#
  • فريق ماسة
  • 2024-05-17
  • 4929

ثراء سريع ومشبوه بالمطلق… آفة الاقتصادات بانتظار جولة انتصار حقيقية وحرب اقتصادية مصيريّة لابدّ منها

بلغ إجمالي قيمة الغرامات المالية المحققة للمديرية العامة للجمارك خلال الربع الأول من العام الحالي ما يقارب 90 مليار ليرة سورية، بزيادة 70 مليار ليرة عن الفترة نفسها من العام الماضي. فيما بلغ عدد الضبوط المنظمة، وأهم القضايا التي نظمت خلال الربع الأول من عام 2024 / 1960 قضية، وتنوعت القضايا الجمركية ما بين مخالفات الاستيراد وبحكم الاستيراد تهريباً، وكانت أغلب البضائع المهربة؛( غذائيات – ألبسة- أحذية- إكسسوارات- مستحضرات تجميل- قطع تبديل- دخان- مشروبات ومشتقات نفطية) إلى جانب تحقيق عدد من القضايا النوعية كالمخدرات والحبوب المخدرة. وحسبما أعلنت عنه المديرية العامة للجمارك فإنّ من أهم الأهداف والأعمال التي تسعى إليها “الجمارك” حماية الاقتصاد الوطني، ورفد الخزينة العامة للدولة بالإيرادات وقمع ظاهرة التهريب من خلال القيام بمهامها في ضبط المواد المهربة، وذلك بنشر وتوزيع فرق مكافحة التهريب بشكل مركزي وإقليمي بما يحقق التغطية الكاملة.                                                                                                                  جريمة التهريب صنف المشرع السوري جريمة تهريب البضائع من وإلى سورية بأنها جنائية الوصف، والحقيقة أن جريمة التهريب هي ذات أنماط متعددة، فهناك تهريب الممنوعات، والأسلحة، وتهريب البشر، ونظراً إلى توسع رقعة التأثير العالمي لهذه الجريمة، حيث إنها وصلت إلى نطاق عالمي، ولاسيما في تهريب مواد الممنوعات والمخدرات، فالعالم قد أصبح أمام أمر واقع وهو خطورة التعامل مع المهربين الكبار وأصحاب الياقات البيضاء ممن يديرون أعمال الجريمة المنظمة في العالم، بحكم الواقع الاقتصادي الذي يفرض نفسه. وعموماً وعلى الساحة الدولية يمكننا القول إنّ هذه الجريمة قد أصبحت موضعاً لوجود الكثير من الحساسيات الدبلوماسية، و ورقة ضغط سياسي، تستخدمه الدول ضد بعضها في كثير من الأحوال. ويوشك التشريع العالمي اليوم على إدخال أنواع معينة من التجارة المحظورة ضمن السوق العالمية، كتجارة المواد المخدرة، وتجارة الأسلحة، وأيضاً تغطية أعمال الارتزاق، كنقل شخص من دولة إلى أخرى بقصد ارتكابه أعمالاً عدائية ضد البلد الوجهة، وهنا يكمن وجه آخر في خطورة التهريب وقدرته على زعزعة الاستقرار.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  جريمة التهريب بشكلها الاقتصادي نأتي هنا على الاختصاص بذكر النمط الاقتصادي في هذه الجريمة، نظراً للمرحلة الحساسة الذي تمر فيها السوق الوطنية في الآونة الأخيرة، ونظراً إلى التحديات المتصاعدة في موضوع ضبط السوق الوطنية، وإخضاعها لمعيار تلبية الحاجة الشعبية.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                         توسع المشرّع السوري في تطبيق العقوبة على أنشطة المهربين وقام بتعميم الجريمة على جميع أصناف المواد مادامت هذه المواد قد دخلت السوق الوطنية عن طريق غير مشروع                                                                                                                   تعرف جريمة التهريب بشكلها الاقتصادي، بأنها جريمة نقل جميع أنواع البضائع المشروعة والممنوعة، إلى داخل الحدود الوطنية، وجريمة التهريب بشكل عام تعرف أنها ذات قصد احتمالي، أي أن الجاني لا يقصد في هذه الجريمة، أن يضر الاقتصاد الوطني بشكل خاص، ولكنه يعرف خطورة أفعاله الجرمية ويقبل بالمخاطرة على أي حال من الأحوال، ولذلك لم يشترط التشريع العالمي، تحقق الضرر في هذه الجريمة، بل عدّ الضرر محققاً، حتى قبل دخول هذه البضائع في السوق الوطنية، أي أنه حتى لو كانت الجريمة ناقصة النتيجة، ولم تدخل هذه البضائع السوق الوطنية، فإن المهربين يسألون عن جريمة التهريب بشكل تام، طالما عبرت هذه البضائع من المناطق الحدودية. وقد توسع المشرّع السوري في تطبيق العقوبة على أنشطة المهربين، وقام بتعميم الجريمة على جميع أصناف المواد، مادامت هذه المواد قد دخلت السوق الوطنية، عن طريق غير مشروع، وذلك لأنه وفي القانون، الأصل في الأفعال هو الإباحة، ما لم يرد نص قانوني يروي خلاف ذلك، أي أن الاحتجاج على نوع المواد وبأنه متوفر ضمن السوق الداخلية، ولا يشكل مضاربة على المنتج الوطني، لا يفيد المهرب في معظم الأحوال.                                                                                                                                                                                                                                                   آثاره على الاقتصاد الجزئي يعرف الاقتصاد الجزئي اختصاراً، بأنه السوق الوطنية الداخلية أو الدائرة الاقتصادية الوطنية في حركة تبادل الأموال والسلع، حيث إنه يدخل عناصر أجنبية إلى السوق ويعطيها امتيازات مغرية لا يمكن للبضائع الوطنية أن تنافسها، سواءً من حيث الجودة، أو من حيث قلة التكاليف، فالمهرب عموماً لا يدفع التكاليف المترتبة على التجار الوطنيين من ضرائب ورسوم، ولا يتكلف حمل الدفاتر التجارية والتصريح عن أرباحه، وذلك وبكل بساطة لأن المهرب غير خاضع للرقابة، وبهذه الطريقة يكسب المهربون، امتيازات على التجار الوطنيين، فهم غير ملزمين بدفع الضرائب عن البضائع المهربة، لأنها في أعين الرقابة غير موجودة، ويعاني بهذا الشكل التجار المحليون من المنافسة غير النزيهة وغير المتكافئة. يخلُّ عمل التهريب أيضاً بتوازن الاقتصاد الوطني، فهو يؤدي عادة إلى الإخلال بنظام السوق المحلي، و يصنع الثراء السريع لبعض الأفراد على حساب الآخرين، حيث تعدّ الأسواق المحلية المصغرة البيئة الأكثر تأثراً وتعرضت للآثار السلبية لظاهرة التهريب، فالقدرة المحدودة لأصحاب الدخل في هذه المتاجر تمنعهم من الامتثال لأحكام وقوانين السوق الوطنية ما يضطرهم في كثير من الأحيان، إلى الدخول في منظومة الاقتصاد الرمادي أو السوق السوداء.                                                                                                                     الاقتصاد الكلي يعرف الاقتصاد المالي الكلي، بأنه كتلة الأموال الصافية، للاقتصاد الداخلي والخارجي إجمالاً، أي أنه لا يدخل فقط في حساب حركة الأموال والبضائع داخل السوق الوطنية، بل يتخطى ذلك إلى حساب حركة هذه السلع والأموال الوطنية، في الأسواق العالمية خارج البلاد، وبسبب هذه الطبيعة الجامعة، لعناصر التأثير التجاري في الاقتصاد الكلي، فهو كان عرضة أكثر منه، من الاقتصاد الجزئي، في حساب معادلة الضرر الناتجة عن أنشطة التهريب، حيث يدخل في هذا الاقتصاد العناصر الدبلوماسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والسياسية. فالمهربون يؤثرون في هذا الاقتصاد على العلاقات الدبلوماسية بين البلدان، حيث تعوق هذه الأنشطة غير المسؤولة معاهدات التجارة الدولية المنظمة، التي تكون في أغلب أوضاعها، قائمة على التجارة المستقرة والعادلة بين أطراف الاتفاقية، فيكون من شروط هذه المعاهدات أيضا إخضاع المواد التي تكون محل الصفقات التجارية بين البلدين، إلى الرقابة القانونية، فلا يكون بالإمكان إدخال هذه الأصناف بين البلدان المجاورة، أي أنه لا دولة ستقبل عموماً أن تدخل أي معاهدة تجارية، مع دولة أخرى غير قادرة على ضبط أسواقها الداخلية، فليس بالإمكان على حكومة معينة، أن تدخل صنفاً من موادها خاضعا للرقابة عن طريقها، وتفرض عليه رسوماً عالية في دخوله البلاد المستوردة، بينما يدخله المهربون إلى أسواق هذه البلاد نفسها بتكاليف أقل على التجار والمهربين داخله، فتخسر في هذه الحال نصيبها من التجارة الخارجية، وهو أمر يعمد إليه الكثير من المهربين الكبار في زعزعة العلاقات التجارية بين البلدان على حساب تجارتهم الشخصية، إن كانت هناك أصنافٌ أخرى منها قد دخلت السوق من دون الخضوع للرقابة.                                                                                                                                                                                                                                                                   التهريب ظاهرة شديدة التأثير في الحكومات ذات نمط التحوط العالي التي يزيد فيها تعقيد الإجراءات أو زيادة التكاليف بهدف إعاقة حركة سلعة أو مواد معينة إلى السوق الوطنية                                                                                                                             التحوط المفرط التهريب عادة ظاهرة تكون شديدة التأثير في الحكومات ذات نمط التحوط العالي، ويعرف التحوط العالي، بأنه تعقيد الإجراءات أو زيادة التكاليف التي تستهدف إعاقة حركة سلعة معينة أو دخول مواد معينة إلى السوق الوطنية، أي أن نسبة المخاطرة هنا عند هذه الحكومات عالية جداً، وقد تقوم حتى بفرض هذا التحوط المفرط على سلع أو مواد قد تكون ضرورية لحياة المواطن والحكومة، فكثيراً ما تقود هذه السياسات الشعب نحو اتباع الطريق الأكثر راحة عليه، وهو طريق استيراد هذه المواد من دون أن تكون الحكومة وسيطاً، وهذا النمط من الحكومات، يكون عادة مطلوبة في مواجهة الأزمات الخارجية التي تهدف إلى إغراق الأسواق الوطنية في البضاعة الخارجية كما حصل في أزمة ماليزيا، وتايوان والصين، الذين تمكنوا من مواجهة المد العالي للبضائع الأجنبية، عن طريق تعزيز البنية التحتية في الصناعة الوطنية، وكان ذلك أحد أهم الخطوات في مكافحة التهريب كظاهرة تهدد مجتمعاتهم، وهناك نمط آخر من الحكومات التي قررت تقييد التحوط المفرط من البضاعة الأحنبية، وسمحت للمواد والسلع بالتدفق داخل السوق، مع فرض الرقابة المناسبة إضافة إلى السياسة الصحيحة، في توزيع البضائع والمواد على القطاعات الصناعية والاستهلاكية، كما حصل في اليابان. وبالاستفادة من هذه التجارب الرائدة يمكننا أن نقول إن الاقتصاد عادة ليس قائماً على القدرات الصناعية والإنتاجية، بل هو قائم على التكييف، فنحن نريد أن نسلط الضوء على أنه ليس هناك من اقتصاد لا يتمتع بمقومات النجاح الذاتي، أو لا يتمتع بقدرة تحقيق الرفاهية والراحة للشعب والمواطنين، وما نمر فيه حالياً هو مرحلة ركود ليست ناجمة عن نقص المواد والموارد، أو عن ضعف في البنى الصناعية، أو بسبب العقوبات كسبب أولي ونهائي، بل إنها مرحلة تكيف نعاني منها جرّاء الضغط المستمر، وإن تكيف الاقتصاد الوطني، ضمن السوق المحلية والخارجية في المرحلة القادمة، سيكون المحور الفاصل، في خروجنا من هذا الركود الذي نعانيه. جميع المعادلات اليوم تتغير، العالم اليوم يشهد حقبة جديدة من التجارة الحرة في العالم، التحوط المفرط لكثير من السلع سوف ينتهي وسوف ينتهي معه دور الاعتبارات السياسية والاجتماعية، في تحديد سعر السلع وتقنينها على الشعوب، ونحن في انتظار المغامرين الذين سيقدمون الحلول البديلة، والذين ستدور على أيديهم، عجلة الاقتصاد في بلادنا.  

المصدر : تشرين – حيدرة سلامي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة