دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
على الرغم من أن العديد من الخبراء والمتابعين ما زالوا يعتقدون أن الوجود
الأميركي في المنطقة هو وجود رمزي يهدف إلى الحفاظ على المصالح الأميركية
فقط، وعلى الرغم من أن آخرين يرون أن العدد الدائم للجنود الأميركيين في
المنطقة لا يعطي الولايات المتحدة أي فرصة للقيام بأعمال عسكرية واسعة،
وأنه يمثل وجوداً مؤقتاً وطارئاً، ولا توجد رغبة لدى صناع القرار في واشنطن
في أن يصبح دائماً ومُستداماً، إلا أن الحقيقة تبدو مختلفة تماماً.
إذ يُظهر الواقع أن هناك رغبة واضحة للولايات المتحدة في البقاء في
المنطقة، وذلك حتى وإن كانت بأقل عدد من الجنود، وخصوصاً مع وجود حلفاء
إقليميين ومحليين قادرين على تحمل نفس الدور الذي تقوم به القوات
الأميركية.
تم تأكيد هذه الرغبة من خلال التصريحات الأميركية الأخيرة، بما في ذلك
تصريح رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي خلال زيارته
للأردن في أوائل سبتمبر الحالي، حيث أكد أن منطقة الشرق الأوسط مهمة جداً
للولايات المتحدة ولا يمكن تصور انسحابها منها.
وبالإضافة إلى ذلك، تشير المؤشرات إلى أن الولايات المتحدة لن تكتفي
بالبقاء في المنطقة فحسب، بل ستعمل أيضاً على تحقيق تحولات استراتيجية على
مستوى الإقليم، وذلك من خلال توسيع علاقاتها مع مختلف الأطراف والأعراق،
وبخاصة في المناطق الساخنة مثل شرق وشمال شرقي سورية، وغربي العراق،
والسودان، ودول أخرى في المنطقة.
ويبدو أن كل هذه الجهود تخدم مشاريع تقسيم المنطقة التي تقوم واشنطن
بتنفيذها بمساعدة الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية، ولا سيما الدول
الخليجية التي تموّل العديد من المشاريع ذات العناوين المتعددة.
بالإضافة إلى التصريحات والمواقف المعلنة، يمكن أيضاً ملاحظة وجود عدد من
الإجراءات الميدانية التي تشير إلى وجود تطور محتمل في المنطقة، وخصوصاً في
المنطقة الحدودية بين العراق وسورية.
هذه المنطقة تعتبر حيوية بالنسبة للعديد من الأطراف الإقليمية، وقد تشهد
تحولات كبيرة خاصة مع التحركات الأميركية الغامضة والتي تتضمن إرسال قوات
من العراق إلى سورية ونصب بطاريات مدفعية طويلة المدى وإنشاء قواعد جديدة
في مناطق مختلفة.
هذه الخطوات تثير تساؤلات حول أهداف الولايات المتحدة في المنطقة وتنبؤات بتحولات دراماتيكية محتملة.
إلى جانب ذلك، تزيد الطلعات الجوية للطائرات المسيّرة الأميركية في المنطقة
من التوتر، حيث تجري طلعات طويلة فوق المناطق الحدودية ومحاذاة لمناطق
سيطرة الجيش السوري في دير الزور وريفها.
يعتقد معظم المراقبين أن هذه الإجراءات الأميركية تشير إلى أهداف أوسع
وأكثر تعقيداً من مجرد الوجود الرمزي في المنطقة، وتقدم توقعات بأن هناك
استراتيجية محددة وأهداف حيوية تؤثر على جغرافيا المنطقة.
نظرًا لأهمية المنطقة للعديد من الأطراف والدور الاستراتيجي والحيوي الذي
تلعبه بالنسبة لعدة جهات في الإقليم، لا سيما بالنسبة لدول محور المقاومة،
وبخاصة الجمهورية الإسلامية في إيران، فإنها تسعى جاهدة لإقامة طرق برية
آمنة ومستدامة تربطها بسواحل البحر الأبيض المتوسط. يهدف ذلك إلى تعزيز
التجارة الإيرانية وتسهيل نقلها من وإلى مناطقها عبر الأراضي العراقية
والسورية، مما يمكن أيضًا من استخدام هذه الطرق لتوريد السلاح إلى الحلفاء
السوريين وحزب الله في لبنان.
هذا الهدف يعتبر الأهم، وفقًا لمصادر أمريكية وإسرائيلية، وهو وراء جهود فتح هذه الطرق.
وبناءً على ذلك، يمكن أن تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية تحركاتها
العسكرية لمراجعة مجموعة من الأهداف في إطار تصاعدها التوتري مع إيران
وغيرها.
حتى لو لم تصل إلى التصعيد المباشر حتى الآن، إلا أنها قد تستخدم هذه
التحركات لتحقيق بعض الأهداف التي تتماشى تمامًا مع مصلحة إسرائيل. زيادة
حجم الأسلحة التي تصل إلى حزب الله، بالنسبة لإسرائيل، تُعتبر تهديدًا
كبيرًا لأمنها.
لذلك، يمكن أن نفترض أن هناك مجموعة من الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها، على الأقل جزءًا منها :
1-مكافحة الهجمات الصاروخية واستخدام الطائرات المسيرة : لاحظنا زيادة في
هجمات الصواريخ خلال السنوات الأخيرة، والتي تستهدف القواعد العسكرية
الأمريكية في شرق الفرات، وخاصة في منطقة التنف.
وقد حاولت مجموعات تابعة لمحور المقاومة شن هجمات على مواقع أمريكية أخرى
تحمي حقول النفط والغاز، خاصة في حقل العمر، أكبر حقول النفط السورية.
هذا الوضع يشير إلى أن القوات الأمريكية تواجه تحديات متزايدة قد تتطور إلى حرب استنزاف.
2-دعم الجهود التفاوضية : هناك مفاوضات جارية بوساطة عمانية تهدف إلى تقليل
التوترات في المنطقة وتهيئة الأجواء لحل القضايا العالقة، بما في ذلك
القضية السورية.
ولأن الوجود الأمريكي والتركي في سورية يعتبران عائقًا للحل، فإن الولايات
المتحدة تسعى لزيادة الضغط على إيران وسورية من أجل تحقيق مصالحها وتحقيق
تقدم في الجلسات التفاوضية.
3-انقطاع الطرق البرية : هذا السيناريو خطير ويمكن أن يؤدي إلى حرب كبيرة بين الولايات المتحدة وإيران.
إغلاق الحدود البرية بين العراق وسورية سيكون تصعيدًا خطيرًا ويمكن أن يؤدي إلى تصاعد التوتر بين الجانبين.
يعني ذلك انقطاع التواصل بين إيران وحلفائها في سورية ولبنان، مما يؤثر على تجارتهم وإمداداتهم بالسلاح.
وهذا يمكن أن يكون الهدف الحقيقي من وراء التحركات الأمريكية.
4-إقامة قوة عربية سنية : تبدو هناك محاولة من الولايات المتحدة لإنشاء قوة
عربية سنية مسلحة وقوية في شرق الفرات، تلعب دورًا في السيطرة على الحدود
السورية العراقية.
تهدف هذه القوة إلى تعزيز التنسيق مع القبائل العربية السنية وإعطائها دورًا مهمًا في السيطرة على أجزاء من المنطقة.
بينما يمكن أن تنجح الولايات المتحدة في تنفيذ هذا المخطط الخطير إذا ما تحققت التوقعات، إلّا أن الأمور لن تكون سهلة على الإطلاق.
هناك العديد من الأطراف التي تختلف تمامًا مصالحها مع الموقف الأمريكي ولن تقبل بتنفيذ هذا المخطط مهما كلّف ثمنه.
أحد هذه الأطراف هو الجانب الإيراني، الذي يمتلك تواجداً عسكرياً مباشراً
أو عبر حلفاء قريبين في العديد من المناطق بالبادية السورية، وبشكل خاص في
مناطق دير الزور والحسكة.
تشير بعض المصادر إلى وجود أكثر من 15 ألف مقاتل تابع لإيران أو لحلفائه قرب دير الزور ومناطق أخرى.
العقبة الثانية هي وجود القوات الروسية، التي تحمل شرعية قانونية في سورية.
روسيا لعبت دورًا حاسمًا في مساعدة حلفائها في الحفاظ على استقرار سوريا ومنعها من الانهيار أمام المجموعات الإرهابية.
بالتالي، فإنه من غير المرجح أن تسمح روسيا بتغيير استراتيجيات المنطقة لصالح الولايات المتحدة.
إلى جانب إيران وروسيا، هناك أيضًا مصلحة الحكومة السورية التي قدمت
التضحيات الجسيمة لاستعادة الشريط الحدودي مع العراق ومنع فرض حصار على
الشعب السوري.
من منظور استراتيجي أوسع، يجب أن ننظر إلى هذه التحركات الأمريكية على
الحدود السورية العراقية كجزء من مشروع استعماري أكبر في المنطقة، يستهدف
الاستقرار والأمان في الإقليم.
يبدو أن هذا المشروع يخدم أولاً وقبل كل شيء مصالح الكيان الصهيوني في المنطقة.
وتشير الأحداث في لبنان، ومشروع بناء مدن وصناعات في العريش بجوار قطاع
غزة، وموضوع حقول الغاز قبالة سواحل غزة، والحرب في السودان، ومحاولات
زعزعة استقرار دولة مصر وغيرها إلى أن الولايات المتحدة ما تزال تمتلك
العديد من أدواتها للحفاظ على عدم الاستقرار في المنطقة وتحقيق مصالحها
الاستراتيجية.
المصدر :
الميادين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة