#
  • فريق ماسة
  • 2022-09-03
  • 8826

تركيا – اليونان: حافّة الحرب

 على رغم كلّ حساسيّاتها التاريخية والجغرافية والسياسية مع دول الجوار، ترى تركيا في اليونان عدوّها الأوّل. ويبرز في قلْب الخلافات، ملفّ القضيّة القبرصية، والنزاع على الحدود البحرية والاقتصادية الخالصة والجرف القاري والمجال الجوّي، فضلاً عن قضايا الأقلّيات. وفي إطار النزاعات المستمرّة، اتّهمت تركيا، اليونان، بانتهاك الاتفاقيات الدولية، ومنها «لوزان» (1923)، و«باريس» (1947)، التي تمنع عليها تسليح حوالى 24 جزيرة صغيرة أو كبيرة في بحر إيجه، وعلى رأسها جزيرة كريت. وارتفع منسوب التوتُّر بين البلدَين، بعدما اتّهمت أنقرة، أثينا، بالتشويش على أجهزة إنذار النظام الصاروخي في طائرة «إف-16» التركية، من خلال منظومة صواريخ «إس-300» اليونانيّة المنصوبة في جزيرة كريت، وهو ما استدعى احتجاجاً تركيّاً شديداً لدى اليونان و«حلف شمال الأطلسي»، كون ما جرى ينتهك قواعد الاشتباك العسكري بين دول «الناتو»، ويؤكد – وفقاً لأنقرة – أن صواريخ «إس-300» اليونانية ليست «مجمّدة» كما اقتضى التوافق لدى تسلُّمها من روسيا، بل هي تعمل وضدّ تركيا بالذات، في وقت تقول فيه واشنطن إن منظومة «إس-400» التي تسلَّمتها أنقرة من موسكو لا تتوافق مع الأنظمة الدفاعية للحلف. فكيف تتوافق إذاً منظومة «إس-300» مع هذه الأنظمة؟ وكانت تركيا أعلنت، يوم الأحد الماضي، أن منظومة «إس-300» اليونانيّة أَغلقت مفتاح رادار صواريخ «إف-16» التي كانت تطير غرب رودس على ارتفاع عشرة آلاف قدم، معتبرةً ذلك «عملاً عدائيّاً». ووصف وزير الدفاع التركي، خلوصي آقار، اليونان، بأنها «جار سيّئ»، وبأن ما تقوم به عمل «متغطرس ومتهوّر». ورأى زعيم حزب «الحركة القومية»، دولت باهتشلي، من جهته، أن أثينا «تعيش ذليلة منذ مئة عام»، متّهماً الولايات المتحدة بـ«ازدواجية المعايير عندما تسكت على إس-300، وتعترض على إس-400». وقال باهتشلي إن على اليونان أن تتحلّى بـ«البصيرة»، حتى لا تتعرّض لهزيمة أكبر من هزيمة عام 1922. وتعليقاً على الحادثة، يَذكر الخبير الاستراتيجي التركي ورئيس «مركز الدراسات البحرية والعالمية»، جهاد يايجي، أن الخبراء الروس جاؤوا إلى اليونان في عام 2018، وطوّروا نسخة «إس-300» لتصبح موازية تقريباً لصواريخ «إس-400»، معتبراً أن «قيام دولة أطلسية بتعجيز دولة أطلسية أخرى، أمر غير مقبول، ويوجب أن تدعو تركيا إلى اجتماع طارئ للحلف لبحث هذه القضيّة وإصدار قرار يدين اليونان». من جهته، يَلفت الجنرال المتقاعد، فخري أرينيل، إلى أن اليونان مستاءة جدّاً من تنامي الدور الإقليمي لتركيا، ولا سيما في الأزمة الأوكرانية، وهي تسعى إلى أن «تخرّب هذا الدور من خلال تشكيل أرضية توتُّر بينها وبين حلف شمال الأطلسي». ويذهب الجنرال إلى حدّ اعتبار أن اليونان، وبتنسيق مع الولايات المتحدة، تدفع تركيا إلى الردّ العسكري؛ إذ إن استخدام أثينا لصواريخ «إس-300» يعطي أنقرة الحقّ في استخدام منظومة «إس-400» في مواجهة جارتها اللدودة. مشاركة طائرات «إف-35» ومنظومة «إس-300» في المناورات، تفضح ازدواجية معايير واشنطن تجاه أنقرة في الإطار نفسه، يحذّر الجنرال الطيّار المتقاعد، إردوغان قره قوش، من أن «أثينا على حافة الدخول في حرب، فهي لا تبالي بإسقاط طائرة تركية، بينما تتحرّك بالتعاون مع واشنطن في هذا الأمر»، مذكّراً بأن «الولايات المتحدة تمنع عملية عسكرية تركية في شمال سوريا، وتحمي مقاتلي حزب العمال الكردستاني، لذا تريد أن تحرف أنظار تركيا إلى اليونان. والتعرّض اليوناني للطائرات التركية ليس مسألة بسيطة». ويرى قره طاش أن أثينا تريد جذْب أنقرة لتنشر صواريخ «إس-400» قبالتها، حتى يتسنّى لها القيام بحملة ضدّ الأتراك، فيما ليس هناك من وضع يوجب أن تقوم تركيا بهذه الخطوة، كونها ستفضي إلى توتّر إضافي، وستخرّب العلاقات مع واشنطن، وستُضاعف العقوبات عليها. وفي صحيفة «صباح»، يقول الكاتب الموالي للسلطة، محمد برلاس، من جهته، إن الولايات المتحدة تحتضن اليونان ضدّ تركيا، لكنّ الأخيرة «لن تقع في الحفرة التي حفروها لها»، معتبراً أن واشنطن «تدفع أثينا نحو مزيد من الغطرسة، وهذا أمر غير مقبول من كبير حلفائنا في الأطلسي. ولكن أميركا لم تكتفِ بذلك، بل حوّلت اليونان إلى مستودع للأسلحة الأميركية. وبعد كلّ هذا، يسألون تركيا لماذا اشترت إس-400». أمّا بولنت بايديمير، في صحيفة «خبر تورك»، فيذهب إلى القول إن التعرُّض اليوناني للطائرات التركية مهمّ جدّاً، لأنه يمسّ وثيقة الأمن القومي التركية، ويوجب تحديث وثيقة استراتيجية الأمن العسكري والأمن الخارجي، مذكّراً بأن تركيا لم تشارك في مناورات «الناتو» التي جرت في 25 نيسان الماضي، لأن جغرافية المناورات تشمل الجزر اليونانية التي تَعتبر أنقرة أنها ممنوعة من التسلُّح، وفقاً لاتفاقيتَي «لوزان» و«باريس». لكن اليونان رفعت كتاباً إلى الأمم المتحدة بعد ذلك بشهر، وتحديداً في 25 أيار، تقول فيه إن الاتفاقيتَين لم تضعا أيّ شرط لتسلُّمها هذه الجزر. وإذا كانت ثمّة استثناءات، فقد وَضعت «معاهدة مونترو» (1936)، حدّاً لها. ويرى بايديمير أن التعاون العسكري بين اليونان والولايات المتحدة عَرف تضخُّماً كبيراً في السنوات الأخيرة، بذريعة تطويق روسيا، حيث جرى توقيع اتفاقية للتعاون الدفاعي بين أثينا وواشنطن، للمرّة الأولى، في 8 تموز 1990، فيما شكّل اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلى رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس، في 17 تشرين الأول 2017، نقطة تحوُّل في التعاون العسكري بين البلدين، كما يعتقد الكاتب. وفي الخامس من تشرين الأوّل 2019، وقّع وزيرا خارجية الولايات المتحدة واليونان اتفاقية لتحديث اتفاقية التعاون الدفاعي، شملت تسهيلات يونانية للأميركيين باستخدام قواعد هذا البلد. وقبلها، في 21 آذار 2019، تشكَّلت آلية جديدة باسم «3+1»، تضمّ إلى الولايات المتحدة واليونان، كلّاً من قبرص اليونانية وإسرائيل. وترى واشنطن، وفق الكاتب، في تعزيز الوجود العسكري الأميركي في اليونان، عاملَ توازن ضدّ روسيا، في حين تعتبره اليونان «فرصة لتحقيق أهدافها الإقليمية والدولية ضدّ تركيا». ويلفت بايديمير إلى أن مشاركة طائرات «إف-35» ومنظومة «إس-300» في المناورات، تفضح ازدواجية معايير واشنطن تجاه أنقرة، خصوصاً بعد قرار الولايات المتحدة إخراج الأتراك من مشروع إنتاج طائرات «إف-35» ومعارضة شرائها صواريخ «إس-400».

المصدر : وكالات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة