#
  • فريق ماسة
  • 2022-04-24
  • 7521

بريكس كأساس لنظام عالمي جديد: ما هي الآفاق؟

  في ظروف التنامي غير المسبوق للمخاطر الجيوسياسية في العالم، يتزايد الإدراك بشأن حلول شكل جديد للعلاقات الدولية والتكتلات مكان الهيكل القديم للنظام العالمي. ومن أهم القوى المحرِّكة لهذا النوع من التحولات في الاقتصاد العالمي، بلدان الجنوب العالمي (الدول النامية)، التي تنشئ مؤسسات التكامل الإقليمي وجمعياته، وأنظمة التعاملات المالية الخاصة بها.   وبين الدول الرائدة في هذه العمليات، بلدان الأسواق الناشئة، وعلى رأسها دول البريكس. وكما صرح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في آذار/مارس 2022، "ستكون دول البريكس، التي تشكل ما يقرب من نصف سكان العالم، وتملك جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أحدَ الأعمدة الأساسية للنظام العالمي الذي بدأ ينشأ".   وكي تصبح البريكس أساساً لنظام عالمي جديد، عليها أن تقدّم إلى دول أخرى في الاقتصاد العالمي نماذج تنموية جديدة، وعلى نطاق عالمي، قد تشمل إعادة إطلاق العولمة على أساس منصة جديدة للبلدان والمناطق، وإقامة نظام جديد لتحديث بلدان الاقتصاد العالمي، وإيجاد مجمع احتياطي جديد للعملات للأسواق الناشئة، وخلق مسار بديل عن النموذج الغربي لتنمية الاقتصاد العالمي، وإنشاء تكتلات ومنصات إقليمية جديدة للتنسيق فيما بينها وتطويرها.   يمكن تحقيق كل ذلك ضمن صيغة "بريكس +"، التي تمنح خيارات متنوعة لدول البريكس للتفاعل مع سائر الاقتصاد العالمي. ولا تزال صيغة "بريكس +" التي اقترحتها الصين في عام 2017، تحتاج إلى ملامح تنموية ملموسة، على الرغم من أن بعض صِيغ التعاون في إطارها تم إعلانها من جانب ممثلي بلدان المجموعة.   من وجهة نظر التنفيذ العملي، فإن إحدى أكثر الصيغ المتاحة  لـ"بريكس +" هي اتحاد التشكيلات القارية، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي، واتحاد دول أميركا اللاتينية، ومنظمة شنغهاي للتعاون في أوراسيا، إذ يوفر هذا النوع من التحالفات تغطية قصوى لبلدان الجنوب العالمي، والتي لا تتطلب بدورها تكاملاً اقتصادياً عميقاً ومعقداً، أو تنسيقاً لأشكال التفاعل الاقتصادي في القارات الثلاث. إن الصيغة الموسَّعة تمنح فرصة في تعزيز التعاون بين البلدان النامية في الساحة الدولية، لجهة تعزيز أولويات جدول أعمال الجنوب العالمي في مجال التنمية المستدامة.   خلال العام الحالي، برزت ظروف مؤاتية نسبياً لتشكيل مثل هذه الدائرة الموسعة من التفاعل بين البلدان النامية: في أميركا اللاتينية، في إطار رابطة دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، برئاسة الأرجنتين، التي كثفت مؤخراً خطواتها من أجل تعزيز التفاعل مع مجموعة البريكس. بيد أن تعليق مشاركة البرازيل في مجموعة دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي عام 2020، شكّل عاملاً معطِّلا في القارة اللاتينية، لكن من المرجح أن يكون هذا العامل موقَّتاً.   كما ترأّست أوزبكستان منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2022، وهي تنشط في عمليات التكامل في أوراسيا بعد فترة من الانغلاق. أمّا في الاتحاد الأفريقي، فانتقلت الرئاسة في عام 2022 إلى السنغال، التي تروج قضايا التنسيق والتعاون بين أطر التكامل الإقليمي، كما تزيد، بصورة كبيرة، في التفاعل مع دول البريكس، وخصوصاً مع الصين.   أمّا المسار الثاني فيمكن أن يكون منصة التفاعل بين كتل التكامل الإقليمي، التي تشارك فيها دول البريكس. وقد يشمل هذا النوع من المنصات مشاريع التكامل الإقليمي ذات الأولوية لبلدان المجموعة – كمبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي، والاتحاد الجمركي لجنوب أفريقيا، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والسوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي، والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. ويمكن لجميع هذه الكتل الإقليمية أن تتعاون بطريقة منسقة لجهة مواءمة المعايير، وخلق مجال اقتصادي أكثر انفتاحاً للتجارة والاستثمار، من جانب دول البريكس وشركائها الإقليميين.   ومن الأهمية بمكان عند تشكيل مثل هذه المنصات، روح التعددية وتفعيل البنية الجديدة لمصلحة الصيغة الموسعة للجنوب العالمي.   في الوقت ذاته، قد تؤثّر محاولات تشكيل مجموعة "بريكس +"، على أساس المصالح الوطنية الضيقة، بصورة سلبية، في آفاق تطوير مبادرة المجموعة نفسها، وغيرها من المبادرات المتعددة الأطراف لبلدان المجموعة. وبالنسبة إلى "بريكس +"، كشكل جديد للتفاعل بين دول المجموعة، يكمن مفتاح النجاح في تعدد الوسائط لمختلف أشكال التفاعل في إطارها، والتي يمكن أن تأخذ في الاعتبار النطاق الكامل للمصالح والأولويات الوطنية لبلدان البريكس وشركائها الإقليميين.   وبالتالي، يمكن تشكيل مسارين للتفاعل بين بلدان الجنوب العالمي، في إطار "بريكس +"، هما:   - صيغة منظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الأفريقي ومجموعة بلدان أميركا اللاتينية وبحر الكاريبي، وهي الأكثر شموليةً وتركيزاً على التفاعل الواسع للدول النامية في المنظمات الدولية. قد يعكس هذا النوع من التنسيق، إلى حد كبير، رؤية الصين، التي أعلنها في عام 2017 وزير خارجيتها، وانغ يي، عبر قوله إنها المنصة الأكثر طموحاً إلى التفاعل مع البلدان النامية.   - منصة لـ "تكامل التكامل" للتجمعات الاقتصادية الإقليمية، والتي تؤدي فيها دول البريكس الدورالقيادي. يعكس هذا التنسيق، إلى حد كبير، المفهوم الروسي لتطوير "بريكس +"، الذي أعلنه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في بداية عام 2018، عندما قال: "ندعو شركاءنا إلى اعتبار "بريكس +" منصةَ تطوير لما يمكن تسميته " تكامل التكامل"".   إذا كانت الصيغة الصينية لـ"بريكس +" هي نوعاً من التغطية القصوى لجنوبي الكرة الأرضية بصورة واسعة، فإن أهميتها، بالنسبة إلى الصيغة الروسية، تكمن في العمق ومواءمة تكامل المشاريع الإقليمية ذات الأولوية لدول المجموعة.   عموماً، فإن عدد مسارات التفاعل بين البلدان النامية وأشكاله يمكن أن يكون أكبر كثيراً، ويعكس رؤية العولمة لكل عضو في بريكس. بعبارة أخرى، يمكن أن تكون منصة "بريكس +" أساساً في اختلاف نماذج التنمية والتكامل الاقتصادي ومنصاتهما، على عكس النهج الأحادي القطب، "النموذج الأحادي"، لعمليات التكامل في البلدان المتقدمة.   ولتطوير تنسيق "بريكس +" ضمن هذا النوع من الاختلاف في أنماط التنمية، من المهم أن تقدم الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، أيضاً، رؤيتها بشأن مفهوم "بريكس +"، فضلاً عن العولمة داخل الجنوب العالمي وما وراءه. من المحتمل أنه، بالنسبة إلى الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، قد يكون النموذج الأكثر جاذبية هو توسيع العضوية في بنك التنمية الجديد لمجموعة بريكس، من خلال تضمين شركائها الإقليميين، وهذا ما بدأ يحدث عملياً بعد انضمام مصر (شريكة جنوب أفريقيا في الاتحاد الأفريقي) إلى البنك، وأوروغواي (شريكة البرازيل في السوق المشتركة للمخروط الجنوبي)، وبنغلاديش (شريكة الهند في مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي ومنطقة التجارة الحرة لجنوبي آسيا).   كما يمكن تفعيل دور دول البريكس في الساحة الدولية، من خلال تحسين آلية عمل مجموعة احتياطيات النقد الأجنبي المشروطة والتابعة للمجموعة.   في الأعوام القليلة الماضية، عزّزت مجموعة احتياطات التقد الأجنبي لبريكس تنسيقَها مع المؤسسات المالية الإقليمية الأخرى، في إطار المشاورات الدورية التي يُجريها صندوق النقد الدولي مع المراكز المالية الإقليمية. في الوقت نفسه، كان نشاط مجموعة احتياطيات النقد لبريكس في الاستجابة للأزمة أقلَّ بصورة ملحوظة في الأعوام الأخيرة، مقارنة ببنك التنمية الجديد التابع للمجموعة.   في كل الأحوال، ترتبط التحولات في الاقتصاد العالمي، إلى حد كبير، بتنسيق الإجراءات بين كبرى بلدان الجنوب العالمي، وبصورة أساسية بين دول البريكس. ومع ذلك، تتطلّب الانطلاقة الحقيقية لتنمية الاقتصاد العالمي تنسيقاً أكبر بين بلدان المجموعة، الأمر الذي سيسمح للدول الأخرى من البدان النامية بالمشاركة في هذه العملية.   في هذه الحالة، ستصبح إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي عملية شمولية ومستدامة. ويبقى مبدأ "تكامل التكامل" من الأدوات المهمة أيضاً في توسيع نطاق التحولات في الاقتصاد العالمي، في إطار التعاون بين كتل التكامل الإقليمي لبلدان الجنوب العالمي. كما أن من شأن رئاسة الصين لمجموعة بريكس في عام 2022، إعطاء قوة دفع إضافية لعمليات بناء منصات التفاعل بين التجمعات الإقليمية للدول النامية.  

المصدر : ترجمها إلى العربية: فهيم الصوراني/الميادين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة