دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يرى
خبراء إستراتيجيون أن خطوات الإصلاح والتغيير داخل مجلس الأمن الذي تقع
على عاتقه مسؤولية صون السلم والأمن الدوليين، ستكون شديدة البطء، إذ لا بد
أن تأتي مدفوعة بتوافق تام بين الخمسة الكبار (الولايات المتحدة وبريطانيا
وفرنسا وروسيا والصين).
نيويورك - على الرغم من
التقدم المحرز في محاربة الفقر تواصل الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة
النضال من أجل تأمين المزيد من الأموال لدعم مهامها في مجالات مثل الصحة
العامة وحفظ السلام والتعليم.
ويقول رامين صديقي، وهو عضو في مجموعة الأمم
المتحدة الرئيسية للأطفال والشباب، في تقرير نشره موقع “مودرن بوليسي” إن
تأثير الاستعمار يستمر على الرغم من نهاية الاستعمار المباشر، وهو ما يتجلى
في هياكل، مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تعمل على إدامة عدم
المساواة والهيمنة في بعض البلدان.
ويضيف صديقي أن إنهاء الاستعمار في مجلس
الأمن يتطلب الالتزام بمعالجة المظالم التاريخية واختلال توازن القوى التي
شكلت بنيته الحالية.
ولايقتصر ذلك على إصلاح التشكيل وآليات صنع
القرار فحسب، بل يشمل أيضًا إعادة تقييم دور المجلس في معالجة الصراعات
وتعزيز السلام والأمن بطريقة تعكس مصالح ووجهات نظر جميع الدول الأعضاء،
ولاسيما تلك التي تم تهميشها في الماضي.
وعلى مر السنين دأبت الكثير من الدول
الأعضاء في الأمم المتحدة على الضغط من أجل توسيع مجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة إلى ما هو أبعد من الأعضاء الخمسة الدائمين الحاليين، الذين كانوا
لاعبين رئيسيين في الحرب العالمية الثانية.
وفي الآونة الأخيرة كان هناك طلب متزايد على ضم القوى العالمية الناشئة مثل تركيا وألمانيا والهند، فضلاً عن زيادة تمثيل أفريقيا.
الجهود الإصلاحية العديدة التي بذلتها الأمم المتحدة ينظر إليها العديد من المراقبين على أنها مجرد جهود تجميلية
وهناك أيضًا دعوة إلى تقليص حق النقض الذي
تتمتع به الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لتجنب الوصول إلى طريق
مسدود بشأن القضايا العالمية المهمة.
وعلى الرغم من الجهود الإصلاحية العديدة التي بذلتها الأمم المتحدة، فقد نظر إليها العديد من المراقبين على أنها مجرد جهود تجميلية.
وفي البداية تم تصميم حق النقض الممنوح
للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتعزيز توازن القوى
في النظام الدولي وتجنب القرارات الأحادية، وأصبح أداة تعود بالنفع في
المقام الأول على الدول القوية.
ويمكن للدول الخمس دائمة العضوية أن تستخدم
حق النقض بشكل إستراتيجي لتعزيز مصالحها الوطنية وأهداف السياسة الخارجية،
وتسليط الضوء على استمرار الممارسات الاستعمارية بشكل دقيق ومنهجي.
وتعكس تركيبة مجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة ديناميكيات القوة العالمية الحالية، حيث تهيمن الولايات المتحدة
وأوروبا وروسيا والصين، في حين تعمل الدول الأعضاء الأخرى داخل أو في ما
بين مناطق النفوذ هذه.
ومع أن حركات الاستقلال أدت إلى تحرير حوالي
80 مستعمرة سابقة في تاريخها الذي يبلغ 75 عاما، لم يعد الأعضاء الدائمون
في الأمم المتحدة يمثلون بدقة السكان الرئيسيين في العالم كما كانوا يفعلون
ذات يوم في الحقبة الاستعمارية.
ولا تشكل الدول الخمس دائمة العضوية سوى جزء صغير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتشرف على أقلية من سكان العالم.
ومع تنافس 10 دول أعضاء غير دائمة العضوية
على مقاعد إضافية في مجلس الأمن الدولي واستثمار أموال كبيرة في جهود
الضغط، تشغل الدول الأوروبية والغربية مجتمعة 47 في المئة من إجمالي
المقاعد، على الرغم من أنها تمثل 17 في المئة فقط من سكان العالم.
وعلاوة على ذلك، فإن الدول الغنية القادرة
على المنافسة على أعلى المستويات هي وحدها القادرة على تأمين المقاعد
والاحتفاظ بها في المجلس.
وعلى سبيل المثال ظلت اليابان عضوا لمدة 22
عاما، تليها البرازيل منذ 20 عاما. وفي أفريقيا، لم تشغل نيجيريا مقعداً
إلا لمدة عشر سنوات فقط.
وفي أعقاب الاضطرابات في السياسة العالمية
وظهور المستعمرات كدول مستقلة بعد الحرب العالمية الثانية، كان دوام وحق
النقض الذي تتمتع به الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة بمثابة أداة للقوى الاستعمارية السابقة للحفاظ على نفوذها في
الشؤون العالمية.
ويعكس هذا التطور التحول من الاستعمار المباشر إلى شكل أكثر دقة واستمرارية من الهيمنة على الساحة الدولية.
وينبع عجز المجلس عن منع الإبادات الجماعية
وحل الصراعات ومعالجة الأزمات إلى حد كبير من تأثير الدول الخمس دائمة
العضوية في القرارات التي تعطي الأولوية لحماية مصالحها الإستراتيجية من
خلال الحفاظ على التحالفات أو العقوبات أو التدخلات الانتقائية أو تجنب
الإخلال بتوازن القوى في النظام الدولي.
هناك دعوة إلى تقليص حق النقض الذي تتمتع به
الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لتجنب الوصول إلى طريق مسدود
بشأن القضايا العالمية المهمة
وعلى الرغم من التغيرات الكبيرة في التركيبة
الديمغرافية لأعضاء الأمم المتحدة، فإن التوزيع الاقتصادي لم يتطور بنفس
الوتيرة، وربما ازداد سوءا، ما أدى إلى تفاقم عدم المساواة الاقتصادية.
ويثير هذا الوضع تساؤلاً مهماً: هل تعمل
الأمم المتحدة على إدامة نظام عالمي متأصل في عدم المساواة والاستغلال، أم
أنها تسعى إلى تحرير العالم من مثل هذه القيود؟
وتناول رجل الاقتصاد البديل أرتورو إسكوبار هذا السؤال الأساسي في كتابه الشهير “مواجهة التنمية: صناعة العالم الثالث وتفكيكه”.
ويستكشف إسكوبار بشكل نقدي الأسباب التي
جعلت عقودًا من مبادرات الأمم المتحدة الإنمائية والقروض والمساعدات تؤدي
إلى تحسين رفاهية وسعادة العالم النامي بشكل طفيف فقط.
ويؤكد إسكوبار أن النظام الحالي مزور، ما
يسلط الضوء على مفارقة داخل الأمم المتحدة حيث لا يمكن للنظام الدولي
المقترح أن يعمل إلا إذا تخلت الدول عن سيادتها، وهو ما يشكل في النهاية
تحديًا لأساس النظام الدولي ذاته.
والأهم من ذلك أنه يقارن بين كيفية احتفاظ
الدول الخمس دائمة العضوية باستقلالها، في حين يُطلب من الدول الأضعف
الامتثال لتوجيهات الأمم المتحدة تحت ستار التنمية، ما يؤثر في نهاية
المطاف على ديناميكيات القوة لصالح الدول الخمس دائمة العضوية.
إنهاء الاستعمار في مجلس الأمن يتطلب الالتزام بمعالجة المظالم التاريخية واختلال توازن القوى التي شكلت بنيته الحالية
وبينما تواجه الأمم المتحدة مشاكل صعبة مثل
تغير المناخ وتدهور الصحة العامة والصراعات في السنوات الخمس والسبعين
المقبلة، فإنه من الواضح أن المنظمة سوف تواجه فجوة متزايدة الاتساع في
التمثيل والتنوع الاقتصادي.
وتجاهل مجلس الأمن، الذي تم إنشاؤه لتسهيل
التعاون بين القوى الكبرى بدلاً من ضمان التمثيل الديمقراطي العالمي، في
البداية الموروثات الاستعمارية والالتزامات الأخلاقية، وهو ما أدى إلى
تعقيد مهمته منذ البداية.
وتتطلب الدعوة إلى إنهاء الاستعمار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مراجعة جوهرية لبنيته الهيكلية.
ويقترح أنصار الإصلاح مثل هانا رايدر وآنا
بيش وأوفيجوي إيجويجو إلغاء العضوية الدائمة، ونقل جميع مقاعد مجلس الأمن
الخمسة عشر إلى مناصب مؤقتة تخضع لإعادة الانتخاب كل خمس سنوات.
وهذا من شأنه أن يضمن الاستمرارية مع منع الهيمنة لفترة طويلة، وتعزيز تكافؤ الفرص لكل مقعد من خلال المنافسة غير الإقليمية.
ويقترحون أيضا أن القدرة على استخدام حق
النقض ضد القرارات نيابة عن الآخرين، وهي ميزة يتمتع بها مجلس الأمن، ينبغي
اكتسابها بشفافية على أساس المسؤولية والقدرة الواضحة.
ومع ذلك فإن الإصلاح الطموح لمجلس الأمن
التابع للأمم المتحدة يواجه عقبات كبيرة، إذ من غير المرجح أن يؤيد الأعضاء
الخمسة الدائمون الإصلاحات التي تتحدى سلطاتهم وهيمنتهم الراسخة.
ويؤكد الوجود الدائم للاستعمار في أطر
الحوكمة العالمية، والذي يتجلى بشكل خاص في ديناميكيات السلطة في مجلس
الأمن التابع للأمم المتحدة، كيف أن أصداء الاستعمار الماضي مازالت تؤثر
بشكل عميق على مشهد العلاقات الدولية اليوم وتشكله، وهذه الديناميكية تعيق
تقدم نظام دولي عادل وشامل حقًا.
وبغض النظر عن الشكل الذي قد تتخذه
الإصلاحات، فإن أمرا واحدا يظل واضحا: إذا استمر انعدام المساءلة وعدم
المساواة بلا رادع لمدة تقرب من ثمانين عاماً أخرى، فقد لا يتبقى شيء يمكن
حمايته.
ويختم صديقي تقريره بالقول إن وجود أمم
متحدة قوية وأكثر مرونة وديمقراطية هو أحد السبل الوحيدة لتحقيق ذلك، والتي
من المحتمل أن تقدم حلاً جماعيّا للتحديات التي تنتظرنا.
المصدر :
العرب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة