دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
مآخذ الرئيس الأميركي جو بايدن على أوبك+
هي نفسها مآخذ قادة أوروبا عليه.
لندن – شجعت الولايات المتحدة أوروبا على
إنهاء الاعتماد على الغاز الروسي مقابل أن تتعهد بتوفير الإمدادات الضرورية، في انتظار
التوصل إلى بدائل. لكن الأوروبيين اكتشفوا أن الأمر لا يعدو أن يكون أقرب إلى الخديعة؛
إذ استثمر الأميركيون تراجع الإمدادات الروسية لزيادة أسعار الغاز الأميركي المتجه
إلى أوروبا أضعافا مضاعفة.
يأتي هذا ليؤكد أن مآخذ جو بايدن على أوبك+،
وعلى السعودية بوجه خاص، بدعوى خفْض الإنتاج لزيادة الأسعار هي نفسها مآخذ أوروبا عليه
وعلى إدارته.
وقابل وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز
بن سلمان الضغوط على بلاده بخطاب واضح وصريح على هامش قمة المناخ في مصر حين قال إن
العالم يريد “التمثيل” بالمملكة أو “صلبها” باعتبارها أكبر مصدر للنفط، في إشارة إلى
حجم الاستهداف الذي تعرضت له خاصة من الأميركيين الذي تناسوا في لحظة واحدة حجم الشراكة
مع السعودية وأهميتها الإستراتيجية لبلادهم.
وقال الأمير عبدالعزيز “العالم يريد أن
يمثل بنا. سنسائل (زعماء دول) العالم عما يقدمونه لأننا نريد من الآخرين مضاهاتنا وتوجيه
أموالهم لدعم القضايا التي يتشدقون بها”.
ويأتي تصريح الوزير السعودي ليؤكد حجم التناقض
في تصرف الولايات المتحدة تجاه بلاده من ناحية، ومن ناحية أخرى تضغط على الأوروبيين
وتدفعهم إلى شراء الغاز بأسعار خيالية، مثلما اشتكى من ذلك قادة أوروبيون.
ولم يتردد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
في أن يتهم واشنطن بـ”ازدواجية المعايير” بسبب الاختلاف بين السعر الذي يُباع به الغاز
الأميركي في أوروبا والسعر الذي يُباع به داخل أميركا.
وقال ماكرون بسخرية في كلمة له أمام مؤتمر
لرجال الأعمال عقد في باريس “سنقول لأصدقائنا الأميركيين والنرويجيين، بروح الصداقة
العظيمة: أنتم رائعون، (لأنكم) تزودوننا بالطاقة والغاز”.
وتابع ماكرون “لكنْ هناك شيء واحد لا يمكن
أن يستمر لفترة طويلة، وهو أن ندفع أربعة أضعاف السعر الذي تبيعون به منتجات صناعتكم،
ذلك ليس المعنى الدقيق للصداقة”.
ولم يكن الرئيس الفرنسي القائد الأوروبي
الوحيد الذي احتج على الخديعة الأميركية التي شجعت الأوروبيين على وقف الاعتماد على
الغاز الروسي الذي كانوا يحصلون عليه بسلاسة وبأسعار معقولة ووفق خطط طويلة المدى وآمنة،
ثم وضعتهم أمام الأمر الواقع بزيادة الأسعار زيادة جنونية.
واستنكر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك
في تصريحات سابقة طلب “دول صديقة”، في مقدمتها الولايات المتحدة، من ألمانيا “أثمانًا
خيالية” لتوريد الغاز من أجل تعويض وقف الشحنات الروسية.
ونقلت صحيفة بيزنس إنسايدر منذ أيام عن
مصادر مطلعة قولها إن حمولة سفينة واحدة من الغاز الطبيعي المسال الأميركي بحوالي
60 مليون دولار، بلغ سعرها بعد شحنها إلى أوروبا حوالي 275 مليون دولار، أي بزيادة
نسبتها 358 في المئة، وإن كل ناقلة غاز طبيعي مسال تحقق أرباحا تتجاوز 150 مليون دولار.
وسعى براد كرابتري، مساعد وزير الطاقة الأحفورية
وإدارة الكربون في الولايات المتحدة، إلى الإيحاء بأن رفع الأسعار لا يتعلق بشركة الغاز
الطبيعي المسال الأميركية (حتى لا يفهم أنه توجه رسمي لإدارة بايدن)، وإنما تقف خلف
ذلك “شركات وتجار نفط دوليون يتخذون من أوروبا مقرا لهم”.
وصرّح كرابتري لفاينانشيال تايمز بأن الولايات
المتحدة ملتزمة بمساعدة أوروبا في الحصول على ما يكفي من الغاز “بسعر في متناول القارة”.
وعزت المحللة الاقتصادية إيرينا سلاف في
تقرير لموقع أويل برايس الأميركي زيادة الأسعار إلى استفادة منتجي الغاز الطبيعي المسال
من الطلب القوي المتأتّي من أوروبا. وقالت “هذا هو بالضبط سبب تمتعهم بأرباح أعلى:
زاد الطلب، وعندما يزيد الطلب تتبعه الأسعار، خاصة إذا كان العرض لا ينمو بسرعة الطلب”.
ومن شأن زيادة الأسعار بشكل خيالي أن تدفع
الأوروبيين -طال الوقت أم قصر- إلى مراجعة موقفهم والكف عن الرهان على الأميركيين كمصدر
لإمدادات الغاز. وقد يفضلون المجازفة باستعادة العلاقة مع روسيا ووقف تنفيذ العقوبات
المطلوبة أميركيًّا إذا فشلوا في تأمين بدائل من دول أخرى غير الولايات المتحدة.
وبدأت أصوات غربية تطالب بوقف الانسياق
وراء واشنطن في الحرب، معتبرة أنها حرب أميركية تهدف إلى الحد من نفوذ روسيا المتزايد
في ملفات دولية مختلفة، وأن أوروبا ليست سوى أداة لتحقيق أجندة واشنطن ولو على حساب
أمنها القومي.
ويعرف الأميركيون أن مثل هذا التراجع صعب
في الوقت الحالي، لذلك يستغلون حاجة أوروبا إلى بدائل تمدهم بالغاز لزيادة الأسعار
زيادة خيالية، وبذلك يؤكدون أنهم ليسوا صديقا لأوروبا يمكن الاعتماد عليه.
وقال خبراء “أيا كانت المبررات الموضوعية
بالنسبة إلى زيادة الأسعار، سواء منها ما تعلق بدخول وسطاء أو ما اتصل بسعي الشركات
الخاصة للربح في ظل ارتفاع الطلب، فإن الصورة تظهر تناقضا في تصرّف إدارة بايدن التي
تبحث الآن عن تفسيرات لزيادة أسعار الغاز الموجه إلى أوروبا فيما كانت تهاجم تفسيرات
السعودية وبقية دول أوبك+ بأن قرار خفض الإنتاج هو قرار اقتصادي بحت ولا خلفيات سياسية
له”، في إشارة إلى اتهام الولايات المتحدةِ الرياضَ بمساعدة روسيا على تمويل الحرب.
وأشار المراقبون إلى أن تناقض إدارة بايدن
في التعامل مع أسعار الغاز الأميركي من جهة وأسعار نفط أوبك+ من جهة أخرى يسقط عن اتهاماتها
للسعوديين أيّ شرعية، ويعطي مشروعية للمسار الذي سلكوه بالتفكير في مصلحة المملكة من
وراء قرار خفض الإمدادات بقطع النظر عن الحملة متعددة الأوجه التي تشنها واشنطن بلا
توقف.
المصدر :
العرب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة