#
  • فريق ماسة
  • 2023-10-15
  • 6170

تونس تجدد رفضها توطين المهاجرين غير النظاميين على أراضيها

تتواتر تصريحات مسؤولي السلطة في تونس بشأن رفض توطين المهاجرين غير النظاميين على الأراضي التونسية، في ظلّ تمسّك الاتحاد الأوروبي بدعم المقاربة الأمنية وتشديد الحراسة على الحدود، بدل التفكير في حلول جدية تعالج ظاهرة الهجرة في عمقها، وأبرزها المقاربات الاقتصادية والاجتماعية وضخّ الأموال اللازمة لها. لندن - جددت وزارة الخارجية التونسية التأكيد على رفضها توطين المهاجرين غير النظاميين على أراضيها، وحرصها الدائم على التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية، في إطار احترام القوانين التونسية والمعاهدات الدولية المعمول بها.  وتكرر السلطات التونسية من مناسبة إلى أخرى أنها لا تقبل عمليات التوطين، حيث سبق وأن رفض الرئيس قيس سعيد عملية توطين مهاجرين قادمين من دول جنوب الصحراء في بلاده، مشددا على أن “تونس ليست شقة مفروشة للبيع أو للإيجار”. وأبرمت تونس والاتحاد الأوروبي، في يوليو الماضي، مذكرة تفاهم لإرساء “شراكة إستراتيجية وشاملة”، تركز على مجالات التنمية الاقتصادية والطاقات المتجدّدة ومكافحة الهجرة غير النظامية، وتهدف أيضا إلى مساعدة البلد المغاربي في مواجهة الصعوبات التي يمر بها اقتصاده. محمد العربي العياري: هناك نوع من الابتزاز السياسي تمارسه أوروبا ضدّ تونس ويقول مراقبون إنه بينما تريد تونس حلولا جدية تعالج مشكلة الهجرة في دول الانطلاق، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى دعم الدور الأمني لمنع وصول المهاجرين من تونس إلى أوروبا، وهي مقاربة لا تمتلك مقومات النجاح لأن تونس ستحوّل كل جهودها إلى مهمة مقاومة الهجرة غير النظامية وتترك الاهتمام بقضاياها الأخرى. وقال وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج نبيل عمار إن بلاده “ترفض توطين المهاجرين غير النظاميين على أراضيها”، مؤكدا حرصها على التصدي للظاهرة وفقا لإمكاناتها وضمن احترام المعاهدات الدولية ذات الصلة. وجاء ذلك في لقاء نبيل عمار مع وزير الدولة للهجرة البريطاني روبرت جنريك، وبحث معه ملف الهجرة غير الشرعية، حيث مثّل اللقاء مناسبة للتذكير بالموقف التونسي الخاص بضرورة اعتماد مقاربة شاملة في إطار مواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية، القائمة على معالجة أسبابها العميقة. ووصل الوزير عمار إلى لندن، الخميس، في زيارة ليوم واحد لترؤس وفد بلاده المشارك في الدورة الثانية لمجلس الشراكة التونسي ـ البريطاني في لندن. ومثّل اللقاء “فرصة للإشادة بالمستوى الجيد للعلاقات بين البلدين وتأكيد التطلع المشترك إلى المزيد من تطويرها وإثراء مضامينها في جميع المجالات”، وفق بيان الخارجية. و”تمّ الترحيب بانعقاد الدورة الثانية لمجلس الشراكة التونسي ـ البريطاني واستكمال آليات عمله بالمناسبة، والتأكيد على أهمية متابعة نتائج هذه الدورة بما يمكن من المزيد من الارتقاء بالعلاقات الثنائية”. وانعقدت الدورة الأولى لمجلس الشراكة التونسي ـ البريطاني في يونيو 2021 في لندن. وترفض السلطات التونسية إبرام اتفاقية مشابهة لعقد “توطين” المهاجرين التي وقعتها المملكة المتحدة مع رواندا، وتؤكد أنها لن تسترد سوى التونسيين الذين دخلوا بشكل غير قانوني إلى الاتحاد الأوروبي. كما تسعى من خلال رفض التوطين إلى تحسين شروط التفاوض مع الطرف الأوروبي، ومن ثمة استفادتها من دعم مالي أوروبي أكبر من العرض السابق يساعدها على تخطي الصعوبات المالية والاقتصادية، فضلا عن كسب صوت قوي وداعم لموقفها في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي قد تنعكس سلبا على وضعها الاجتماعي، لكن إلى حدّ الآن لم يظهر الطرف الأوروبي جدية واضحة في التعامل مع الملف الشائك، وظلّ يعتمد حلولا ترقيعية دون معالجة الأسباب العميقة للأزمة. وفي ديسمبر 2016، تم توقيع مذكرة التفاهم في المجال الأمني بين تونس وكل من بريطانيا وإيرلندا الشمالية بهدف تعزيز مجالات التعاون الأمني المشترك. وبوتيرة شبه أسبوعية، تعلن السلطات التونسية إحباط محاولات هجرة غير نظامية إلى سواحل أوروبا وضبط المئات من المهاجرين، من تونس أو دول أفريقية أخرى. ويرى متابعون للشأن المحلي أن تونس تتعرض لضغوط أوروبية متصاعدة وابتزاز لممارسة المزيد من الرقابة على شواطئها ومنع مغادرة قوارب الهجرة. ويضيف هؤلاء أنه بدلا من تطوير الاقتصاد وجلب الاستثمارات وتحسين الخدمات يصبح شعار الحكومة التونسية بناء منظومة أمنية قوية للتصدي لموجات اللاجئين. ولن تقدر على ذلك ولو حرصت، لأن القضية في أصلها ليست أمنية، وأعداد اللاجئين ستتكاثر وتتضاعف مرات ومرات، حتى لو نهضت تونس وليبيا والجزائر والمغرب ومصر بأدوار كبير في منع مرور اللاجئين بأراضيها. وقال الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العيّاري إن “رفض تونس لتوطين المهاجرين، يأتي من منطلق السيادة الوطنية، لأن ترتيب عملية إعادة المهاجرين إلى دولهم الأصلية، تمت صياغته دون إشراك الجانب التونسي، وتم إعلام تونس بضخ حزمة بالتمويلات الضخمة”. وأكّد لـ”العرب”، “لو نتمعّن جيدا في مذكرة التفاهم المبرة بين تونس والاتحاد الأوروبي، سنلاحظ أنها خارطة طريق مفاوضات أكثر من كونها وثيقة تقدم حلولا لمعالجة ظاهرة الهجرة”. واعتبر العياري أن “هناك نوعا من الابتزاز السياسي يمارسه الاتحاد الأوروبي ضدّ تونس، بمنطق أن هذه الدول يمكن أن تتدخل في ملف المالية العمومية، وهو ابتزاز مالي واقتصادي يأخذ صبغة سياسية”، لافتا إلى أن “تونس هي منطقة عبور، وهناك عدم جدية في التعامل الأوروبي مع الهجرة، لأنه يراد لتونس أن تكون نوعا من جدار الصدّ في حماية الحدود الجنوبية، كما أن أوروبا لم تطرح هذا الملف الشائك مع الجزائر وليبيا”. رضا الشكندالي: من المفروض أن تكون تونس في موقف قوة وتدرك ماذا تريد وفي شهر أغسطس الماضي، طالبت تونس المفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين بضرورة دعم الهلال الأحمر التونسي في جهوده تجاه المهاجرين غير النظاميين، وهو ما جاء في بيان وزارة الداخلية التونسية خلال لقاء جمع وزير الداخلية كمال الفقي برئيسة المفوضية مونيكا نورو. وخلال اللقاء، أكد الفقي أن “تونس لها تقاليد في الإحاطة بالوضعيات الإنسانية التي تتطلب عناية واهتماما، وخاصة مجهودات الأمن التونسي في عمليات النجدة والإنقاذ وحسن معاملة المهاجرين غير النظاميين”. وأفاد أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي بأن “هناك إصرارا أوروبيا على التفاوض مع تونس حول مسألة الهجرة، لكن عليه أن يتوصل إلى حلول هو في أمس الحاجة إليها، ومن المفروض أن تكون تونس في موقف قوة وتدرك ماذا تريد، أو على الأقل تحويل الديون إلى استثمارات حقيقية”. وأكّد لـ”العرب” أن “الاتحاد الأوروبي لا يثق في قدرة تونس على الحدّ من تدفق المهاجرين، ويريد أن يتدخل مباشرة في هذه العملية، لكن لا يمكن للمقاربة الأمنية أن تتم إلا بتدخل أطراف أخرى في مذكرة التفاهم مثل ليبيا والجزائر”. وأضاف الشكندالي “أهم عنصر في المذكرة هو دعم الميزانية العمومية، ولكن لم نر التزاما أوروبيا واضحا إلى حد الآن، وكان على تونس ألاّ تمضي الاتفاق منذ البداية إلا بضمان التزام أوروبا بحلّ الأزمة”. وفي تصريحات سابقة، قال الرئيس التونسي قيس سعيد إن بلاده “لا تقبل أن يقيم على أراضيها من لا يحترم قوانينها، ولا أن تكون دولة عبور (باتجاه أوروبا) أو أرض توطين لمواطني دول أفريقية معينة”. وذكر سعيد أن “هناك شبكات إجرامية مسؤولة عن عمليات الهجرة غير النظامية إلى صفاقس (جنوب)”، بحسب بيان للرئاسة التونسية حينها.


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة