دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
فاق الارتفاع المتتالي لأسعار السلع الغذائية
حتى الاستراتيجية قدرة الأفراد على الاحتمال، وخاصة في ظلّ استحواذ تكلفة الغذاء على
الجزء الأكبر من إنفاق القطاع العائلي، وقد انعكست تلك الموجات على ميزانية الأسرة
بشكل مباشر، فأصبح من الصعب إدارة تدفقات الدخل والإنفاق على المدى القصير، فضلاً عن
أنها أثرت في المستويات الاجتماعية لجميع المواطنين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية.
وخلال الآونة الأخيرة ارتفعت الأسعار بشكل
جنونيّ، ما أدى إلى كثير من الأزمات للحكومات والشعوب التي تعتمد اعتماداً أساسياً
عليها، وقد تراكمت الأسباب العالمية التي دفعت أسعار الغذاء إلى هذا الارتفاع الجنوني
خلال الفترة الحالية، علماً أن هذه الأزمة لا ترتبط حصراً بالحرب الروسية على أوكرانيا،
ولا بالأزمات المحلية في الدول فقط ولا بسياسات اقتصادية، لكن لأنه قد تمّ إهمال الزراعة
في عدد من دول العالم لتستبدل الاكتفاء الذاتي بالاستيراد، الأمر الذي زاد من الضغوط
الاجتماعية، ورفع من مستويات الفقر والعوز.
والمشكلة لا تكمن في زيادة أسعار هذه المواد
فحسب، بل في بقائها مرتفعة على الرغم من تراجع أسعار الغذاء على الساحة الدولية في
الآونة الأخيرة. فوفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، انخفضت
هذه الأسعار إلى أدنى مستوى لها في عامين، مع التراجع الحاد في أسعار الزيوت النباتية
والحبوب ومنتجات الألبان، مع ارتفاع بسيط في أسعار اللحوم والسكر. وبحسب المنظمة، فإن
الأسعار تراجعت في نيسان الماضي 20.5% من ذروتها قبل عام. أي أن الوقت بات مناسباً
لتخفيض أسعار السلع الغذائية، بعد فترة أنهكت الأسر حقاً في هذا المجال.
لكن من الواضح أن مسألة ارتفاع أسعار السلع
لن تحول دون تدخل الجهات المشرعة هنا وهناك، للضغط على القائمين على الأسواق بخفض أسعار
ما يبيعون من مواد غذائية، دون الإضرار بأرباحهم. وهذا ما تفعله –مثلاً- الحكومة الفرنسية
حالياً، التي وجهت أخيراً تحذيراً إلى كبرى شركات الغذاء في البلاد، بضرورة خفض أسعار
مئات المنتجات ابتداء من الشهر المقبل تموز. وهذه الخطوة لاقت بالفعل تفاعلاً من مجموعة
من الشركات على الساحة الفرنسية، ما يعزّز الحراك الحكومي بإيصال الأسعار عموماً إلى
مستويات تخفف ولا تزيل الضغوط المعيشية على الأسر. فإزالة هذه الضغوط تماماً، تتطلب
مزيداً من الوقت، للسيطرة على التضخم الذي بلغ مستويات عالية في الاقتصاديات حتى المتقدمة
ومن بينها فرنسا.
النقطة الأهم هنا، هي أن تقوم شركات الأغذية
بخفض أسعار سلعها تماشياً مع التراجع الواضح لأسعار المواد الغذائية على الساحة العالمية،
فضلاً عن تراجع الضغوط كثيراً في مجال سلاسل التوريد. لكن يبدو واضحاً أنه ينبغي على
الحكومات التحرك من أجل دفع الشركات لقبول مستويات جيدة من الأرباح بعيداً عن الجشع
والأرباح غير المستحقة. بالطبع الأمر يختلف بين مكان وآخر في هذا المجال، لكن الحكومة
الفرنسية هدّدت بالفعل بعقوبات على الشركات التي لا تلتزم بالخفض في غضون أسابيع قليلة.
والحق، أن الأوضاع المعيشية حتى في الدول المتقدمة بلغت حداً، زاد عدد ما يُسمّى بـ”بنوك
الطعام”، التي توفرها الجمعيات الخيرية والمتبرعون الأفراد، حتى بعض محال التجزئة الكبرى،
التي منحت مساحات لمن يودّ التبرع بأي مادة غذائية.
أسعار المواد الغذائية تمثل الهمّ الأكبر
لأي حكومة، لأنها مرتبطة مباشرة بالحياة اليومية للمواطن. وفي ظل وصول أسعار المستهلكين
أصلاً إلى مستويات تخطّت المستويات المعقولة في كثير من الدول كان يجب التحرك لتخفيف
الضغوط. ولا شك في أن أرقام منظمة الأغذية العالمية الأخيرة، وفرت “سلاحاً” للمسؤولين
في مواجهتهم لشركات الغذاء في ساحاتهم المحلية. فلا يمكن قبول أسعار مرتفعة لسلع انخفضت
أسعارها من المصادر، والسؤال الكبير أين حكومتنا مما يحدث؟!!.
المصدر :
البعث
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة