دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
صفقة سرية بين ميركل وروسيا قد تكون هي
السبب في توريط أوروبا في الاعتماد على الغاز الروسي ومنع وقف عدوانيته ضد أوكرانيا
في عام 2014 التي أوصلت العالم للأزمة الحالية.
اليوم تبين للألمان وللغرب عامة أن آلة
الحرب الروسية العاملة في أوكرانيا تم بناؤها وتمويلها بأموال أوروبية وبالأكثر ألمانية،
وما زالت الأموال الأوروبية تتدفق لخزانة موسكو، رغم العقوبات الأخيرة.
فسبب عدم قدرة الغرب على فرض عقوبات أكثر
صرامة على روسيا هو توريط قادة ألمانيا وعلى رأسهم ميركل في التبعية المثيرة للاستغراب
للغاز الروسي.
المفارقة أنه بعد أن أنهت أنجيلا ميركل
فترة ولايتها التي استمرت 16 عاماً في ديسمبر/كانون الأول، تم الثناء على طريقة تعاملها
مع بوتين بالثناء: دعمها لعقوبات اقتصادية بعد احتلاله شبه جزيرة القرم، فضلاً عن جهود
الإنقاذ التي بدأتها لعلاج المعارض أليكسي نافالني في أحد مستشفيات برلين بعد محاولة
تسميمه.
ولكن نادراً ما تطرق أحد إلى سذاجتها في
تعاملها مع الكرملين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian
البريطانية.
ألمانيا وفرنسا رفضتا تسليح أوكرانيا بعد
ضم روسيا للقرم
لكن الأصوات التي تنتقد علاقة ميركل وروسيا
المثيرة للجدل وتهميش المستشارة الألمانية السابقة لخبراء السياسة الخارجية والأمن
الذين حذروها من اعتبار روسيا شريكاً يعتمد عليه في التجارة بدأت تتعالى مؤخراً.
يقول رودريش كيسويتر، السياسي من حزب الاتحاد
الديمقراطي المسيحي والضابط السابق في الجيش الألماني: “الحكم على سوء تقدير الحكومة
الألمانية في تعاملاتها مع روسيا على مدى الـ16 عاماً الماضية جاء متأخراً”.
وقال كيسويتر لصحيفة The Observer البريطانية: “وفي الفترة بين
عامي 2014 و2015، حين أرادت الولايات المتحدة تسليح أوكرانيا بعد ضم روسيا لشبه جزيرة
القرم، عارضت أنجيلا والرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا أولاند هذه الاستراتيجية، وانخرطا
في الجهود الدبلوماسية مع روسيا”.
وأضاف: “لكن روسيا استمرت في تعزيز تهديدها
العسكري لأوكرانيا، في ظلال هذه النجاحات الدبلوماسية المزعومة لميركل”.
تساؤلات حول سر دعم ميركل القوي لمشروع
نورد ستريم 2
وثارت تساؤلات جديدة أيضاً عن دعم ميركل
القوي لمشروع خط غاز نورد ستريم 2، الذي كشفت عن أول خطوطه في احتفال عام 2011.
وكان يفترض بهذا الخط الذي جمدته برلين
إن تم تشغيله أنّ يجلب الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا بعيداً عن الخطوط المارة بأوكرانيا
وبولندا، وأصرت عليه ألمانيا رغم انتقادات الولايات المتحدة والعديد من دول أوروبا
الشرقية بما فيها أوكرانيا، علماً بأن الخط أدى إلى تعزيز استغناء روسيا عن الخطوط
المارة بأوكرانيا والتي كانت تدر أرباحاً للأخيرة.
كما أنه أيضاً كان سيؤدي لو دخل حيز التشغيل
لاستغناء الروس عن بولندا التي يأتي خط غاز يامال أوروبا الذي حمل حالياً معظم الغاز
الروسي لألمانيا عبرها، وهذا يعني أن الكرملين سوف يصبح أكثر حرية في العمل ضد بولندا
أكبر دول الشطر الشرقي من الاتحاد الأوروبي والناتو.
وقال كيسويتر: “بعد مشروع نورد ستريم، اتضح
جلياً أن الجانب الروسي خدع ألمانيا. لقد كان دوماً مشروعاً تجارياً وليس سياسياً.
وألمانيا لم تتطرق أبداً إلى البعد الأوروبي والأمني للمشروع”.
وحتى بعد انتخاب أنجيلا ميركل لولاية ثانية
عام 2009، أيدت استمرار وتوسيع خط الأنابيب، وأصرت لسنوات أنه “مشروع اقتصادي” بحت،
وإن أقرت لاحقاً بأنه لا يمكن تجاهل بعض “العوامل السياسية”.
كانت تأمل أن تربط روسيا بالتجارة
تقول جانا بوليرين، رئيسة مكتب برلين في
المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “ميركل تصورت أنه يمكنها من خلال التجارة ربط روسيا
بنظام متعدد الأطراف، وبالتالي نظام قائم على القواعد.
وحتى قبل عهد ميركل بعقود، راهن الأوروبيون-
وخاصة ألمانيا الغربية خلال الحرب الباردة وتحديداً منذ الستينيات- على أن الاعتماد
المتبادل في مجال الطاقة من شأنه أن يخفف من النزعة العسكرية الروسية، لكن بدلاً من
تحقق هذا الحلم، مولت أوروبا إعادة تسليح الكرملين.
وبعد فترة 2014-2015، حين دقت أجراس الإنذار
بشأن سلوك روسيا، لم تحول ميركل مشروع نورد ستريم 2 أبداً إلى مشكلة سياسية.
ولكن الأغرب أنه رغم غزو بوتين لأوكرانيا
عام 2014، وضمه للقرم، لم تحاول تقليل اعتماد بلادها على الغاز الروسي.
ورغم سعي بعض الدول الأوروبية بعيداً عن
الغاز الروسي، خاصة دول البلطيق وشرق أوروبا، إلا أن ألمانيا بالذات كانت أكبر متقاعس
في هذا الاتجاه.
والآن ها هي ألمانيا معرضة للتجمد بدون
الغاز الروسي
والنتيجة أن ألمانيا أكثر دول أوروبا اعتماداً
على الغاز الروسي الذي يمثل نحو 65% من واردات الغاز إلى ألمانيا القوة الاقتصادية
في أوروبا، حسب the
Guardian
البريطانية، وأكثر من نصف احتياجات ألمانيا في التدفئة في نصف المنازل
في ألمانيا وهو مفتاح للصناعات التحويلية في أكبر اقتصاد في أوروبا.
وفي حال قطع روسيا للغاز رداً على العقوبات
الأوروبية، فإن ألمانيا ليس لديها حالياً محطة غاز مسال واحدة لاستيراده من الخارج.
في المقابل، بدأت بعض الدول الأوروبية بالفعل
في بناء بنية تحتية كبيرة للاستفادة من الغاز المسال، ولم تعد بولندا وليتوانيا الأقرب
لروسيا جغرافياً تعتمدان الآن على الغاز الروسي، لأنهما يمكنهما استيراد الإمدادات
من أماكن بعيدة مثل أستراليا.
ولم يضع نظام نقل الغاز بالاتحاد الأوروبي
في الاعتبار إمكانية حدوث توقف كامل للغاز الروسي في تدريبات محاكاة الأزمات، التي
تُجرى سنوياً. وتُعَد روسيا أيضاً هي المورد الرئيسي للنفط الخام والفحم الصلب للاتحاد
الأوروبي.
كيف استمالت روسيا السياسيين الألمان؟
لا تكمن المشكلة في اعتماد أوروبا على الطاقة
الروسية فحسب، بل أيضاً في استخدام روسيا للطاقة لاستمالة السياسيين الأوروبيين. فقبل
فترة، تم ترشيح المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر للانضمام إلى مجلس إدارة شركة
غازبروم، الشركة الروسية المملوكة للدولة التي تحتكر الغاز، وهو عضو بالفعل في مجلس
إدارة شركة روسنفت، عملاق النفط الروسي المملوك للدولة.
ويبدو أن ميركل قد تكون أحد الساسة الذين
تمت استمالتها بواسطة الغاز الروسي، أو الأخطر أنها تمت استمالتها بالاستثمارات الروسية
في اقتصاد الحكومة المحلية التي كانت تتولاها في السابق لتعبيد الطريق لهيمنة موسكو
على سوق الطاقة بألمانيا وأوروبا كلها.
صفقة سرية بين ميركل وروسيا هدفها إنقاذها
من مشكلة انتخابية
تشير الأبحاث التي أجرتها شبكة Policy Network Analytics، وهي شبكة بيانات غير ربحية
تربط القرارات السياسية بالاستثمارات الاقتصادية الاستراتيجية، إلى أن البعد السياسي
لمشروع نورد ستريم ربما كان أكثر وضوحاً لها مما تظاهرت به المستشار الألمانية السابقة.
فقد نشأت ميركل في شمال شرق ألمانيا، وقبل
توليها أول منصب وزاري في عام 1991، فازت بمقعد في البرلمان الألماني عن دائرتها الانتخابية
شترالزوند-روغن-غريمن في ولاية مكلنبورغ-فوربومرن، وهي منطقة تغطي جزيرة روغن المطلة
على بحر البلطيق.
وفي صيف عام 2009، تصادمت الولاية التي
نشأت بها مع الأجندة الوطنية: فقد قدمت شركة ودان ياردز Wadan Yards
لبناء السفن في شفيرين وروستوك دعوى إفلاس. وواجهت أنجيلا ميركل خسارة
مُهينة لـ2700 وظيفة في أرض وطنها، مع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية بعد ثلاثة أشهر.
وقبل ستة أسابيع من توجه البلاد إلى صناديق
الاقتراع، أعلن المكتب الصحفي لميركل عن إنجاز مهم: “إنقاذ شركة ودان ياردز وشيك”.
وفي اجتماع في مدينة سوتشي الروسية، أبرمت ميركل والرئيس الروسي في ذلك الوقت ديمتري
ميدفيديف (الذي تولى السلطة لولاية واحدة ليتيح لبوتين الترشح مجدداً) صفقة بموجبها
يشتري فيتالي يوسفوف شركة أحواض بناء السفن، وبالتالي إنقاذ نصف الوظائف في الشركة.
وحتى ذلك الحين، كان يوسفوف البالغ من العمر
29 عاماً يعمل رئيساً لمكتب موسكو لشركة خطوط أنابيب روسية المعروفة باسم: Nord Stream AG وهي الشركة المشغلة لخط نورد
ستريم 1 (الذي أبرم الاتفاق بشأنه في عام 1997 في عهد المستشار الالماني الأسبق هيلموت
كول)، والشركة الشقيقة لشركة Nord Stream 2 AG
المسؤولة عن خط نورد ستريم 2.
وكان والد يوسفوف، إيغور، يشغل منصب وزير
الطاقة الروسي خلال ولاية بوتين الأولى، وكان في ذلك الوقت ينسق تعاون روسيا في مجال
الطاقة بصفته مبعوثاً خاصاً.
يقول كلاوس بيتر شميدت ديغويل، مستشار الاتصالات
الذي كان عضواً في المجلس الاستشاري للشركة في ذلك الوقت: “كان هناك ضغط سياسي كبير
لإنقاذ شركة ودان ياردز، ولا أظن أن الصفقة كانت ستتم بهذه السرعة لولا هذا الضغط”.
هل أدت أموال روسيا لتمهيد طريق ميركل للمستشارية؟
ووفقاً للبيان الألماني عن اجتماع سوتشي،
لم تناقش ميركل وميدفيديف صفقة إنقاذ شركة ودان ياردز فحسب وإنما الاستثمار الروسي
المحتمل في شركة صناعة السيارات الألمانية المتعثرة “أوبل” وشركة تصنيع الرقائق الدقيقة
Infineon. ولم تتحقق أي من هاتين الخطتين،
وهو ما أثار استياء موسكو.
ولكن اللافت أن وسائل إعلام روسية أشارت
حينها إلى أن الزعيمين سيناقشان أيضاً “التعاون في مجال الطاقة”.
ووفقاً لشركة Nord Stream AG، بدأ التخطيط لخط الأنابيب الثاني بعدها بعامين.
فهل كان التعاون الذي نوقش بين ميركل والمسؤولين
الروس آنذاك هو مشروع نورد ستريم 2؟
ولدى سؤال صحيفة The Observer
مكتب أنجيلا ميركل عبر البريد الإلكتروني إن كان التعاون في الطاقة
الذي نوقش في سوتشي هو خط نورد ستريم الثاني، وإن كان التعاون الاقتصادي الذي كانت
تريده ميركل لإنقاذ سمعتها الانتخابية مشروطاً به، رفض الإجابة، واكتفى بالإشارة إلى
البيان العام الوحيد الذي أدلت به منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
وجاء في هذا البيان الذي خرجت به ميركل
بعد أربعة أيام من بدء الهجوم الروسي: “لا يوجد مبرر لهذا الانتهاك الصارخ للقانون
الدولي. هذه الحرب العدوانية التي شنتها روسيا نقطة تحول عميقة في تاريخ أوروبا بعد
نهاية الحرب الباردة”.
وبعد نجاحها كبرلمانية، بدأت حياة ميركل
السياسية تتغير في عام 1991، حينما كلفها المستشار الألماني هيلموت كول، وبشكل مفاجئ،
بوزارة شؤون المرأة والشباب.
وكان كول، المنشغل بتلميع إرثه والقضاء
على منافسيه، يُشير إليها باسم: “تلك الفتاة”.
ولكن حين وجد كول نفسه غارقاً في فضيحة
تمويل حزبية عام 1999، كانت ميركل- دون عشرات الشباب المحافظ الذي كان يُحيط بالعجوز-
هي من أجهزت عليه بمقالةٍ على الصفحة الأولى من صحيفة Frankfurter Allgemeine Zeitung الألمانية اليومية.
إذ طالبت باستقالته كرئيس فخري للحزب. وكانت
رصاصة الرحمة التي أطلقتها هذه هي السبب وراء انتخابها رئيسةً للحزب. وبعد ست سنوات،
صارت أول شخصٍ من ألمانيا الشرقية، وأول امرأة تُنتخب مستشارة في عام 2005.
جعلت ألمانيا تواصل الاعتماد على موسكو
رغم ابتلاعها للقرم
بالإضافة للبعد المريب في صفقة نورد ستريم
2 المرتبط بإنقاذ الروس لشركة بناء السفن المشار إليها، فإن برلين في عهد ميركل كانت
تنظر إلى موسكو وبكين باعتبارهما شريكين استراتيجيين، فيما كانت تأمل أن تصبح صفقةً
ثنائية: حيث تساعدهما ألمانيا على إحداث تحوّل في الاقتصاد والأنظمة السياسية على حدٍّ
سواء.
وأحدث هذا طفرةً في عالم المال والأعمال،
ولكن جعل رجال الأعمال الألمان بمثابة لوبي يعمل لصالح روسيا والصين.
إذ كان Ost-Ausschuss، أبرز اتحادات الضغط السياسي للشركات العاملة
في روسيا، طرفاً نافذاً في وضع السياسات التجارية. وأراد العديد من الرؤساء التنفيذيين
الألمان الانضمام إلى رحلات المستشارة السنوية إلى الصين، لدرجة أنّ الوفد أحياناً
كان يحتاج إلى ثلاث طائرات لنقله. وكانت ميركل تحرص في الوقت ذاته على لقاء المعارضين
الصينيين والروس داخل السفارة الألمانية، كما استقبلت الدالاي لاما في برلين عام
2007.
ومع ذلك، فإنّ روسيا المُعدّلة والصين الصاعدة
أخذتا تلعبان بأسلوبٍ هجومي يجعلهما من المنافسين الاستراتيجيين للغرب في الشرق الأوسط
وإفريقيا، وحتى داخل أوروبا أيضاً- بما في ذلك الحدود المادية والرقمية لألمانيا، دون
أن تحاول ميركل مراجعة سياستها تجاه البلدين.
وقد أدانت ميركل الكرملين بشدة لمحاولة
اغتيال نافالني، وجلبته إلى برلين لتلقي العلاج. كما دعمت عقوبات الاتحاد الأوروبي
ضد مسؤولين روس بارزين رداً على ذلك. لكنها رفضت مع ذلك إخراج أكبر أسلحتها وتعليق
مشروع خط أنابيب شركة Gazprom
“السيل الشمالي 2″.
ولقد رفضت ميركل دوماً ضغوط الأمريكيين
بزيادة الإنفاق العسكري الألماني، وقد أدى ضعف الجيش الألماني إلى جعل ميركل تتردد
في التصدي لموسكو وبكين، كما قوّض أمن أوروبا وحلف الناتو على حد سواء.
ويبدو أن ميركل استشعرت خطأ ما فعلته في
الوقت الضائع، فلقد تحدثت إلى المجموعة البرلمانية في حزبها عام 2018 عن الحروب الدينية
الدامية التي أعقبت الإصلاح، وفقاً لتقرير لمجلة Der Spiegel
الألمانية.
وقالت ميركل إنّ عقود السلام الستة الأخيرة
خدعت الأوروبيين ومنحتهم شعوراً زائفاً بالأمان، مما جعلهم غير مستعدين لما سيحدث لاحقاً:
مسترجعة حرب الثلاثين عاماً (1618-1648) التي راح ضحيتها نحو ثلث سكان بعض الأراضي
الألمانية. وللتأكيد على رسالتها، أضافت: “لقد مر 70 عاماً منذ نهاية الحرب العالمية
الثانية”.
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة