونات الشعب السوري لا سيما الدروز في الجنوب، أو الأكراد في الشمال والشمال الشرقي إذ لم تقتحم كل تلك المناطق". تطورات الأحداث هذه دفعت بالرئيس السوري أحمد الشرع، الأحد، لإلقاء كلمة أشار فيها إلى أن سوريا "تعرضت مؤخراً لمحاولات كثيرة، لزعزعة استقرارها وجرّها إلى مستنقع الفوضى".وأضاف الشرع، خلال كلمته، أن البلاد "أمام خطر جديد، يتمثل في محاولات فلول النظام السابق وجهات خارجية، خلق فتنة جديدة، وجرّ بلادنا إلى حرب أهلية، بهدف تقسيمها".ورأى الشرع أن التهديدات التي تواجه سوريا "ليست مجرد تهديدات عابرة، بل هي نتيجة مباشرة لمحاولات انتهازية من قبل قوى تسعى إلى إدامة الفوضى"، مشيراً إلى أن ما يحدث في بعض مناطق الساحل السوري ليست المحاولة الأولى، "بل حدث مثلها قبل شهر ونصف شهر وأخمدناها". ولكن ألقى العديد من النشطاء السوريين والسكان المحليين باللوم على قوات الإدارة السورية الجديدة في معظم المجازر التي تم ارتكابها بحق المدنيين، التي غذّتها النعرات الطائفية التي نشبت منذ 2011، وشمل الجماعات المسلحة المتمردة على النظام وفلول النظام البائد لطائفة معينة بذاتها.بينما أشار مراقبون إلى أن المعضلة الأساسية تكمن في "مكونات" الجيش السوري الجديد، الذي يضم مقاتلين متشددين وأجانب من دول وسط آسيا، استغلوا موقعهم في صفوف الجيش وضعف القيادة العسكرية في التحكم بجميع أفرادها وضبطهم، لتنفيذ مآربهم. كما أكد مراقبون على أن الرئيس السوري كان يعي خطورة هذه الفئات من المقاتلين، ولكن صعوبة الوضع الراهن والحاجة الماسة لضبط الأمن وفرض هيبة الدولة سمحت باستمرارهم إلى أن بدأت أحداث العنف التي طالت المدنيين، وهو ما رد عليه الرئيس السوري بحزم بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ومحاسبة المنتهكين.ولكن انزلاق الأوضاع في الساحل السوري هدد حياة مئات الأسر من الأقليات، الأمر الذي دفع الإدارة السورية لتنسيق الجهود مع روسيا، الأمر الذي أسفر عن نتائج سريعة لحماية المدنيين. فقد قامت إدارة القاعدة العسكرية الروسية في مطار "حميميم" باستقبال المدنيين بهدف حمايتهم من الاشتباكات العنيفة المستمرة منذ عدة أيام. كما قام وفد من إدارة منطقة جبلة وإدارة الأمن العام بزيارة إلى القاعدة لطمأنة الأهالي هناك وإعادتهم إلى قراهم. ومع تزايد المطالبات الدولية بالتحقيق في هذه الأحداث ومحاسبة المسؤولين عنها، فهذا التنسيق قد يمهد لتعاون أكبر في الأيام المقبلة من أجل تعزيز الأمن وحماية المدنيين في منطقة الساحل بعد الهجمات التي نفذها المسلحون وفلول النظام السابق، ومنع أية تدخلات أجنبية غير مرجوّة في الشأن الداخلي.

المصدر : *الدكتور محمد صادق /كاتب وباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية