#
  • فريق ماسة
  • 2023-06-10
  • 7543

اختفاء نهري دجلة والفرات… أزمة التغير المناخي تهدد المنطقة!

تعمل الحكومة العراقية على معالجة شح المياه الذي تعاني منه البلاد، وانتشرت أخيرًا صور وصفت بـ”المفزعة” تظهر استمرار انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات، وهو القضية التي باتت تمثل قلقا كبيرا في البلد الذي شهد أولى الحضارات الإنسانية، والتي كانت الزراعة بسبب توفر المياه العذبة أساس نشأتها وتطورها. الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر قاع نهري دجلة والفرات في بعض المناطق، خاصة في المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية، لدرجة تمكن الشخص من المرور على قدميه من ضفة إلى أخرى بينما كان ذلك مستحيلا من قبل ويحتاج إلى جسور وقوارب ليعبرهما. ويهدد نقص كميات المياه نسبة كبيرة من المواطنين الذين يعملون في الأراضي الزراعية، علاوة على إمدادات المياه لباقي القطاعات، وتزايدت الدعوات لجلسات النقاش والتفاوض بين الأطراف المشتركة في تلك الأزمة والمتمثلة في تركيا وإيران وسوريا والعراق. حجم الكارثة وفقا للتقديرات، يحتاج سكان العراق نحو 71 مليار متر مكعب من المياه، ومن المتوقع أن تنخفض المياه السطحية إلى 51 مليار متر مكعب سنوياً بعد إكمال كل مشاريع السدود خارج الحدود.   ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لجميع الاحتياجات، كحد أدنى، نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما يحتاج العراق إلى 70 مليار متر مكعب لتلبية احتياجاته، وتقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب. وانخفض تدفق المياه خلال السنوات الماضية، سواء القادمة من تركيا أو إيران، حيث تشكل مياه نهري دجلة والفرات، التي تأتي من تركيا ما نسبته 70% من مجموع الثروة المائية العراقية، فيما تشكل نسبة المياه الواردة من إيران عبر عدد من الأنهار الصغيرة نحو 12%، في حين تأتي النسبة المتبقية من الأمطار والبحيرات الصناعية والخزانات المائية والمياه الجوفية. وشهدت الأهوار خلال السنوات الماضية ما بين عامي 2003-2018، تراجعاً كبيراً في منسوب المياه حتى أصيبت بجفاف كبير، الأمر الذي أدى إلى نفوق آلاف الحيوانات والأسماك، وهجرة السكان المحليين بعيداً بحثاً عن مصادر المياه. وكذلك انخفض الإيراد في سد دربندخان في محافظة السليمانية في كردستان العراق، وأيضا سد دوكان في المحافظة نفسها والتي وصلت نسبة الانخفاض فيه إلى 70%. وتعد ديالى الأكثر ضرراً بين المحافظات العراقية كونها من المحافظات الزراعية المهمة ومصدر إروائها يعتمد على نهر ديالى سيروان بنحو 80%، وكذلك نهر دجلة بنحو 19-20%. أسباب الأزمة وبحسب وزارة الموارد المائية العراقية، تعود أزمة المياه في البلاد إلى أكثر من سبب؛ التغيرات المناخية واحتباس الأمطار وضعف الغطاء الثلجي، فضلا عن الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة. وأشارت إلى عوامل أخرى غير مباشرة أثرت منها التوسع السكاني الكبير على الأنهار خاصة لدول المنبع. وأكدت أن من بين الأسباب كذلك التوسع في إنشاء السدود الخزنية الكبيرة والمشاريع الإروائية واستغلال الأراضي وجميعها عوامل أدت إلى زيادة استهلاك المياه وبنسب كبيرة ما أثر على نوعية المياه الواردة للعراق. ويعاني العراق بشدة من نقص المياه، خاصة بسبب سد إيليسو التركي الذي بُني عند منبع نهر دجلة، والسدود التركية الأخرى التي بنيت على روافد أصغر. وتحملت البلدان المجاورة لتركيا تبعات نقص المياه الناتج عن قيام تركيا بناء السدود على نطاق واسع لتأمين المياه للزراعة والطاقة الكهرومائية، خاصة سد إيليسو الذي بُني في أعلى مجرى نهر دجلة في تركيا، وكذلك السدود التركية الأخرى التي بنيت على روافد أصغر. وسد إيليسو ثاني أكبر سد في تركيا بعد سد أتاتورك على نهر الفرات، والذي اكتمل بناؤه عام 1990. تحذيرات أممية حذرت منظمات ومؤسسة أممية من مستقبل العراق مع انخفاض وشح المياه في البلاد. فوفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي” لعام 2019، فالعراق سيكون أرضاً بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن تصل مياه النهرين إلى المصب النهائي في الخليج. وفي تصريحات سابقة قال رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بغداد، آوكي لوتسما، إن “العراق بلغ بين عامي 2021 و2022، مستوى قياسيا في الجفاف وارتفاع درجات الحرارة الشديد والذي بلغ 54 درجة مئوية/ 130 درجة فهرنهايت، سجلت في الجنوب”.   وأضاف أن العراق “يتلقى مياها أقل من قبل، من حوالي 30 مليار متر مكعب في عام 1933 إلى حوالي 9.5 مليار اليوم”. وأشار إلى أنه من المتوقع أن يصل نصيب الفرد من المياه إلى 479 متراً مكعباً بحلول عام 2030، وهو مقدار بعيد كل البعد عن معيار منظمة الصحة العالمية البالغ 1700 متر مكعب سنويا، مما يهدد الأمن الغذائي والحياة والتنمية. تأثير شح المياه في العراق ينعكس شح المياه في العراق على جميع المجالات الزراعية والسمكية والصناعية، وبالتالي على حياة ملايين البشر، وفي تصريحات سابقة لرئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، أكد في مارس/آذار الماضي، أن سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي. وأشار إلى أن التغيرات المناخية هددت الأمن الغذائي والصحي والبيئي والأمن المجتمعي، ودفعت بمئات الألوف للنزوح. ومن جانبها أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية تجفيف 297 بحيرة أسماك، لمواجهة شح المياه بعد انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات، وبلغ إنتاج العراق من الأسماك نحو 800 ألف طن خلال عام 2022، منها 100 ألف طن من المزارع المرخصة، و700 ألف طن من المزارع غير المرخّصة. وبحسب وزارة الزراعة العراقية، فقدت البلاد ما يقرب من مليوني و747 ألف دونم (الدونم 1000م مربع) من الغطاء النباتي خلال الأعوام العشرة الماضية. ومن جانبها أعلنت وزارتا الزراعة والبيئة في العراق، من أن البلاد تفقد سنويا 100 ألف دونم، جراء التصحر، كما أن أزمة المياه تسببت بانخفاض الأراضي الزراعية إلى 50% وفق تصريحات رسمية أخيرة. ووفقا لوزارة الزراعة، فإن مساحة الأراضي المزروعة بالقمح والشعير خلال عام 2022، تراجعت من 11 مليونا و600 ألف دونم إلى أقل من 7 ملايين دونم، وهي أقل نسبة زراعة للمحصولين منذ سنوات طويلة. المياه ملف سيادي ولخطورة ملف المياه في العراق، أعلنت الحكومة في مارس الماضي، نقل ملف المياه من الجانب الفني إلى الحوار الدبلوماسي المباشر كملف سيادي وعلى أعلى المستويات. وأشار البيان إلى أن الحكومة جعلت من ملف المياه ملفاً سيادياً وأعطته الصبغة الدولية من خلال الانضمام للاتفاقيات الدولية الخاصة بالمياه لتعزيز موقف البلاد التفاوضي والإسهام في حل أزمة المياه. ولفت إلى أن الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، حذر خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمياه في نيويورك من خطورة الوضع المائي ومؤشرات الجفاف المتصاعدة في البلاد، وكذلك شدد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تطرق لملف المياه خلال زيارته إلى تركيا على “ضرورة تقاسم الضرر”. ويحتاج العراق إلى استثمار 180 مليار دولار على مدى العقدين المقبلين في البنية التحتية وبناء السدود ومشاريع الري. بحسب البنك الدولي، وأطلقت الحكومة الحالية مبادرة كبرى لزراعة 5 ملايين شجرة ونخلة في عموم محافظات العراق، بينما كانت الحكومة السابقة صرحت أن العراق بحاجة إلى نحو 14 مليار شجرة للحد من التصحر الذي وصل إلى مراحل متقدمة مع اندثار بساتين النخيل. ورغم ذلك ترفض وزارة الموارد المائية العراقية ما وصفتها بـ “النظرة السوداوية” للتقارير الأممية، حول المستقبل المائي في العراق”. وأكدت أن “المخزون الاستراتيجي ارتفع بنسبة 35% من بداية شهر نوفمبر/ تشرين ثاني مقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبقه”. محاولات لحل المشكلة وعقد في العراق، الشهر الماضي، النسخة الثالثة من مؤتمر بغداد الدولي للمياه، والذي حمل شعار “شح المياه، أهوار وادي الرافدين، بيئة شط العرب، مسؤولية الجميع”. وقال خلاله رئيس الوزراء العراقي إن “انخفاض مناسيب مياه نهري ‏دجلة والفرات يستدعي تدخلا دولياً عاجلا، نحتاج فيه الى جهود جميع الأصدقاء لمساعدة العراق في ‏ضمان أمنه المائي ومستقبل أجياله”. ولفت إلى عزم الحكومة العراقية على الإقدام على خطوة تحلية مياه البحر، مشيرًا إلى أن “شح المياه يعد تهديدا لثقافة وحضارة العراق، وتهديدا لنهري دجلة والفرات، اللذين بنيت حولهما أهم حضارات العالم”، وفقا لقوله. وأشار إلى أن من بين المعالجات الأساسية المتخذة لعلاج أزمة شح المياه، ضبط الخطة الزراعية الشتوية، من خلال إدخال الوسائل الحديثة للري”، مبينًا أن “الخطط الزراعية المقبلة ستقتصر على المزارعين المستخدمين لوسائل الري الحديثة”. وقالت ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت أخيرا، إن هناك حاجة ملحة من أجل التوصل لحلول لأزمة المياه في العراق. وأضافت المسؤولة الأممية: “علينا أن نتحرك جميعا من أجل وضع الحلول وأن العراق لا يستطيع أن يفعل ذلك بمفرده”. وشددت على أن العراق بحاجة إلى دعم المنظمات الدولية أو المؤسسات المالية الدولية أو دول الجوار وغيرها. ولفتت بلاسخارات إلى وجود العديد من الوكالات والتمويل والبرامج التي تهدف لمساعدة العراق على التخفيف من تداعيات التغير المناخي والتكيف معه.


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة