دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
سقط نظام الأسد الذي جثم على أنفاس الشعب السوري مدة تجاوزت نصف قرن، ومعه تغيرت الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وبدأت مرحلة جديدة لبناء الدولة واستعادة العلاقات الدولية وفرض السيادة على كامل التراب السوري، في ظل توجّس من نوايا الدول الغربية والإقليمية المعنية بالملف السوري، وصعوبات ضخمة بسبب طول الأزمة التي امتدت نحو 14 عامًا.بعيد ختام الاجتماع الموسع حول سوريا في الرياض والذي شدد على دعم دمشق ومكافحة الإرهاب، كرر رئيس القيادة السورية الجديدة، أحمد الشرع، موقفه لجهة بناء الدولة وحل الفصائل المسلحة.كما أكد على وجوب الابتعاد عن الثأر وعقلية الثورة خلال مسيرة الحكم الجديد وبناء مؤسسات الدولة. وشدد على أن عقل الثأر والثورة لا يبني الدولة، إنما يصلح لإزالة حكم وليس بناء حكم. ورأى أن عقلية الثورة تتميز بالهيجان وردود الأفعال.يأتي هذا التصريح بعد سلسلة من التصريحات التي بعثت طمأنينة في قلوب السوريين، تتراوح ما بين بناء الاقتصاد وتشكيل دستور جديدة، مرورًا بمسألة حماية الأقليات والتنوع الطائفي في سوريا، وصولًا إلى التعاون مع جميع الدول العربية والغربية بما يصب في صالح سوريا، وحماية البعثات الدبلوماسية وأعمالها داخل البلاد.ولكن تتعرض سوريا الآن إلى ابتزاز سياسي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بحسب مراقبين، فالأولى مستمرة في دعم الفصائل الكردية المسلحة شرقي الفرات، وتدعم تشكيلها لحكم ذاتي الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام انشقاق المناطق التي تقطنها الأقليات في بلد مزقته الحرب والنزعات الطائفية، وبالتالي تقسيم سوريا على أساس طائفي. بينما تسعى إسرائيل إلى اقتطاع أجزاء كبيرة من مناطق الجنوب السوري، بحجة حماية أمن إسرائيل وحدودها، الأمر الذي لم يلقى صدى كبيرًا في المحافل الدولية.وتجنبًا لسقوط سوريا في مستنقع التجاذبات والتناقضات السياسية الدولية، وحرب الأجندات والمصالح، اتجه الشرع نحو تحقيق توازن سياسي للقوى الأجنبية في البلاد، بمواظبة إدارته على توطيد وتعميق العلاقات "الطيبة" أساسًا مع تركيا، وإرساله لإشارات إيجابية إلى روسيا، التي كانت تدعم الأسد سابقًا، لبناء علاقات تعاون ثنائية تصب في صالح الشعبين الروسي والسوري.وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن رئيس القيادة السورية الجديدة، أحمد الشرع، لم ينجر وراء المطالب الأوروبية والأمريكية الغير مباشرة بضرورة إغلاق القواعد الروسية في سوريا، فبحسب المحلل السياسي محمد كريم، الشرع لديه ما يكفي من الحكمة والخبرة السياسية، لتجنب الوقوع في الفخ الغربي، فإغلاق القواعد العسكرية الروسية، قد يؤدي إلى قطع العلاقات مع دولة عظمى، بما يخدم المصالح الغربية تحديدًا، خصوصًا وأن علاقة روسيا بالسلطات الجديدة إيجابية وغير مبنية على مبدأ الابتزاز السياسي والهيمنة.وأضاف الكريم أن السلطات السورية الجديدة تستطيع التعويل على روسيا في العديد من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية، ولا يمكن إقصاء دورها وتطلعاتها بإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وبالنظر إلى تصريحات وزير الخارجية الروسي الأخيرة، ساهمت موسكو في دعم الحوار بين الأطراف المتحاربة في سوريا، وساهمت في تأمين توازن قوى شكل رادعًا امام إسرائيل طوال سنين الأزمة، فلم تتجرأ على التوغل داخل الأراضي السورية، أو قصف المنشآت العسكرية بالشكل الذي شهدناه في الأيام الأولى لسقوط الأسد.وتجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كشف جزءًا من الأحداث السياسية التي دارت في السنوات السابقة والمتعلقة بالأزمة السورية، واعتبر أن عدم رغبة النظام السوري السابق في "تغيير أي شيء" وتقاسم السلطة مع المعارضة كان من أهم أسباب انهياره.وقال لافروف خلال مؤتمر صحفي عقده في موسكو، إنه على مدار السنوات العشر الماضية بعد أن طلب الرئيس السوري السابق بشار الأسد من روسيا التدخل، وبعد إقامة صيغة أستانا ومساعدة الدول العربية، أبدت السلطات في دمشق مماطلة في العملية السياسية ورغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه.وتابع أن روسيا كانت تدعو الحكومة السورية لتدعم اللجنة الدستورية التي أنشئت في سوتشي خلال المؤتمر السوري – السوري في 2018، في جهودها لوضع الدستور.وأشار لافروف إلى أن الحكومة السورية لم تبد أي استعداد لتقاسم السلطة مع المعارضة، ولا يدور الحديث عن المعارضة "الإرهابية"، مضيفًا أن هذه المماطلة رافقتها مشكلات ناتجة عن العقوبات الاقتصادية التي خنقت الاقتصاد السوري، بينما تعرض الجزء الشرقي من سوريا الغني بالنفط للاحتلال من الولايات المتحدة وتم استغلال الموارد المستخرجة هناك لصالح دعم الروح الانفصالية في شمال شرق سوريا.وأضاف: "تحدثنا مع الأكراد عن ضرورة وجود سلطة مركزية، لكنهم قالوا إن الولايات المتحدة ستساعدهم على إنشاء حكومتهم، فقلنا لهم إن تركيا وإيران لن تسمحا بقيام دولة خاصة بكم"، وإن حقوق الأكراد يجب أن تؤمن في إطار سوريا والعراق وإيران وتركيا.من جانبها، وفقا للافروف: "لم تلق دمشق بالا للنقاش أيضا، فوصلت الإصلاحات التي تحدثت عنها الأمم المتحدة ومنصة موسكو ومنصة القاهرة والمعارضة التي كانت في اسطنبول، وكذلك الاتصالات بين هذه الأطراف، إلى طريق مسدود وإلى فراغ أسفر عن هذا الانفجار".وشدد لافروف على أن "سفارتنا لم تغادر دمشق ولدينا تواصل دائم"، ونرغب في أن نكون ذا فائدة في الأوضاع الراهنة، فيما يتعلق بإقامة حوار جامع بمشاركة كل القوى القومية والسياسية والطائفية وبمشاركة جميع الأطراف الخارجية المعنية.
المصدر :
عبدالرحيم التاجوري .. الكاتب والباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة