دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أولوية
الحكومة السورية في المرحلة القادمة يفترض أن تتّجه نحو عكس ما تضمنته التشريعات الاستثمارية
التي أصدرتها على أرض الواقع، وتوفير الضمانات اللازمة للمستثمرين العرب والأجانب.
يذهب
معظم توقعات السياسيين اليوم إلى إمكانية حدوث تطور لافت على صعيد العلاقات السورية
السعودية، بالاستناد إلى 3 مؤشرات أساسية هي:
- الأول يتمثل بالرسالة الخطية التي بعثها وزير الخارجية
الإماراتي لنظيره السعودي بعيد عودته من دمشق، إذ يعتقد كثيرون أن القيادة السعودية
ليست بعيدة عن مضمون الاتصالات الإماراتية بالقيادة السورية، وربما تكون حاضرة فيها
أيضاً، وخصوصاً في ضوء الموقف التركي المستجد حيال العلاقة مع سوريا.
- المؤشر الثاني يتمثل بالأنباء الأخيرة التي تحدثت
عن زيارة جديدة قام بها مدير إدارة الاستخبارات العامة السورية إلى الرياض، فعادة ما
تسبق التطبيع السياسي بين الدول لقاءات وتفاهمات أمنية تنهي الملفات الخلافية بين هذه
الدول وتعالجها.
- المؤشر
الثالث يتعلق بالتطور الإيجابي الذي حققته دمشق في علاقاتها السياسية مع 3 دول خليجية
تعتبر الأقرب إلى الرياض، هي: الإمارات والبحرين وسلطنة عمان. وبحكم ثقل الرياض ومكانتها
في الساحة الخليجية، فإن هذه الدول ما كانت لتذهب بعيداً في علاقاتها مع دمشق، وتصل
إلى مرحلة تبادل سفراء فوق العادة، كما فعلت البحرين مثلاً، لو لم يكن هناك تفهم سعودي
لذلك.
وإذا
كانت وجهة الزيارة العربية الأولى للرئيس الأسد منذ عام 2011 هي الإمارات العربية المتحدة،
وذلك في آذار/مارس 2022، فإن مصادر في دمشق تشير إلى أن الزيارة الثانية للرئيس الأسد
قد لا تخرج عن الخليج أيضاً.
الدعم
المنتظر
وحتى
تتبلور ملامح مستقبل العلاقات السورية السعودية وما يمكن أن تسفر عنه الاتصالات السياسية
بين البلدين، فإنَّ الحالة الشعبية تبدو متشجّعة لسماع خبر مفاجئ كذلك الذي سمعته منذ
أيام، وهو الخبر المتعلق باجتماع وزراء الدفاع في كل من سوريا وروسيا وتركيا، ما يطرح
تساؤلات مهمة، فإذا كانت دمشق الرسمية تسعى من خلف ذلك لكسر عزلتها السياسية والدبلوماسية
وتثبيت شرعية حكومتها، فما الذي ينتظره الشارع الشعبي في سوريا من تحسن العلاقات مع
الخليج؟
ليس
هناك ما يعلو على الفائدة الاقتصادية في نظر المواطنين السوريين، فالأوضاع الاقتصادية
الصعبة التي يعيشونها حالياً، والمتدهورة من يوم إلى آخر، لا يمكن مواجهتها إلا بدعم
خارجي متعدد الأوجه، وهم على قناعة بأن هذا الدعم لن يكون غربياً في هذه المرحلة، بدليل
تراجع ما يخصص للمساعدات الإنسانية والإغاثية على خلفية الحرب الأوكرانية، بل إنه لن
يكون أجنبياً، رغم ما تقدمه طهران، وتالياً فإن الأمل الشعبي يبقى على الدعم الاقتصادي
العربي الذي يمكن أن يتم عبر مستويين:
- الدعم
الإسعافي الذي يتجه مباشرة نحو مساعدة البلاد في مواجهة أزماتها الاقتصادية وتأثيراتها
المباشرة في الأوضاع المعيشية لملايين السوريين. وما ينتظر رسمياً وشعبياً في هذا الجانب
يمكن إيجازه بما يلي:
- المساعدة
على تثبيت سعر صرف الليرة في مواجهة الدولار الأميركي من خلال عدة إجراءات، منها على
سبيل المثال وضع وديعة بالدولار الأميركي في مصرف سوريا المركزي، كما فعلت بعض دول
الخليج مع مصر ولبنان وتركيا وغيرها.
وبحسب
مسؤول اقتصادي سوري، فإن وضع مليار دولار فقط كوديعة بإمكانه أن يحدث أثراً مقبولاً،
كما أنَّ رفع القيود وتسهيل تحويلات العاملين والمغتربين السوريين في دول الخليج إلى
أقاربهم في سوريا عبر القنوات النظامية من شأنه أيضاً أن يزيد حصيلة واردات البلاد
من القطع الأجنبي. وكانت البيانات السابقة لمرحلة ما قبل الحرب تتحدث عن وجود ما يقارب
مليون عامل سوري في دول الخليج.
- المساعدة
على التخفيف من أزمة حوامل الطاقة ريثما تستعيد الحكومة السورية سيطرتها على الحقول
الرئيسية للنفط والغاز في المنطقة الشرقية. وإلى جانب ما تقدمه طهران شهرياً من إمدادات
نفطية، والتي كانت تبلغ وسطياً قبل أزمة المحروقات الأخيرة نحو 3 ملايين برميل نفط
شهرياً، فإنَّ البلاد بحاجة إلى كمية مشابهة لتلبية احتياجاتها وتشغيل معاملها ومنشآتها
الصناعية والخدمية.
وبحسب
الفنيين، فإن المساعدة النفطية يمكن أن تكون براً عبر الصهاريج أو بحراً عبر السفن
التي بإمكانها إفراغ حمولتها في الموانئ السورية أو في العقبة، حيث يتم نقل النفط بالصهاريج
إلى سوريا، ويعادُ ضخّ الغاز عبر خط الغاز العربي.
- توسيع
حجم المساعدات المقدمة للجانب الإغاثي ولمشروعات التعافي المبكر التي من شأنها مساعدة
المتضررين من الحرب والتخفيف من معاناتهم. وربما تكون المساعدات الإماراتية المقدمة
عبر منظمة الهلال الأحمر الإماراتي أنموذجاً يمكن الاقتداء به، فإلى جانب المساعدات
الإغاثية، كانت هناك مشروعات خدمية ممولة من الهلال، كالمراكز الصحية، وترميم بعض المنشآت،
وغير ذلك.
- تسهيل
دخول العمالة السورية إلى سوق العمل الخليجية ومنحها الأفضلية على حساب الجنسيات الأجنبية.
ربما يكون ذلك الأمنية الشعبية الأولى المنتظرة من تحسن العلاقات مع الخليج، فتدهور
الأوضاع الاقتصادية وتراجع خيارات العمل وانخفاض مستويات الدخل جميعها عوامل تجعل السفر
بغية العمل والبحث عن حياة أفضل هاجساً للفئات الشابة والكفاءات والخبرات الفنية والمهنية.
المسار
الطبيعي
المستوى
الثاني من الدعم الاقتصادي الخليجي المأمول أو المنتظر يتمثل باستعادة العلاقات الاقتصادية
بين سوريا ودول الخليج مسارها الطبيعي، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الوضع
الاقتصادي السوري بشكل تدريجي، لكنه سيكون مستداماً.
ومن
الإجراءات المرتقبة على هذا المستوى ما يلي:
- خروج
دول الخليج، أو معظمها على الأقل، من قائمة الدول التي تشارك في فرض عقوبات اقتصادية
على دمشق. وإذا كانت تحمل، كغيرها من الدول الكثيرة في العالم، مخاوف على مؤسساتها
وشركاتها من التعرض للعقوبات الأميركية، إلا أنها على الأقل لن تفرض من جانبها عقوبات
تزيد معاناة الاقتصاد السوي، كمنع القطاع الخاص لديها من التعاون مع القطاع الخاص السوري
مثلاً أو عرقلة دخول المنتجات والسلع السورية إلى أسواقها وما إلى ذلك.
- تسهيل
المبادلات التجارية الثنائية التي سجلت خلال سنوات الحرب تراجعاً واضحاً، فالبيانات
الرسمية تظهر مثلاً أن القيمة الإجمالية للمبادلات التجارية (الصادرات والمستوردات)
مع السعودية والإمارات العربية المتحدة وصلت عام 2010 إلى نحو 1.724 مليار دولار، فيما
لم تتجاوز قيمتها عام 2020 أكثر من 675 مليون دولار، أي أن هناك تراجعاً تجاوزت نسبته
60%.
- عودة
الشركات الاستثمارية الخليجية إلى السوق السورية، سواء لاستكمال المشروعات الاستثمارية
الحاصلة على موافقات وتراخيص منذ فترة ما قبل الحرب أو لإقامة مشروعات جديدة والاستفادة
من الفرص الاستثمارية الواسعة التي باتت متاحة بعد انحسار الحرب عن مساحات واسعة من
البلاد.
لكن
التعاون الاستثماري بين البلدين لا ينتظر صدور قرار سياسي بذلك فحسب، بل ينتظر أيضاً
تحسن مؤشرات بيئة الأعمال السورية التي تعاني حالياً مشكلات وتعقيدات وعدم استقرار
تشريعي واحتكارات وغير ذلك.
وللعلم
هنا، فإن الاستثمارات الخليجية في سوريا شكَّلت ما نسبته 10% من إجمالي قيمة الاستثمارات
الأجنبية الموظفة في 178 منشأة تمت دراستها وفق مسح جرى عام 2009، تصدّرتها الاستثمارات
السعودية بنحو 83 مليون دولار، فالإمارات العربية المتحدة بنحو 23 مليون دولار. وهنا،
نشير إلى أن ذلك لا يشمل إجمالي الاستثمارات الخليجية في سوريا أو إجمالي استثمارات
الدولتين، إنما ما خلص إليه المسح وعدد المنشآت التي شكّلت بيئة البحث.
- توسيع
دائرة التعاون الفني والتقني والعلمي ليشمل مجالات جديدة تحتاجها سوريا في مرحلة التعافي
وإعادة الإعمار. وخلال العام الماضي، كان هناك اتفاق سوري إماراتي على التعاون في مجال
الاستفادة من خبرات البلدين في مجال تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وتالياً،
فإن إمكانية توسيع ذلك التعاون ليشمل مجالات وقطاعات جديدة ستكون حاضرة مع التحسن المرتقب
في علاقات سوريا مع كل من السعودية والكويت وتطور العلاقات القائمة مع الإمارات وسلطنة
عمان والبحرين.
التحديات
والمؤثرات
إذا
كان ما سبق يمثّل جوهر الآمال الشعبية المنتظرة من تحسن العلاقات السياسية مع دول الخليج،
فإن مستوى التعاون الاقتصادي بين سوريا ودول الخليج سيكون بالعموم مرهوناً بمجموعة
من المتغيرات التي يمكن إيجازها بالنقاط السريعة التالية:
- حجم الضغوط الأميركية الّتي قد تمارَس على دول الخليج
للحيلولة دون حصول أي انفتاح اقتصادي على دمشق. هذه الضغوط نجحت إلى الآن في منع حدوث
انفتاح اقتصادي موازٍ لمستوى الانفتاح السياسي الذي حصل سابقاً، والمثال على ذلك تأخّر
المفاعيل الاقتصادية للتحسن الذي شهدته العلاقات السورية الإماراتية.
- المحددات
التي ستضعها بعض دول الخليج لضبط درجة انفتاحها السياسي على دمشق. مثلاً، هل تضع الرياض
أهدافاً يرتبط تحسن علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دمشق بمدى تحققها وفق البرنامج
الزمني الموضوع لها أم أن التعاون في المجال الاقتصادي سيكون بمعزل عن مسيرة العلاقات
السياسية ومتطلباتها؟
- رغبة
القطاع الخاص في الدول المعنية وأولوياته الاستثمارية، إذ إنَّ الحكومات غير قادرة
على إلزام قطاعها الخاص بالاستثمار في هذا البلد أو ذاك، إنما تسمح له وتشجعه عندما
تتوفر الظروف الملائمة والبيئة المناسبة.
لهذا،
فإن أولوية الحكومة السورية في المرحلة القادمة يفترض أن تتّجه نحو عكس ما تضمنته التشريعات
الاستثمارية التي أصدرتها على أرض الواقع، وتوفير الضمانات اللازمة للمستثمرين العرب
والأجانب، ومحاولة تحقيق حالة من الاستقرار الاقتصادي.
المصدر :
زياد غصن
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة