دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أكد السيد الرئيس بشار الأسد الأمين العام
لحزب البعث العربي الاشتراكي أن أخطر ما يواجه الوطن هو الحروب العقائدية
كالنازية الجديدة والليبرالية الحديثة والتطرف الديني، وهذه الحروب
العقائدية لا يمكن أن نواجهها إلا بالفكر والعقيدة، مشيراً إلى أن دور
الأحزاب العقائدية اليوم أكثر أهمية في ظل الحروب ذات الطابع الثقافي
والعقائدي.
وأوضح الرئيس الأسد في كلمة خلال الاجتماع
الموسع للجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي عقد اليوم في قصر
المؤتمرات بدمشق أن الاشتراكية بالنسبة لنا هي العدالة الاجتماعية وعلينا
اليوم أن نحدد ما هو النموذج الذي يناسبنا لتحقيقها ومواجهة الظروف الراهنة
التي نعيشها والتقدم إلى الأمام وتحقيق خروقات في مجالات نعتبرها أولويات
بالنسبة لنا وخاصة في المجال الاقتصادي.
وشدد الرئيس الأسد على أن سورية ستقدم كل
ما يمكن للشعب الفلسطيني ولأي مقاوم ضد الكيان الصهيوني دون تردد، مبيناً
أن الموقف من المقاومة كمفهوم وممارسة لن يتبدل بل يزداد رسوخاً.
وفيما يلي النص الكامل للكلمة …
الرفيقات والرفاق أُرحب بكم وأهنئكم وأهنئ
الفائزين وكل المشاركين في هذه الانتخابات التي ستشكل بكل تأكيد قيمة
مضافة كبيرة لمسيرة تطوير الحزب بإيجابياتها التي كانت متوقعة من قبلنا
وبسلبياتها التي ستشكل دروساً بالنسبة لنا، ستكون عناوين للمرحلة القادمة
لمناقشتها ومراجعتها وإدخال التعديلات على الأنظمة المتعلقة بها.
صحيح هذه الانتخابات هي ليست الأولى،
فخضنا انتخابات منذ بضع سنوات، ولكن هذه الانتخابات تحديداً بتفاصيلها،
بأنظمتها، بالحماس المرافق لها، بالزخم الكبير الذي شهدناه، سأقول من دون
مبالغة بأنها ستكون مفصلاً حقيقياً في تاريخ الحزب، باعتبار أن ما شهدناه
في الأشهر القليلة الماضية هو غير مسبوق في تاريخ الحزب منذ نشأته، وفي هذه
الفترة يمر على سورية أقل من ثمانية عقود منذ الاستقلال، وخلال هذه العقود
الثمانية إلا قليلاً، الحزب هو اللاعب الأساسي على الساحة السياسية، فمنذ
نشأته والدور السياسي الذي لعبه وخاصة في الخمسينيات في مواجهة حلف بغداد،
في مواجهة عصابات الإخوان المسلمين سياسياً في ذلك الوقت، الوحدة مع مصر
والتي كان الحزب هو اللاعب الأساسي والمحرك الأساسي فيها، ولاحقاً مواجهة
الانفصال وصولاً إلى ثورة 8 آذار عام 1963 وبعدها مرحلة ما بعد الحركة
التصحيحية وإنشاء البنية التحتية الكبيرة، ثم مواجهة عصابات الإخوان
المسلمين مرة أخرى في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات وصولاً إلى
الحرب الحالية وما قدمه الحزب من شهداء واحتضان للقوات المسلحة، طبعاً حتى
مرحلة الإخوان المسلمين في الثمانينيات قام الحزب أيضاً بتقديم شهداء
وتضحيات كبيرة، هذا يعني أنه من الصعب أن نفصل تاريخ ودور الحزب عن تاريخ
سورية، هذه حقيقة واقعة، ولكن هذه ليست ميزة بل هي مسؤولية تقع على عاتق كل
بعثي، وهي مسؤولية كبيرة لكبر التحولات الكبيرة الكبرى التي مرت بها
سورية، وحرجة بخطورة المفاصل التي مرت بها سورية عبر تاريخها منذ
الاستقلال.
وحزبنا كحزب عقائدي عبر هذا التاريخ شكل
مشكلة حقيقية للأعداء، فكل عقيدة تهدف لتوحيد المجتمع، لتمتين المجتمع،
لتقوية المجتمع، لحماية الوطن هي بشكل بدهي مشكلة للأعداء، لذلك أخطر ما
يواجه الوطن هو الحروب العقائدية كالنازية الجديدة، كالليبرالية الحديثة،
كالتطرف الديني، وهذه الحروب العقائدية لا يمكن أن نواجهها إلا بفكر
وبعقيدة، حتى الحرب الاقتصادية، حتى الحرب الإرهابية، ليس بالضرورة أن يكون
الهدف هو الجوع بالاقتصاد أو القتل بالإرهاب، وإنما الهدف الوصول إلى
ثقافة اليأس التي تتحول مع الزمن ومع التراكم إلى عقيدة أو ما يشبه العقيدة
التي تحل محل العقائد الأخرى، تحل محل المبادئ، وبالتالي تدفع باتجاه
التنازل عن الحقوق، لذلك في ظل هذه الظروف، وأنا لا أقصد تحديداً ظروف
سورية وإنما الظروف العالمية التي يشهد كل العالم فيها حروباً ذات طابع
ثقافي وعقائدي تصبح الأحزاب العقائدية أكثر أهمية بكثير من قبل، وليس كما
كان يسوق منذ ثلاثة عقود بأن عصر الأيديولوجيات قد انتهى وأن عصر الأحزاب
العقائدية قد انتهى، هذا الكلام غير صحيح، نحن نعيش أعلى مرحلة أيديولوجية
على مستوى العالم لأن التطرف هو عقيدة، لأن الليبرالية الحديثة هي عقيدة،
لأن الخنوع الذي يدعو إليه الغرب تحت عناوين مختلفة هو عقيدة، فإذاً دور
الأحزاب العقائدية وفي مقدمتها حزب البعث في سورية تحديداً هو اليوم أكثر
أهمية مما سبق خلال كل المراحل التي مرت بها سورية، وبعد سبعة وسبعين عاماً
من تأسيس حزب البعث وثلاثة عشر عاماً من هذه الحرب الإرهابية على سورية،
لا شك أن حزب البعث مازال قوياً مؤسسةً وعقيدةً، ولكن هذا لا يعني عدم وجود
الكثير من السلبيات التي تراكمت عبر تاريخه خلال السبعة عقود ونيف، إما
بسبب عدم التطوير أو بسبب عدم معالجة الأخطاء المتراكمة، وأنا أعتقد بأن
ما يخيفنا هو ليس الأعداء مهما تكاثروا ومهما أظهروا من شراسة، ولكن ما
يخيفنا حقيقة هو عدم معالجة هذه الأخطاء والتراكمات، لأنها هي التي يمكن أن
تؤدي إلى إسقاط الحزب مؤسسةً وعقيدةً، لذلك عندما نتحدث عن التطوير وعندما
نقوم ونمارس عملية التطوير، فليس لأن هناك ظروفاً خارجيةً استدعت ذلك، كما
يحلو للبعض أن يحلل من وقت لآخر، أو لأن هناك ضغوطاً، والغرب يعني يئس منذ
سنوات طويلة، ولكن نحن نطور لأن التطوير حاجة حزبية، حاجة وطنية، حاجة
طبيعية باعتبار أن المجتمعات تتطور بشكل مستمر، المجتمعات دائماً في حالة
ديناميكية، هي لا تقف في نفس المكان على الإطلاق، وكل بنية موجودة في أي
مجتمع لا تتحرك من مكانها باتجاه الأمام تصبح بنية متخلفة وقديمة، وكلما
ازدادت الظروف قساوة يصبح التطوير أكثر حاجة وليس العكس، التأجيل ليس
الخيار الصحيح وإنما سير التطوير بأقصى سرعة هو الطريق والوسيلة الأهم
والوحيدة ربما تكون لمواجهة الظروف الصعبة، والتحولات الكبرى التي نعيشها
اليوم ويعيشها العالم ككل تؤثر علينا بشكل مباشر وبشكل غير مباشر وتفرض
علينا مسؤوليات كبيرة وتحديات خطيرة.
من أولى هذه التحديات التي نواجهها الآن
كحزب هي بناء مؤسسة الحزب، وهو ليس تحدياً حزبياً مجرداً، لا نتحدث عن
تطوير الحزب وكأنه بنية مستقلة عن كل البنى الموجودة في الوطن، هو تحد عام،
في سورية لدينا مشكلة في الثقافة المؤسسية على المستوى العام، نراها في
الدولة، نراها في المؤسسات خارج الدولة، ونراها في المجتمع بشكل عام، وإن
كنا قد قطعنا بعض الخطوات على مستوى الدولة في بناء المؤسسات فالطريق
أمامنا ما زال طويلاً، أما على مستوى الحزب، فالانتخابات التي خضتموها
مؤخراً بالإضافة لما سبقها منذ عدة سنوات هي أيضا خطوة باتجاه العمل
المؤسسي، ولكن لا بد وخاصة بعد هذه الانتخابات وبعد هذا الاجتماع الموسع أن
تكون هناك خطوات تتمة لهذه الخطوة الهامة في طريق بناء مؤسسة حزب البعث،
ولكن يجب أن تنطلق من حوار معمق على كل المستويات الحزبية، كما فعلنا خلال
العام الماضي عندما ناقشنا النظام الذي يحكم الانتخابات التي نختمها اليوم
بانتخابات اللجنة المركزية والقيادة المركزية.
النقطة الأولى التي يجب أن ننطلق منها،
وأحياناً تكون لدينا مفاهيم موجودة وغير مفسرة، وأحياناً المفاهيم الضرورية
غير الموجودة كمفهوم علاقة الحزب بالسلطة، وهذا ليس له علاقة بالمادة
الثامنة كما يعتقد البعض بأننا يجب أن نناقش هذه النقطة لأنه لم تعد هناك
مادة ثامنة، لا، هذا حوار ثابت يجب أن يبقى دائماً وتكون له قاعدة فكرية
واضحة، علاقة الحزب بالسلطة ليس كما كنا نناقشها سابقاً ونحصرها بإطار ضيق،
بأن هناك فرع حزب يتدخل بالمحافظة أو قيادة مركزية أو كانت تسمى قيادة
قطرية تتدخل بعمل الحكومة، لا، العمل ليس بهذا الشكل، إنما مرتبط بدور
الحزب ودور الحكومة باعتبار الحزب هو الحزب الحاكم، وبالتالي الحكومة تنفذ
السياسات، ومن الطبيعي أن يكون الحزب هو من يقوم برسم السياسات التي نسميها
سياسات ما فوق حكومية، السياسات الشاملة، وتأتي الحكومة لتنفذ هذه
السياسات، وهذا يعني أن تنبثق سياسات الحكومة من رؤية الحزب من دون أن يلغي
أحدهما الآخر، لأن هناك حديثاً من وقت لآخر حول تراجع دور الحزب، وتراجع
دور الحزب يعني إضعافه، أبداً، هو ليس تراجعاً، هو إعادة تموضع لدور الحزب،
وهذا يحميه من إشكالات العمل الإجرائي اليومي الذي تقوم به الحكومة،
وبالتالي تحميل الحزب مسؤوليات لا يحملها، بنفس الوقت لا يجوز أن يقوم
الحزب بتحميل مسؤولياته إلى الحكومة، فإذاً علاقة الحزب بالسلطة هي عنوان
يجب أن يكون من العناوين الأولى التي نناقشها، ما هو دورنا وما هو دور
السلطة التنفيذية التي تنفذ برامج الحزب؟.
النقطة الثانية هي البنية التنظيمية لكل
المستويات، وخاصة للقيادة المركزية والفروع والشعب، لدينا الآن مكاتب
ولدينا عدد متقارب من أعضاء قيادات الفروع والغالبية من المتفرغين، بعد ستة
عقود من حكم حزب البعث هل من المنطقي أن تكون هذه المكاتب بقطاعاتها هي
نفسها؟ تغير المجتمع، وتغير العالم، تغير الاقتصاد والصناعة والتكنولوجيا،
كل شيء، ولكن المكاتب بقيت نفسها، فهل من المنطقي أن نبقى في نفس المكان؟
لا بد من إعادة دراسة أولاً المكاتب والقطاعات التي يتعامل معها الحزب،
وإعادة دراسة بنية هذه القيادات، بمعنى هل ندمج مكاتب مع بعضها؟ هل نلغي
قطاعات لم نعد نحتاجها؟ هل نضيف قطاعات جديدة تتناسب مع العصر الحالي؟ هذا
من جانب، من جانب آخر لا بد من دراسة موضوع عدد المتفرغين، يعني لو قلنا
بأن هناك عدداً كبيراً وبالتالي هناك أشخاص ليس لهم عمل بمعنى حقيقي، وهذا
يشكل هدراً وإضاعةً للوقت وللطاقة، فهل نقوم بتخفيض عدد الأعضاء؟ هذا فيه
إيجابية وفيه سلبية، ذكرت الإيجابيات، ولكن السلبية بأن هذا يدفع القرار
الحزبي لكي يكون في دائرة ضيقة، وهذا ليس شيئاً جيداً، كلما اتسعت دائرة
الحوار ودائرة القرار كان العمل أفضل من الناحية المؤسسية، هناك أفكار
تطرح، بألا نخفض العدد ولكن يكون جزء من الأعضاء من المفرغين وجزء آخر من
غير المفرغين، هذا احتمال طبعاً، هذا بحاجة لدراسة، أنا أطرح أفكاراً لكي
نحرض النقاش لاحقاً، وتكون أمامنا عناوين تشكل أرضية لتطوير مؤسستنا.
أيضاً العنوان الهام جداً هو دور اللجنة
المركزية، عمر اللجنة المركزية الآن حوالي 44 عاماً ولم تفعّل حتى اليوم
بشكل جدي، السبب قد يكون أحيانا الممارسة وقد يكون النظام الداخلي نفسه،
هناك نظام داخلي للحزب وهناك نظام داخلي للجنة المركزية وهناك نظام مالي
ونظام هيئة الرقابة والتفتيش أو لجنة الرقابة والتفتيش، هذا النظام الداخلي
بحاجة للمراجعة، اللجنة المركزية هي قلب الحزب، ماذا نريد منها؟ هل تدخل
في صناعة السياسات التي نتحدث عنها؟ إذا كانت ستدخل في صناعة سياسات الحزب
هل من المفترض أن تتغير بنيتها لكي تتشكل من خلال أو تشكل من لجان اختصاصية
كما هو حال مجلس الشعب؟ ما هو الشكل المناسب لها؟ ما هي طبيعة العلاقة
بينها وبين القيادة المركزية؟ هل من المنطقي أن تغيب اللجنة المركزية وتأتي
لتقوم بدورها خلال أيام قليلة؟ يوم أو يومين، في اجتماع لتناقش القيادة
المركزية من خلال تقارير جزء كبير منها إنشائي؟ لا أعتقد بأن هذا الدور هو
المناسب للجنة المركزية، كيف يمكن أن نكوّن المعطيات الموجودة لدى اللجنة
المركزية، هي معطيات محدثة بشكل مستمر، وتكون القيادة المركزية ملزمة
بإرسال معلومات بشكل دوري للجنة المركزية، وعندما تأتي اللجنة المركزية إلى
الاجتماع تكون قادرة على القيام بمهامها، الآن قطعنا خطوة بالنسبة للجنة
المركزية باعتبار الجزء الأكبر منها هو منتخب الآن وتركيبة اللجنة المركزية
لم تعد كما كانت سابقاً، إما من الفروع أو تعيين أو غير ذلك، وبالتالي نحن
نعتقد ونأمل بأن الأعضاء المنتخبين اليوم سيكونون قادرين على القيام
بعملية المحاسبة المطلوبة منهم والتي يحددها النظام الداخلي، أعتقد بثلثي
الأعضاء قادرة على القيام بعملية سحب الثقة وغير ذلك من التفاصيل التي
تعرفونها، نفس الشي ينسحب على مؤتمرات الفروع والشعب، فلا يجوز أن تبقى
مؤتمراتنا على تلك المستويات، هي مؤتمرات أو هي ظواهر صوتية، نأتي لكي نعبر
وننفذ ونخرج من دون أي نتيجة، هي مؤتمرات للحوار وللنقاش وللقرار
وللمحاسبة، هذا هو دورها وما ينطبق عليها بالنسبة لمؤتمراتها، فمؤتمرات
الفروع والشعب هي تشبه دور اللجنة المركزية بالنسبة للقيادة المركزية،
فإذاً نفس السؤال حول علاقة اللجنة بالقيادة المركزية، ما هي علاقة أعضاء
المؤتمرات بالمستويات الأعلى، الشعبة والفرع وربما الفرقة، ولكن هنا نسأل
سؤالاً إذا تحدثنا عن المحاسبة والتغيير، فهل يمكن أن نحاسب من دون أن نحدد
المهام؟ يعني على أي أساس نفترض بأن هناك رفيقاً معيناً في قيادة على
مستوى ما هو مقصر؟ ماهي المهام المطلوبة منه لكي نقول له بأنك قصرت؟ هذا
سؤال أساسي يحكم نجاح فكرة تطوير هذه المستويات من المؤسسات.
بنفس الإطار إذا ذهبنا باتجاه فكرة سحب
الثقة ونجحنا في الوصول إلى معايير محددة تحدد فشل ونجاح الرفاق في مواقع
القيادة، فهل نبقي الآلية الحالية المطبقة بالنسبة للجنة العليا للانتخابات
في تلك المستويات؟ أم تبقى مرتبطة بالاجتماع الدوري الذي يسبق المؤتمر أو
اللجنة المركزية الموسعة؟ أعتقد بأن الآلية خلقت راحة بين الرفاق الحزبيين
على مستوى القواعد، لا بد من دراسة كيف يمكن أن تستمر هذه الآلية بالعمل
لكي تكون هناك انتخابات حقيقية ومضبوطة.
بنفس الإطار نسأل أنفسنا سؤالاً حول دور
اللجنة والنظام الذي يحكمها، فلو أخذنا الانتخابات الحالية وهي انتخابات
حرة بالمطلق، يعني دائرة واحدة، هذه الانتخابات ستعطي صورة حقيقية عن الوضع
العام بالنسبة للأعضاء، ولو أن الزمن كان قصيراً لكي يقوم أي رفيق بتسويق
نفسه والقيام بحملة انتخابية، ولكن هل يا ترى بنفس هذه الآلية خلقت إشكالية
على المستوى الوطني باعتبار أنه من الصعب تحديد تمثيل الشرائح في هذه
الآلية؟ وبالتالي يجب أن نعود لآلية اللوائح لأنه باللوائح من السهل أن
نضبط تمثيل الشرائح بشكل وطني؟ هذه نقطة أيضا للنقاش.
بما أننا مقبلون على انتخابات مجلس الشعب
قريباً فهناك نقطة هامة جداً، كيف يمكن أن نختار ممثلين لحزب البعث يشكلون
توافقاً مع الشرائح غير الحزبية، فنحن نختار ممثلاً لمجلس الشعب وللإدارة
المحلية، ولكن هذا الشخص الذي نختاره ليس ضمن عملية حزبية مغلقة وإنما هو
ممثل لشرائح مختلفة موجودة في نفس المنطقة أو على مستوى دائرة واحدة التي
هي سورية، فكيف يمكن أن نقوم بهذه العملية ونكسب رضى الشرائح غير الحزبية
أيضاً؟ علينا أن نناقش هذه النقطة في المرحلة القادمة.
النظام المالي للحزب، يجب أن نسعى لوجود
أو لتطوير نظام مالي فعال وشفاف وقادر على مكافحة الهدر ومكافحة الفساد،
لذلك إعادة تعيين مكتب مالي ومسؤول مكتب مالي في القيادة المركزية سيكون هو
الأولوية بالنسبة لنا، وسيكون هناك دور هام للجنة الرقابة والتفتيش التي
سنعمل على تفعيلها، وخاصة كونها تتبع مباشرة للأمين العام لتلعب دوراً في
الرقابة المالية من جانب، ولكن وهو الأهم هي ستقوم أيضا بمتابعة الأداء
بشكل عام، فمن مهامها متابعة أعمال المؤتمرات، وبالتالي ما سيقر في هذا
الاجتماع الموسع ستتم متابعته أيضاً من قبل لجنة الرقابة والتفتيش.
طبعاً هذه عناوين أراها أولويات، ولكن
هناك عناوين أخرى كثيرة طرحتها بشكل أسئلة لأن الإجابة عنها هي التي ستحدد
الشكل المؤسسي لحزبنا في المرحلة القادمة وهي التي ستحدد أيضاً وستنعكس على
دوره وعلى فاعليته، كل هذه العناوين الحقيقة إطارها الفعلي هو النظام
الداخلي لحزب البعث، فلا بد من إعادة مراجعة النظام الداخلي وبشكل سريع،
لأنه من دون النظام الداخلي فأي شيء نفكر بتطويره لا يمكن أن يؤدي إلى أي
نتيجة، فالنظام الداخلي أساس الإنجاز في أي مجال.
التحدي الثاني هو ما يتعلق بصياغة رؤية
الحزب وتحديداً حول القضايا الداخلية، رؤية الحزب المقصود بها كيف يفهم
الحزب دور الدولة تجاه المواطنين في مختلف القضايا والقطاعات، وتأتي السلطة
التنفيذية لتحويل هذه الرؤية إلى برامج تنفيذية، والعنوان الأول والأهم
بالنسبة لنا جميعاً وبالنسبة لكل المواطنين في سورية هو الوضع المعيشي، إذا
أردنا أن ننطلق من الوضع المعيشي لا نستطيع إلا أن ننطلق من العنوان
الأساسي بالنسبة لنا كحزب وهو الاشتراكية، والاشتراكية بالنسبة لنا حسب ما
نفهمها هي العدالة الاجتماعية، لا نستطيع أن نعود للتعاريف المكتوبة
والأكاديمية والنظريات القديمة بأنها الملكية الكاملة للقطاع العام وإلغاء
القطاع الخاص، بهذا التعريف وبهذا الشكل عملياً سورية لم تكن في يوم من
الأيام اشتراكية، الاشتراكية منذ طبقت منذ أكثر من قرن في أماكن مختلفة في
العالم وبأشكال مختلفة بما فيها سورية التي أخذت الاشتراكية فيها طيفاً
واسعاً من التطرف والماركسية في النصف الثاني من الستينيات إلى الانفتاح
بعد عام 1991 والانفتاح الذي نعيشه حالياً، نماذج كثيرة جداً، علينا أن
نحدد ما هو النموذج الذي يناسبنا من حيث تحقيق العدالة الاجتماعية وقدرته
على مواجهة الظروف الراهنة التي نعيشها، وثالثاً قدرته على دفع التقدم إلى
الأمام، طبعاً نحن الآن لا نتحدث عن تقدم بشكل شامل، نتحدث بشكل واقعي،
القدرة على تحقيق خروقات في مجالات محددة نعتبرها أولويات بالنسبة لنا في
سورية وخاصة في المجال الاقتصادي.
لكن الاشتراكية تطرح علينا سؤالاً كحزب
وهو متى ينطلق النهج الاقتصادي لحزب البعث من الأيديولوجيا؟ ومتى ينطلق من
القواعد الاقتصادية؟ يعني هل هناك توافق بينهما أم هناك تناقض؟ أم هناك حل
وسط نستطيع أن نؤدي الجانب أو نعتمد أو نستند إلى الجانب الأيديولوجي وبنفس
الوقت القواعد العلمية الاقتصادية؟ بنفس الإطار ماهي قدرة الاقتصاد على
تحمل القواعد الأيديولوجية من دون أن يكون منهكا وخاسراً بشكل عام؟ يعني
كما قلت هو إيجاد التوازن، الأيديولوجيا هي أساسية في نهج حزب البعث لا
يمكن التخلي عنها، وعندما نقول أيديولوجيا فهي الاشتراكية وهي الجانب
الاجتماعي كما قلت أيضاً، ما هو التوازن بين الجانب الاجتماعي والجانب
الاقتصادي؟ الحقيقة كلها أسئلة حول عنوان واحد ولكن يجب أن نراها من كل
الزوايا، لأننا عندما نتحدث عن التوازن بين القواعد الاقتصادية والقواعد
الاجتماعية فهذا يعني أن نسير بخط دقيق لا يكون فيه الجانب الاقتصادي
مجرداً على حساب المجتمع، لأننا في هذه الحالة سوف نتحول إلى حزب رأسمالي،
ولا يمكن أن يسير بالعكس باتجاه الجانب الاجتماعي بشكل مجرد، لأننا عند ذلك
سوف نكون دولة مفلسة، لذلك أتحدث عن كل هذه العناوين لكي نصل إلى نقطة
التوازن بين الأيديولوجي وبين الاقتصادي.
هنا طرح كثير خلال العقدين الماضيين،
تقريباً بعد المؤتمر القطري عام 2005 حول اقتصاد السوق الاجتماعي، وحُمّل
ما لا يحمله من معان ومن تفاسير، وحتى من أخطاء أو من عثرات مرت بها سورية،
حُمّلت لهذا التعريف، وتعامل معه البعض وكأنه عقيدة قائمة بحد ذاتها، لو
كانت عقيدة لما أبقينا الاشتراكية، ولو كانت نظرية، والاشتراكية هي نظرية
وليست عقيدة، لكنا استبدلنا الاشتراكية ووضعنا مكانها اقتصاد السوق
الاجتماعي، والحقيقة رؤيتنا لهذا الموضوع مبسطة، السوق هو منافسة والعملية
هي عملية تطوير للاشتراكية لا أكثر ولا أقل، ولكن لو أبقينا كلمة السوق
لوحدها فهذا يعني أننا تحولنا إلى اقتصاد السوق المتوحش، فكلمة الاجتماعي
هي التي تحافظ على النهج الاشتراكي مع الحفاظ على المنافسة بالنسبة للسوق،
هناك من سيقول لا يمكن أن يكون هناك سوق مع اشتراكية، هذا الكلام غير صحيح،
لأن النموذج الصيني واضح بالنسبة للعالم، الصين تحولت باتجاه اقتصاد السوق
وهي دولة شيوعية اشتراكية مركزية منذ عام 1978 ، الجانب الآخر وهو عنوان
مرتبط بالوضع المعيشي، أن الحزب تبنى منذ بداياته الوقوف إلى جانب
الكادحين، طبعاً الكادح بالتعريف قد يكون معناه هو الطبقة التي تعمل ولكنها
فقيرة، فهل نقول الكادحون أم نقول الفقراء بشكل عام؟ باعتبار أن المفهوم
أشمل سأتحدث عن الفقراء باعتبارهم الشريحة الأوسع، أولاً ومن الطبيعي أن
يقف الحزب إلى جانب الشريحة الأوسع، وباعتبارهم الشريحة التي تتأثر أكثر من
غيرها بالأزمات الاقتصادية، ولكن حتى الأديان وقفت إلى جانب الفقير،
فالزكاة هي من الغني إلى الفقير وليست من الغني إلى الغني، حتى الضريبة في
جانب من جوانبها هي من أجل تحقيق العدالة وتوزيع الأموال بين الأغنى
والأفقر، من جانب آخر الشريحة الفقيرة هي التي تضع كل ما يأتيها من أموال
بشكل كامل في الاقتصاد، لكن الدولة التي يحكمها حزب البعث هي دولة لكل
أبنائها، فإذاً ما هو البرنامج أو النهج الذي يمكن أن يتبناه حزب البعث
ويعبر عن تقاطع المصالح بين مختلف الشرائح، وليس تناقضاً، يعني الشرائح
تربح مع بعضها البعض، وليس شريحة تربح على حساب الأخرى، فالفقيرة عملياً هي
قوة شرائية، إن لم يكن وضع الفقراء والشريحة الوسطى جيداً لا يمكن
للاقتصاد أن يتحرك، وميسورو الحال وأصحاب رؤوس الأموال هم القادرون على خلق
فرص عمل في البلد، فإذاً علينا أن ننظر إلى الطبقة الكادحة أو الفقيرة
نظرة اقتصادية قبل أن ننظر نظرة اجتماعية، لأن النظرة الاجتماعية تحول
الحزب إلى العمل الخيري، أما النظرة الاقتصادية فهي تحوله إلى العمل
الاقتصادي الذي يحقق مصلحة هذه الشريحة ويحقق مصلحة المجتمع بشكل عام ويحقق
مصلحة الدولة بنفس الوقت.
سأعطي أمثلة هنا، ما هو المقصود بهذا
التوازن؟ كيف نقف أحياناً مع هذه الشرائح بسياساتنا وبالعناوين ولكن نرى
النتائج تذهب باتجاه آخر؟ سياسة التصدير، لا توجد دولة في العالم لا تعتبر
أن التصدير هو قاعدة أساسية من قواعد التطوير الاقتصادي، ولكن بسبب الظروف
التي تمر بها سورية أحياناً من وقت لآخر نوقف التصدير فنخسر السوق، لأن
المستورد لن يقبل بسوق متقطع أو متذبذب أو غير مستمر، يخسر المصدر معه،
نخسر العملة الصعبة، نخسر فرص عمل بتراجع التصدير، يحصل ضغط على الليرة
السورية والتضخم وسعر الصرف، من يدفع الثمن هو الطبقة الكادحة والفقير،
التوزان بين التضخم أي سعر الصرف والإنتاج، نحاول ضبط سعر الصرف، طبعاً لا
يمكن ضبطه بشكل كامل، ولكن ضبط سعر الصرف من أجل أن تبقى الأسعار ثابتة
ليكون على حساب الإنتاج، وهنا سؤال يطرح دائماً، أين تكمن الأولوية؟ في سعر
الصرف أم في الإنتاج؟ فإذا كانت الأسعار ثابتة ولا توجد فرص عمل كيف يعيش
الفقير؟ كيف يطور نفسه؟ كيف ننقل هذه الشريحة من الفقر إلى الوسط؟ أسئلة
هامة جداً يجب أن نجيب عنها لكي تتمكن الحكومة والسلطة التنفيذية من وضع
برامج تحقق هذه التوازنات.
الجانب الآخر، الدعم. عبر عقود طويلة
يُحمّل للمصرف المركزي، وهي ليست من مهامه، ولكن لأن الدعم ضروري للمواطنين
بشكل عام وخاصة لهذه الشرائح فكان لا بد من إيجاد طريقة، حُمّلت للمصرف
المركزي، ماذا كانت النتيجة؟ هذا المصرف أصبح أقل قدرة على التعامل مع حالة
التضخم بالرغم من أنه يقوم الآن بعمل كبير جداً وضخم للجم وليس إيقاف
التضخم، ولكن لو كانت هذه السياسة بشكل مختلف لكان الوضع اليوم أفضل بكثير
بالنسبة لسعر الصرف وبالنتيجة لتلك الشرائح، هذه مجرد أمثلة تعبر عن ذهابنا
باتجاه سياسات تخدم الشرائح الأفقر ولكن بنتائج مختلفة، يعني نوايا صادقة
ونتائج معاكسة، وهنا لا يمكن أن نناقش الإجراءات الحكومية، أنا هنا لا
أدافع عن أي حكومة لا سابقة ولا حالية ولا لاحقة، أنا أقول إنه عندما لا
يكون هناك توزان بين الاقتصادي والاجتماعي سيكون هناك شلل للسياسات بكل
مستوياتها، وعندما يكون هناك شلل بالسياسات سيكون هناك فشل في الإجراءات
التي تقوم بها السلطة التنفيذية على كافة المستويات.
الجانب الآخر والعنوان الهام بالنسبة لنا
أيضاً المرتبط بالاشتراكية هو القطاع العام، ننظر للقطاع العام أحياناً
بشكل مجرد، هو معمل وهو عامل، الحقيقة القطاع العام لعب دوراً هاماً عبر
تاريخ سورية ومازال بالرغم من المصاعب الجمة التي تعترضه، لكن لا يمكن
اختصار القطاع العام بعنوان صغير، هناك قطاع عام إداري له دور، وهناك قطاع
عام اقتصادي له دور مختلف كلياً، هناك قطاع عام اقتصادي إنتاجي، وهناك قطاع
عام إداري خدمي يقدم الخدمات، كل واحد من هذه القطاعات له دور، نحن ننظر
لهم كعنوان واحد، لكن لنتحدث عن الاقتصادي بشقيه، والسؤال ماذا نريد؟ لو
سألنا أي بعثي ماذا تريد من القطاع العام، هل تريد منه التوظيف؟ هل تريد
منه دعم الأسعار؟ أم هل تريد منه أن يكون رابحاً؟ إذا أردنا منه العناصر
الثلاثة، هل يمكن تحقيقها سوية؟ وخاصة الربحي كونه اقتصادياً من جانب، مع
الاجتماعي أي الدعم والتوظيف، في مراسيم إحداث أي مؤسسة اقتصادية الربح هو
عنوان أساسي، فماذا يعني الربح؟ يعني أن تكون الواردات أعلى من الكلف
الحقيقية، الرواتب، الكهرباء، الوقود، لكن الواقع ليس كذلك في معظم
المؤسسات وخاصة عندما تكون السياسات تُحمّل لهذه المؤسسات، بمعنى إذا كان
واجبها الدعم، فالدعم هو من مهام الخزينة المركزية وليس من مهام المؤسسات،
أما التوظيف إذا كنا سنوظف وسنخسر، وهو اسمه اقتصادي، فلماذا لا نقوم
بتوظيف الناس في القطاع الإداري؟ أو لماذا لا نعطي الناس هذه الأموال التي
تذهب باتجاه الهدر والفساد وتجعل الدولة أضعف في القيام بواجباتها إذ كان
من مهامها التوظيف؟ إذا كان من مهام الدولة التوظيف أو لنسأل سؤالاً أولاً،
ما هي حدود التوظيف بالدولة؟ ستبقى الدولة في سورية توظف، لكن ماهي حدود
التوظيف في سورية؟ هل من واجبها التوظيف كما كنا نراه سابقاً؟ كل وظيفة هي
في القطاع العام؟ كيف نوظف ونحافظ على النوعية؟ ونحن نعرف تماماً أنه لا
يمكن أن يتطور الوضع في سورية إن لم تتطور الدولة، ولن تتطور الدولة إن لم
نتمكن من توظيف نوعيات عالية ونوازن هنا أيضاً بين الجانب التوظيفي
الاجتماعي والتوظيف النوعي، وإذا وظفت الدولة فما هي السياسة بهذه الحالة
التي سنتبناها كحزب؟
قطاع الزراعة عنوان آخر هام، الزراعة أو
دعم الزراعة هو ليس عنوانا للنقاش، أعتقد في كل بلد زراعي الزراعة تعادل
الأمن الوطني، ولكن النقاش هو حول آلية دعم الزراعة، هل ندعم مستلزمات
الإنتاج كما نفعل دائماً؟ أم ندعم المنتج الزراعي وبالتالي يصل الدعم بشكل
مباشر وكامل للفلاح ولا يصل للطفيليين على الطريق؟ هذا عنوان من العناوين
الضرورية بالنسبة لحزب البعث.
كل ما سبق يشكل بمجمله عنوان مكافحة
الفساد، مكافحة الفساد ليست عنواناً منفصلاً، أو مجرداً أو عاطفياً أو
انتقامياً كما يطرحه البعض، هي نتيجة، نتيجة لبناء هذه المؤسسات بهذا الشكل
الصحيح، مكافحة الفساد بحاجة لبيئة صحيحة والبيئة الصحيحة بحاجة لمنظومة
سليمة، من دون المنظومة السليمة لا داعي لإضاعة الوقت في مكافحة الفساد
لأننا لن نحقق أي نتيجة حقيقية، لو ضربنا مثالاً، لو كلفنا الكادر الصحي
بوزارة الصحة بكل طواقمها أن تذهب إلى مدينة لكي تعالج الأوبئة المنتشرة
فيها لأن البلديات لا تقوم بجمع القمامة، والحشرات منتشرة والأوبئة منتشرة،
ونطلب منهم أن يعيدوا الوضع الصحي إلى الشكل الطبيعي، سيقولون لنا منذ
البداية لا يمكن أن نفعل أي شيء، لا مشافي ولا أطباء ولا أدوية قادرة على
مكافحة الأوبئة، ابدؤوا بجمع القمامة، هكذا يجب أن ننظر إلى عملية مكافحة
الفساد، إن لم نقم بجمع القمامة التي هي الخلل الإداري الموجود لدينا لا
يمكن أن نصل إلى أي نتيجة في موضوع مكافحة الفساد، فإذاً علينا أن نضع
أجوبة لهذه التساؤلات لكي يتمكن الحزب من وضع رؤية، ولكي تتمكن الحكومة من
وضع برامج تنفيذية بهذه الرؤية، وعلينا ألا نؤجل العمل بهذا الاتجاه لأننا
اعتدنا عبر سنوات طويلة قبل الحرب أن نستخدم جملة معروفة “الآن ليس وقتها”،
هذه الجملة التي تبقي الأحلام مجرد أحلام.
لكي أوضح ملخص هذه الفقرة وألا يفسر كما
يحلو للبعض أحياناً بأن هذه الجلسة كانت جلسة “بيريسترويكا” والتخلي عن
القطاع العام والتخلي عن الدعم، على الإطلاق، كل ما سبق لا يعني أبداً
التخلي عن القطاع العام، لأن دوره هام وسيبقى، ولكن يجب أن يكون دور القطاع
العام نوعياً ومدروساً وهادفاً، كل ما سبق لا يعني التخلي عن الدعم لأن
الدعم ليس ضرورياً فقط للشرائح الأفقر، الدعم ضروري لقوة الاقتصاد، المشكلة
ليست في مبدأ الدعم وإنما في شكل وفي طريقة الدعم، كل ما سبق يعني أن نعزز
دور الدولة لكي تكون قادرة على القيام بواجباتها على أكمل وجه، في
المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والوطنية بشكل عام، وقد يسأل
البعض، كنا نتوقع أن نسمع من الأمين العام إجابات عن هذه الأسئلة التي
طرحها، إذا أعطيت إجابات وآراء الآن فهذا يعني أنني أقوم بقطع طريق على
النقاش، وأنا هنا اليوم لكي أطلق النقاش لا لكي أقطع الطريق على النقاش،
هذا أولاً، ثانياً القضايا الكبرى التي تمس المواطنين لا تبنى على رأي أمين
عام أو رئيس جمهورية أو رئيس حكومة أو قيادة حزب أو حكومة، هذه المواضيع
بحاجة لإطلاق حوار واسع أولاً على المستوى الحزبي بكل مستوياته، وثانياً
على المستوى الوطني، عندها يمكن لأي شخص فينا أن يعطي رأيه ويتخذ القرار
الصحيح.
أما التحدي الثالث بالنسبة لنا كحزب فهو
إعادة صياغة فكر الحزب بالشكل الذي يتماشى مع عصرنا ولكن لا يخالف
انتماءنا، بالشكل الذي يتفاعل مع حاضرنا ولكن بنفس الوقت لا يسلخنا عن
جذورنا، وحزبنا كحزب قومي عربي لا ينطلق من نظرية، نحن لا ننطلق من نظرية
جلس بضعة مثقفين أو مفكرين منذ مئة عام وقرروا أن يكون هناك هوية اسمها
العروبة، نحن ننطلق من انتماء اجتماعي حقيقي تاريخي واقعي، لكن النظرية
تأتي لاحقاً لكي تؤطر هذا الانتماء وتعطيه شكلاً فكرياً، تنقل هذا الانتماء
من الحالة الغرائزية إلى الحالة الإيجابية الفاعلة التي تعزز وحدة المجتمع
وتقويه، تنقل هذه الحالة حالة الانتماء من العصبية الجاهلية ضيقة الأفق
إلى حالة شاملة واسعة تجمع كل مكونات المجتمع عبر رفع الانتماء فوق المفهوم
العرقي إلى المستوى الحضاري الإنساني الذي يبنى على تفاعل الأقوام بشكل
طبيعي وعفوي وتدريجي في كل المجالات، في العرق والدين واللغة والثقافة
والجغرافيا وتبادل المصالح، في كل العناصر التي تكوّن المجتمع، لهذا السبب
استهدفت الأحزاب القومية من قبل القوى الاستعمارية، ولو كانت هذه الأحزاب
ومنها حزبنا تبنت المفاهيم الطائفية أو العرقية لكانت قد دُعمت مباشرة من
قبل الغرب، لأنها تتوافق مع الأهداف الاستعمارية التقسيمية ، واستُكمل
استهداف الأحزاب باستهداف العناوين الأساسية والعناصر الأساسية المكونة
لمجتمعاتنا العربية وهي العروبة والإسلام والمسيحية، وعملوا على خلق شروخ
بين هذه المكونات، بدؤوا بالموضوع العربي المسيحي منذ عقود طويلة، وقالوا
تحديداً عن سورية، وأنا أتحدث هنا عن بلاد الشام، بأن هذه المنطقة مسيحية
والعرب والمسلمون واللغة هي نتيجة الغزوات التي حصلت بعد قدوم الإسلام،
يعني جمعوا كل تلك العناصر ووضعوها في بوتقة واحدة، وبالتالي الهوية
الحقيقية لبلاد الشام هي ليست الهوية العربية، هي هوية مصطنعة عمرها حوالي
14 قرناً أكثر أو أقل بقليل.
في الواقع إن هذه العناصر لا تجمع مع
بعضها، عندما نتحدث عن العرب وعندما نتحدث عن اللغة وعندما نتحدث عن الدين
الإسلامي، فكل واحدة منها لها تاريخ يختلف عن الأخرى، فالعرب مذكورون
بالوثائق التاريخية منذ ألف عام قبل الميلاد كعرب، واستمر هذا التواجد خلال
المرحلة الآرامية وخلال المرحلة السريانية وصولاً إلى الممالك العربية
المسيحية ووصولاً إلى دخول الإسلام، أما اللغة العربية فاللغة المحكية
واللغة المكتوبة دخلت كل واحدة بزمن مختلف، على سبيل المثال، الأنباط
المملكة العربية التي عاشت جنوب سورية قبل الميلاد بحوالي 160 عاماً
واستمرت إلى ما بعد الميلاد بحوالي قرن كان أهلها يتحدثون باللغة العربية
وباللغة الآرامية، ولكنهم كانوا يكتبون باللغة الآرامية وصولاً إلى دخول
الإسلام ، فإذاً شكل تبسيط هذا الموضوع بأن هناك قوماً يدخلون إلى مكان
وفجأة يختفي القوم الأصليون ويحل محلهم قوم جدد أو تأتي ثقافة وتحل محل
ثقافة وتختفي الثقافة الأولى أو تأتي لغة وتحل محل لغة، هذا الكلام غير
منطقي وخاصة أن اللغة السريانية استمرت في سورية خمسة قرون بعد دخول
الإسلام، فإذاً هذا الكلام غير صحيح لأن الشعوب تتفاعل مع بعضها ثقافياً
ولغوياً في المنطقة الواحدة وفي المناطق المتجاورة، ولا توجد قوة تستطيع
بما فيها الحروب والغزوات أن تسيطر على هذه الديناميكية، بنفس الاتجاه وفي
إطار تفتيت الهويات الاجتماعية أو الوطنية الموجودة إلى هويات فرعية تتصارع
مع بعضها طرحوا إشكالية العروبة والإسلام التي سمعنا بها ربما بدايات
القرن الماضي أو بعدها بقليل، وهذا الطرح الإشكالية أو الصراع يدفعنا لسؤال
محدد، هل هناك فعلاً مشكلة أو صراع بين العروبة والإسلام؟ نستطيع أن نسأل
سؤالاً موازياً يعطي جواباً سهلاً جداً، إذا كان هناك مشكلة بين الدين
والقومية لماذا لا نسمع عن هذه المشكلة في الدول الإسلامية غير العربية
والإسلام منتشر من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي؟ لماذا لا نسمع عن
إشكالية الإسلام والقومية الفلانية في دول مختلفة؟ هل هناك إشكالية؟ إذا
كان هناك إشكالية بين القومية والدين هل هناك إشكالية بين العروبة
والمسيحية؟ بكل تأكيد لا ، لأن أهم المفكرين القوميين كانوا من المسيحيين،
لماذا لا نسمع عن إشكالية الأديان بشكل عام مع القوميات، في الأمريكيتين،
في إفريقيا، في آسيا، في أوروبا، في كل مكان؟ الجواب واضح لأن القضية
مفتعلة وليست حقيقية، فالدين هو أحد الأوجه الهامة والأساسية لأي هوية في
أي مجتمع، لكن الدين لا ينفي ولا يحل ولا يتعارض ولا يتناقض مع الهويات
القومية للشعوب، لذلك عندما نزل الدين الإسلامي في منطقة الجزيرة العربية
أيام الجاهلية لم تكن هناك إشكالية قومية، كانت المشكلة مختلفة، عاطفية
باعتبار أن المجتمع وثني، ومصلحية باعتبار أن الإسلام دعا للعدالة، ولكن
زعماء القبائل كانوا أصحاب مصالح وكان هناك شبه إقطاع وربما إقطاع، لكن
الإسلام لم يتناقض مع القومية الموجودة في ذلك الوقت، وبالنسبة لكلمة
الجاهلية فالجاهلية لا تعني عدم وجود حضارات قديمة وتطور وإنما تعني أن هذا
المجتمع كان على ضلال، فالشعر والأدب واللغة عالية المستوى لا يمكن أن
تأتي من أقوام متخلفة أو من بدو رحل كما يصور اليوم أحياناً، ولا يمكن لدين
أن ينزل على شعوب أو على مجتمعات بدائية، لأن هذه المجتمعات لن تكون قادرة
على حمل رسالة إلهية عظيمة ونفس الشيء بالنسبة للغة، لا يمكن للقرآن
الكريم أن ينزل بلغة غير قادرة على حمل معانيه العميقة ، فإذاً المجتمع
العربي بأوجهه الحضارية كان موجوداً ولكن هذه الطاقة الحضارية كانت كامنة
غير مفعلة، أتى الإسلام لكي يطلق العنان لهذه الطاقة الموجودة ويعطيها
البعد الإنساني الأشمل والعالمي الأوسع، هنا تكمن العلاقة المتبادلة بين
العروبة والإسلام، لذلك نحن لسنا بحاجة لاختراع روابط، أن ننظّر من أجل
روابط بينهما، فهذه العلاقة هي علاقة طبيعية وعضوية لا تناقض بينهما ولا
صداماً ولا إقصاء بل تكامل وانسجام، كذلك هي العلاقة بين العروبة
والمسيحية، والعلاقة بين المسيحية والإسلام، كلها عناصر مكونة لهويتنا
الجامعة، هوية هذه المنطقة التي تكونت ليس عبر القرون بل عبر الألفيات من
السنوات، وإلغاء أي عنصر من عناصر هذه الهوية يعني إلغاء الهوية برمتها.
في نفس السياق خلقوا تناقضاً بين العروبة
وباقي المكونات القومية في منطقتنا على اعتبار أن العرب يمثلون عرقاً وباقي
المكونات تمثل أيضاً أعراقاً، فكل الناس متساوون، يعني كل الناس هم عبارة
عن أعراق، وهذا خطير لأنه حصر الفكر العروبي في العرق والعروبة ليست كذلك،
العروبة التي نتحدث عنها دائماً هي العروبة الحضارية الشاملة المبنية على
التنوع العرقي والديني، وهذا يعني أن العروبة الحضارية تعني الاندماج بين
المكونات ولا تعني الذوبان، بالعكس تعني الحفاظ على مكون كل هوية من
الهويات في مجتمعنا، وكلما ازداد هذا التنوع في المجتمع السوري كلما ازدادت
العروبة غنى وثراء، وكلما ظهر وبرز هذا التنوع كلما ازدادت العروبة ثقة
ورسوخاً، لذلك ونحن نموذج حقيقي عن هذا التنوع في هذه القاعة يوجد معظم
مكونات المجتمع السوري وربما كل المكونات وهم منتسبون ومنتسبات لحزب قومي
لم يشعروا في يوم من الأيام بأن المطلوب للانتساب أو أن تكون جزءاً من
العروبة أن تتخلى عن الهوية الأصلية، بالعكس نحن نشجع على التمسك بهذه
الهويات، نشجع على التمسك باللغة والعادات والتقاليد والانتماء الديني وإلى
آخره من التفاصيل التي تمثل عناصر تلك الهويات.
لكل ما سبق ستبقى العروبة هي أساس فكرنا
وتوجهاتنا وانتمائنا الفطري والطبيعي، لأن العروبة بالنسبة لنا هي العمود
الفقري الذي يحمل مكونات المجتمع، وعندما ينهار العمود الفقري تتفكك
الروابط بين الأعضاء وينهار الجسد كاملاً، فإذا نحن بحاجة لتطوير فكر الحزب
والتركيز على العلاقة بين العروبة الحضارية الشاملة والهوية الوطنية
المتنوعة، وبنفس الوقت القيم الإنسانية الراقية، هذه العناصر الثلاثة هي
التي تخلق الاستقرار في مجتمعنا، لأنها هي التي تحمينا من العناصر الفكرية
الشاذة سواء الناشئة في مجتمعنا كالتزمت الفكري، وعندما نقول فكرياً فهذا
يعني قد يكون دينياً وقد يكون اجتماعياً وقد يكون سياسياً أو أي تطرف آخر
كالتزمت الفكري بأشكاله أو الإحباط أو الدونية أو في مواجهة الافكار
الواردة إلينا من الخارج، وفي مقدمتها الليبرالية الحديثة المدمرة
للمجتمعات، وهذا يدفعنا لسؤال أين هو موقع الفكر بالنسبة لنا كحزب بعث عربي
اشتراكي؟ هذا يعني بشكل بدهي أين هو موقع المفكرين، بكل تأكيد لدينا فكر،
وبكل تأكيد لدينا مفكرون، لكن لا توجد لدينا آلية واضحة ولا توجد لدينا
بنية واضحة لتجديد الفكر ولإبقاء الفكر عملية متجددة بشكل مستمر وليس بشكل
طارئ أو موسمي أو بعقود ومناسبات متباعدة.
في الوضع السياسي، العنوان الأهم والأبرز
اليوم هو الموضوع الفلسطيني، وأبرز ما في هذا العنوان هو عودة القضية
الفلسطينية الى الواجهة، ولكن بشكل لم يسبق له مثيل على الإطلاق منذ نشأت
هذه القضية عام 1948، اليوم اتضحت عدالة هذه القضية على مستوى العالم
وانكشفت حقيقة الكيان الصهيوني الإجرامية بالنسبة لمعظم العالم، وتراجع
الدعم العالمي الذي حظيت به “إسرائيل” على الأقل على مستوى العالم طبعاً
وليس على مستوى الغرب، على مستوى الغرب منذ البداية، ولكن على مستوى العالم
منذ تم توقيع اتفاقيات أوسلو وهذا الشيء سوف يخلق مشكلة مزدوجة.
المشكلة الأولى هي للكيان الصهيوني الذي
عاش على تعاطف العامة من الغربيين وليس فقط السياسيين منذ الأشهر الأولى
لقيامه، وهذه المشكلة ستخلق مشكلة للساسة الغربيين الذين بدؤوا يجدون
أنفسهم في مواجهة مع الرأي العام في بلادهم، أما المشكلة الثانية فهي إصابة
وتدهور صورة المنظومة الغربية، أولاً على مستوى العالم فمنذ الحرب
العالمية الثانية ولكن بشكل خاص بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 لدينا
أجيال من المنبهرين والمفتونين بالغرب، مفتونون لدرجة أنهم منومون تنويماً
مغناطيسياً، فكل ما يحصل في الغرب هو مذهل ورائع وجميل، هذه الصورة بدأت
تتدهور وتصاب بالصميم، الأهم من ذلك أن هذه الصورة بدأت تتدهور عند
المواطنين الغربيين أنفسهم الذين كانوا يؤمنون بالمبادئ التي تقوم عليها
هذه المنظومة، اكتشفوا اليوم حقيقة المبادئ التي تقوم عليها وهي الكذب
والنفاق والخداع، وخداع شعوبهم أولاً قبل الشعوب الأخرى في العالم ، لذلك
عندما نرى القمع الوحشي الذي لم نره سابقاً في الجامعات الأمريكية ومثلها
في فرنسا وألمانيا وأي تظاهرة تنتقد “إسرائيل” أو تقف إلى جانب غزة، فالهدف
الأول هو ليس بالضرورة “إسرائيل” تحديداً ولو أنها ربيبة الغرب، الحقيقة
هذا القمع الوحشي غير المسبوق الذي نراه يعبر عن حالة هلع للمنظومة الغربية
بشكل عام، هذه الحالة مرت بها المنظومة الغربية في نهاية الستينيات وبداية
السبعينيات، وكان هناك تمرد، جانب له علاقة بالتطور الاجتماعي ، وجانب له
علاقة بحرب فيتنام، وجانب له علاقة بأن الجيل الشاب بذلك الوقت كان ينظر
باحتقار وكره للمنظومة السياسية القائمة في الغرب، فكان هناك قمع وكان هناك
قتلى في الجامعات ولكن الغرب يعتقد أنه منذ ذلك الوقت بعد خمسة عقود قد
تمكن من تدجين الشعوب الغربية وخاصة الشباب، وكانت ذروة هذا التدجين هي
مرحلة كورونا كما رأينا.
ما يحصل الآن خلق حالة هلع ورعب لدى هذه
المنظومة من أن يكون هناك إمكانية لتمرد شعبي عليها، أما بالنسبة لمنطقتنا
فقد فضحت الحرب على غزة حقيقة الكثير من الأنظمة، وميزت بين المواقف
الحقيقية والشكلية، وميزت الصادق من المنافق، وجعلت الموقف من القضية
الفلسطينية هو المرجع في تقييم تلك المواقف، فالموقف من القضية الفلسطينية
هو اليوم الذي يرفع أشخاصاً ودولاً، وهو الذي يهز العروش، وأهم أنموذج نراه
اليوم هو الأنموذج التركي، فأردوغان تذاكى وتذاكى وتذاكى على شعبه بالرغم
من أن الإنسان الذكي فعلاً يجب أن يعرف حقيقة بسيطة بأن الذكاء الجماعي
الشعبي أقوى من أي ذكاء فردي، هذه هي طبيعة الإنسان، مع ذلك أعتقد بأنه
يستطيع أن يخدع الشعب التركي ويهاجم “إسرائيل” بلسانه ويدعمها بيده، ولكن
الشعب التركي لقنه درساً كبيراً في الانتخابات، وهذا الدرس مضمونه أن قوة
الموقف الرسمي والحزبي تكمن في تماهيه مع الموقف الشعبي، وهي حالة قلما
نراها في كثير من الدول، إما لعدم مبدئية الدول أو المسؤولين أو لنفاق
الحكومات وخضوعها لأصحاب الفضل في مجيئها وغير ذلك، فإذاً أردوغان قدم
اليوم أنموذجاً هاماً جداً في هذا المجال، وكما نرى فهم يتحدثون الآن في
تركيا عن قطع العلاقات الاقتصادية مع “إسرائيل” ولا نعرف لماذا لم يقم
أردوغان بهذه الخطوة منذ أشهر، يعني هل سمع مؤخراً منذ شهر فقط بأن هناك
مجازر ترتكب في غزة؟ أعتقد بأن الأوان قد فات والصورة الحقيقية قد ترسخت
والشخص قد افتضح.
الأكثر أهمية بالنسبة لنا في سورية
تحديداً وهي حالة عامة أيضاً ليست مرتبطة بسورية، أن الحرب على غزة فضحت
دعاة الاقتداء بالغرب في عالمنا العربي وفي سورية، الغرب بحريته
وديمقراطيته، الغرب بقيمه العظيمة الرائعة وحضارته وإنسانيته ومدنيته،
أولئك الأشخاص الذين يحملون في عقولهم أقصى ما يمكن لإنسان أن يحمل من عقد
نقص ودونية تجاه الأجنبي، لم نسمع هؤلاء يتحدثون أو ينظّرون حول موقف الغرب
من الحرب على غزة، موقف الغرب الداعم لـ “إسرائيل” سياسياً، مشاركة القوات
العسكرية والأمنية الغربية بشكل مباشر في الحرب، إرسال السلاح لـ
“إسرائيل”، لم نسمع أي كلمة أو تصريح أو ملاحظة، لم نسمع عن الديمقراطية
المتعلقة بقمع الطلاب في الجامعات الأمريكية وغيرها بالرغم من أنها كلها
كانت تحت سلطة القانون أي متوافقة مع الدستور والقانون، لم نسمع أي شيء عما
يطرح الآن في الكونغرس الأمريكي بالنسبة لتوسيع مفهوم السامية، وبالتالي
يمنع على أي شخص انتقاد “إسرائيل” كدولة كما يفترضون، أو الحديث عن
الهولوكوست أو أي شيء آخر يمس هذه المفاهيم.
لم نر الخونة يذهبون كالقطعان إلى
الكونغرس لكي يطالبوا بقانون لمحاسبة “إسرائيل”، هم ذهبوا كالقطعان من أجل
قانون محاسبة سورية، لا توجد لدينا مشكلة، نحن نقبل أن يكون هناك قانون
لمحاسبة سورية في الكونغرس، ولكن أن يعملوا بالتوازي من أجل قانون لمحاسبة
“إسرائيل”، طبعاً هذا كله عبارة عن خيال وأحلام، لم نسمع بثيران الثورة
الذين سموا خطأ بالثوار، لم نسمع أنهم أطلقوا صاروخاً واحداً من أجل كرامة
أهل غزة، لم نسمع أيضا تصريحاً أو تظاهرة مع لافتات دعماً لهم، كل هذا ليس
بجديد علينا، معروف لنا ولكم ولكل سوري، ولكن كل ما يحصل يثبت كل ما قلناه
منذ الأيام الأولى للحرب على سورية، القضية هي قضية عمالة وخيانة.
لكن أهم الدروس التي تقدمها غزة هي
الدرسان الفلسطيني واليمني، قدما دروساً للعرب بشكل عام وللسوريين بشكل
خاص، لماذا للسوريين بشكل خاص؟ لأن مبادئ الحرب متشابهة، قتل، إرهاب، حصار،
تدمير، وغير ذلك من المعاناة التي نراها في هذه الدول الثلاث، لكن كلنا
نعرف بأن الوضع في فلسطين لا يقارن بسورية، وأيضا الوضع في اليمن لا يقارن
بسورية، أوضاع الفلسطيني واليمني أصعب بكثير من أوضاعنا بكل المعاني
والأوجه، مع ذلك فقد قدموا دروساً في العزة والكرامة، في الشهامة والإرادة،
وفي حب الوطن، وهذه العناصر لوحدها من دون وجود إمكانيات حقيقية حولت
اليمن وغزة، وإذا أردنا أن نقول فلسطين بشكل عام، ليس إلى قوة إقليمية بل
إلى قوة عالمية حقيقية فرضت نفسها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، تمكنوا من
ذلك لأن فكر العمالة لم ينتشر، ولأن عقيدة الهزيمة لم تزدهر عندهم.
لا حاجة لتكرار موقفنا الوطني من الكيان
المجرم، موقفنا ثابت منذ نشوء القضية الفلسطينية ولم يهتز للحظة أو ظرف ولا
أتحدث عن هذه الحرب، أقول عن القضية الفلسطينية منذ عام 1948 بكل الظروف
التي مرت بها سورية والانقلابات والاستقرارات وغيرها، لا يجرؤ مسؤول في
سورية على التنازل تجاه القضية الفلسطينية، ولا نتنازل اليوم، لأن جوهر
القضية لم يتغير، ولأن العدو نفسه لم يتغير، والمتغير الوحيد هو الأحداث
بشكلها الخارجي، فالمجازر ليست بطارئة على سلوك الكيان الصهيوني سواء
ازدادت أو انخفضت، لا يهم، والانحياز الغربي الأعمى للصهيونية من قبل الدول
الغربية ليس بجديد، أما التخاذل العربي تجاه القضية الفلسطينية وغيرها من
القضايا فهو ليس بمفاجئ، الفارق اليوم أن عناصر القضية تعرت وانكشفت
وافتضحت بسبب وسائل التواصل الاجتماعي من جانب، وبسبب آخر وطبعا هو الأهم
الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، هذا الصمود الذي أربك وأنهك الغرب
وأذنابه في منطقتنا، وقبل كل هؤلاء الكيان الصهيوني غير القادر على هزيمة
مليوني شخص محاصرين منذ عقود مجردين من كل مقومات القوة والحياة ويعيشون في
شريط طوله حوالي 40 كيلومتراً وعرضه بضعة كيلومترات، بتحالف غربي صهيوني
لم نر له مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية.
وطالما أن الوضع لم يتغير والحقوق لم تعد
لا للفلسطينيين ولا للسوريين، فلا شيء يبدل موقفنا أو يزيحه مقدار شعرة،
وكل ما يمكن لنا أن نقدمه ضمن إمكانياتنا للفلسطينيين أو لأي مقاوم ضد
الكيان الصهيوني سنقوم به دون أي تردد، وموقفنا من المقاومة وتموضعنا
بالنسبة لها كمفهوم أو كممارسة لن يتبدل، بالعكس هو يزداد رسوخاً، لأن
الأحداث أثبتت أن من لا يمتلك قراره لا أمل له بالمستقبل، ومن لا يمتلك
القوة لا قيمة له في هذا العالم، ومن لا يقاوم دفاعاً عن الوطن فلا يستحق
وطناً بالأساس، فالخضوع يعطي شعوراً كاذباً بالأمان، وربما بالقوة وأحيانا
بالوجود أو بالكينونة، لكن إلى حين، إلى حين ينتهي هذا الدور وتنتهي المهمة
المطلوبة، ليتم بعدها الاستغناء عن الأشخاص وعن الدول وعن الأوطان، وعندما
يتم الاستغناء عن الأوطان فهذا يعني دمارها وزوالها.
الرفيقات والرفاق أتمنى لكم كل التوفيق ولاجتماعكم كل النجاح وأرجو أن يكون هذا الاجتماع مفصلاً حقيقياً في مسيرة الحزب والوطن.
المصدر :
سانا
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة