دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الدكتور إيهاب أبو الشامات - مستشار تحكيم دولي معتمد سيعتبر عام ٢٠٢٣ عاماً مشهوداً في تاريخ
العدالة الدولية حيث سقط القناع عن مبدأ الذي تدعيه الولايات المتحدة الامريكية ألا
وهوالمحافظة على سلامة وأمن الشعوب، وبات واضحاً أن العقوبات التي فرضتها على سورية هي في الحقيقة عقوبات على الشعب السوري
الذي لم يتماشى مع مصالحها وأهدافها، وبالتالي عليه دفع ثمن ذلك بكل الوسائل والطرق
حتى ولو كانت على حساب المبادىء والقيم الدولية والأخلاقية والانسانية ، ولاشك أن الزلزال الذي وقع في سورية فجر يوم السادس
من شباط ٢٠٢٣، أتى ليكشف للرأي العام العالمي مدى الاستهتار التي تقوم به الإدارة الامريكية
بحق الشعب السوري، هذا الاستهتار الذي يرتقي لمفهوم جريمة الإبادة الجماعية الدولية
بحق الشعب السوري. "سقوط القناع عن العقوبات الأمريكية" في بداية يجب الإشارة بأن الأوامر التنفيذية الصادرة
من وزارة الخزانة الأمريكية بحق الجمهورية العربية السورية والتي تدعى (عقوبات اقتصادية)،
هي من حيث المبدأ لا تعرف كعقوبات دولية، لأن الجهة المنوط بها إصدار العقوبات الدولية
وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، هو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وهو الوحيد الذي لديه
الحق بتفويض من المجتمع الدولي بتطبيق العقوبات وفقا (للمادة ٤١) التي يجب أن تلتزم
بها جميع دول الأعضاء في الأمم المتحدة وفقا (للمادة ٢،٢). وتعتبر هذه العقوبات بمثابة
أقوى الوسائل السلمية للمجتمع الدولي لمنع التهديدات للسلم والأمن الدوليين أو لتسويتها.
اذاً يجب عدم الخلط بين عقوبات الأمم المتحدة والأوامر التنفيذية الصادرة عن وزارة
الخزانة الامريكية والتي تدعى (العقوبات الاقتصادية الأحادية التي تفرضها الإدارة الأمريكية
على سورية) "حقيقة العقوبات الامريكية" الركن المادي لجريمة الإبادة الجماعية قائم على
توافر أحد الافعال التي وردت في المادة الثانية من الاتفاقية وينطبق على العقوبات الأمريكية
المفروضة على سورية الفقرة ( ج) التي نصت : (( أن يتم إخضاع أفراد الجماعة إلى ظروف
صعبة، ويكون القصد منها وقوع وحدوث الهلاك أو التدمير سواء أكان كلياً أو جزئياً
)) وعليه تعتبر الأوامر التنفيذية التي تتضمن عقوبات اقتصادية على سورية التي صدرت
منذ عام 1979، حين بررت الخارجية الأمريكية
في حينها بأن الحكومة السورية بقيادة الرئيس المؤسس «حافظ الأسد» تقوم بدعم القضية
الفلسطينية، وكانت تلك العقوبات سبباً في تراجع اقتصادي كبير في سورية، أعقبه تغييرات
كبرى في النظام الاقتصادي السوري سعياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي، لمحاولة تجنيب الشعب
السوري خطر الإبادة الجماعية، ومع مرور السنوات فرضت الحكومة الأمريكية سلسلة من العقوبات
الاقتصادية على سورية وتشمل هذه العقوبات: عقوبات التصدير وعدم الأهلية لتلقي معظم
أشكال المساعدة الأمريكية أو شراء المعدات العسكرية الأمريكية وكانت هناك سلسلة من
الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس جورج دبليو بوش والتي تتضمن الأوامر التنفيذية
ذات الارقام 13315، 13224، 13382، 13338، 13399، 13441 , 13460. هذه العقوبات مفروضة
على بعض المواطنين أو الكيانات السورية كلها تهدف الى تجويع الشعب السوري. وفي عام
2004 تم سن مجموعة جديدة من العقوبات الاقتصادية بموجب الأمر التنفيذي رقم 13338. وأيضاً
في عام 2010 جدد الرئيس باراك أوباما هذه المجموعة من العقوبات ضد سورية، وتم معاقبة
20 مواطنًا سورياً، وفي عام 2011 قامت وزارة الخزانة الأميركية بإضافة المصرف التجاري
السوري المملوك للدولة والمصرف التجاري السوري اللبناني التابع له في بيروت إلى قائمة
سوداء تضم شركات جمدت أصولها إلى جانب شركة سيرياتيل، وأيضاً في عام 2011 صدر الأمر
التنفيذي رقم 13582 الموقع من قبل الرئيس أوباما بتجميد جميع أصول الحكومة السورية،
ومنع الأشخاص الأمريكيين من الانخراط في أي صفقة تشمل الحكومة السورية، وحظر واردات
الولايات المتحدة من البترول أو المنتجات النفطية ذات الأصل السوري، وحظر الولايات
المتحدة للأشخاص الذين لديهم أي تعاملات تتعلق بالمنتجات النفطية أو البترولية السورية
ويعتبر هذا بداية الحظر الأمريكي الشامل على سورية، وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول
2011 بدأت وزارة الخزانة الامريكية بهندسة مسار الهجمات المالية وطورتها للضغط على
قوى السوق الاقتصادية العالمية فقامت الدول الاوروبية الحليفة لها بفرض عقوبات اقتصادية
بحيث تستفيد من القطاع المصرفي العالمي ومصالح القطاع الخاص العالمي والشركاء الأجانب
من أجل عزل سورية ووضعها نهائياً خارج المجتمع الدولي والسعي إلى خرابها وموت شعبها
وذلك وصولا للانهيار الكامل، وبدأت هذه الحقبة بعهد باراك أوباما، واستمرت مع وصول
دونالد ترامب إلى السلطة الذي أقر مزيداً من العقوبات على سورية (وحلفائها) وصولاً
إلى قانون قيصر الذي يجرم «التعاملات المؤثرة» مع الحكومة السورية بأي شكل، سواء على
مستوى الأفراد أو الشركات، وعند بداية دخول القانون حيز التنفيذ في 17/6/2020 انهار
الاقتصاد السوري وتضخم بشكل كبير متأثراً بحملة المقاطعة ووصلت الليرة السورية إلى
أدنى مستوياتها تاريخياً . إن كل هذه الاوامر التنفيذية التي صدرت من الإدارة
الأمريكية أخضعت أفراد الشعب السوري إلى ظروف صعبة ستكون نتيجتها حتماً الهلاك، خاصة
الآن في الظرف الكارثي الذي يمر على الشعب السوري نتيجة الزلزال المدمر والذي كان يحتم
على الإدارة الأمريكية التضامن مع ضحاياه عن طريق رفع القيود الناجمة عن هذه الاوامر
التنفيذية ( العقوبات الاقتصادية)، ولكن اكتفت الإدارة الأمريكية بإصدار قرار من وزارة الخزانة
الأمريكية بشأن تجميد جزئي محدد زمنياً بستة أشهر للعقوبات بحق سورية، تحت عنوان إنساني
نتيجة تداعيات الزلزال، وذلك التفافاً منها على المطالب الدولية بإزالة العقوبات عن
السوريين وخوفاً من المساءلة الجنائية الدولية بجرم الابادة الجماعية، فأقدمت على اتخاذ
خطوات صورية، ويقول حقوقيون دوليون إن واشنطن
علمت بوجود مشروع قرار سيقدّم إلى مجلس الأمن لرفع العقوبات عن سورية، فاستبقت الخطوة
منعاً لمزيد من الإحراج، لكن قرارها لا يرتقي لمستوى الحدث نهائياً حيث لا يشمل النفط
الذي تحتاجه سورية، ولا التجهيزات والمعدات، ولا المواد الطبية. وهذا القرار لا يمنع
من وجود الركن المادي لجريمة الابادة الجماعية بل يؤكد بأن الادارة الامريكية تعلم
يقيناً بتأثير هذه العقوبات على الشعب السوري - الركن المعنوي وهو توافر العلم الكافي
والإدراك لما يقوم به من إجراءات ستؤدي الى وقوع إيذاء كلي أو جزئي بمن صدر بحقهم هذه
الإجراءات، ولا شك بأن الإدارة الأمريكية تعلم علم اليقين بأن هذه الأوامر التنفيذية
( العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية) ستؤدي بشكل لا يقبل الشك لوفاة الكثير من
أفراد الشعب السوري وخاصة الآن بعد كارثة الزلزال، حيث ستعيق بشكل أساسي من دخول المساعدات
الإنسانية لمنكوبي الزلزال وستؤدي بالضرورة إلى زيادة عدد الوفيات نتيجة عدم توافر
المعدات الأساسية لعمليات الانقاذ، والذي يؤكد ذلك السابقة التي حدثت عندما ضرب زلزال
مدينة بم الايرانية عام ٢٠٠٣ فبرغم من العقوبات الاقتصادية والحظر الذي كان مفروض على
الجمهورية الاسلامية الإيرانية، إلا أن الولايات المتحدة الامريكية سارعت لترجمة تعاطفها
مع الشعب الايراني باتصال هاتفي نادر بين واشنطن وطهران أجراه وقتها نائب وزير الخارجية
الامريكي ريتشارد أرميتاج وممثل إيران الدائم لدى الأمم المتحدة محمد جواد ظريف، وعرض
عليه المساعدات الإنسانية، وصرح الجيش الامريكي بأنه تم إنشاء جسر جوي لنقل المساعدات
والمعدات اللازمة من القواعد الأمريكية الخاصة بالإيواء والنقل والتموين في الخليج،
وأيضاً صرح الناطق باسم وكالة الإغاثة الأمريكية بمايلي (( إنه لشرف للوكالة أن تساعد
شعب ايران نيابة عن الحكومة الأمريكية وإن الأمر الآن لا يتعلق بالسياسة ولكن يتعلق
بالإغاثة الإنسانية السريعة)) اذاً الإدارة الامريكية تعي تماماً أن هذه الأوامر التنفيذية
(العقوبات والحظر) يعيق من عمليات الاغاثة
الإنسانية، وسيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع كبير في عدد ضحايا الزلزال، وهناك العديد من
التقارير من منظمات حقوق الإنسان تؤكد أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى جريمة إبادة جماعية
بحق الشعب السوري، فصرح الأمين العام للجمعية الدولية لحقوق الانسان في التاسع من شهر
شباط ((رسالتنا واضحه وجلية بشأن الموقف من هذه الازمة وهي كارثة الزلزال ليست شأناً
سياسياً، وهناك ضرورة لمساعدة عاجلة والقفز على العقوبات المفروضة لأسباب سياسية))،
وأمام إصرار الإدارة الأمريكية على بقاء هذه العقوبات رغم كل هذه المناشدات والبيانات
من منظمات حقوق الانسان يؤكد توفر الركن المعنوي لجريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب
السوري.
المصدر :
دراسة بقلم الدكتور ايهاب ابو الشامات مستشار تحكيم دولي معتمد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة