دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بمساحتها التي تشكّل تقريباً نصف مساحة
البلاد، شكّلت البادية السورية، على مدار السنوات الماضية، مسرحاً لمعارك مصيرية غيّرت
مراراً من مسار الحرب، وأثّرت بشكل أو بآخر على موارد المنطقة الاقتصادية وغطائها النباتي،
الذي كانت تعتاش عليه ثروة البلاد الحيوانية لعدّة أشهر من السنة
لم تتأخّر مناطق البادية السورية كثيراً
لتتحوّل، كغيرها مع بدايات الحرب، إلى ساحة معارك. في البداية، كانت غاية التنظيمات
المسلّحة من سعيها للسيطرة على تلك المناطق، وضْع يدها أولاً على الثروات الطبيعية
ــــ وما أكثرها ـــ، ومحاولة عزل البلاد داخلياً عبر قطْع الطرق التي تربط المحافظات
بعضها بالبعض الآخر، وخارجياً من خلال منْع التواصل السوري مع دول الجوار. إلّا أنه
في مرحلة لاحقة، أصبح عُمق البادية منفذاً لتهريب السلاح والثروات المنهوبة، ومخبأً
ومنطلقاً لبعض عمليات «الكرّ والفرّ» ضدّ الجيش السوري ونقاط حراسته، كما يحدث اليوم
مع تنظيم «داعش».
ومساحة البادية، البالغة حوالى 10.2 ملايين
هكتار، أي ما يعادل 55% من مساحة البلاد، تَمنحها أهميتها الاستراتيجية، ولا سيما أن
هذه المساحة تتوزّع على تسع محافظات، تأتي في مقدّمتها محافظة حمص، التي تشكّل باديتها
ما يقرب من 34.5% من إجمالي المساحة، وخلْفها دير الزور بنسبة 30.3%، ثمّ ريف دمشق
بنسبة 12.8%، فالرقّة رابعاً بنسبة 10.8%، والحسكة خامساً بنسبة 4.8%. وبمقاربة أسماء
المحافظات الخمس السابق ذكرها مع سلسلة الأحداث الكبرى التي شهدتها البلاد خلال فترة
الحرب، بدءاً من خروج حقول النفط والغاز عن سيطرة الحكومة، إلى ظهور تنظيم «داعش» وإعلانه
«الخلافة الإسلامية» الممتدّة على خمس محافظات، يمكن القول إن البادية كانت في أوقات
معينة، ولظروف ما، أكثر أهمية وتأثيراً من المدن نفسها، وحتى الكبرى منها أيضاً.
حتى البادية لم تَسلم
تُصنَّف البادية السورية كأحد أهمّ الموارد
الاقتصادية للبلاد؛ فهي، بالإضافة إلى ما تحتويه من ثروات نفطية ومعدنية كبيرة، تُمثّل
منطقة مراعٍ طبيعية تتجاوز مساحتها 7.5 ملايين هكتار، وكانت في ما سبق من سنوات تؤمّن
حوالى 70% من الاحتياجات العلفية للثروة الحيوانية، ولمدّة تُراوح ما بين 5 – 7 أشهر
خلال السنة، لكنّ إنتاجها انخفض كثيراً في السنوات الأخيرة، بحيث إنها لم تَعُد قادرة
على توفير الاحتياجات العلفية لأكثر من شهرين سنوياً، نتيجة ما أصابها من موجات جفاف
متلاحقة، وتعدٍّ على أراضيها وكسرها وزراعتها بالمحاصيل كالقمح والشعير، خاصّة في المسيلات
المائية حيث تتوفّر الرطوبة، وتكون الأرض أكثر خصوبة.
إزاء ذلك، عملت «الهيئة العامة لإدارة وتنمية
وحماية البادية»، بحسب ما يَذكر مدير إدارة بحوث الموارد الطبيعية في «هيئة البحوث
الزراعية» منهل الزعبي، «على دعم وتنمية المجتمعات القاطنة في البادية وتأمين عوامل
الاستقرار للمجتمع المحلي وتنميته اقتصادياً واجتماعياً وبشرياً». ويضيف الزعبي، في
حديث إلى «الأخبار»، أنه ضمن هذا السياق «قامت الهيئة بتنفيذ العديد من المشاريع لتوفير
المياه في البادية، سواءً كان ذلك بغرض تأمين مياه الشرب للتجمّعات السكانية، أو لدعم
تربية الأغنام.
وشملت هذه المشاريع حفر العديد من الآبار
الجديدة وتجهيزها، وإعادة تأهيل العديد من الآبار القائمة، والآبار العربية، والآبار
الرومانية، وتنفيذ حفر تجمعية وسدات على أطراف مجاري السيول، وإنشاء محطات تحلية لمياه
الآبار شبه المالحة، وتجهيزها ووضعها في الاستثمار».
وتشير الإحصاءات الرسمية المتوفّرة، وهي
قديمة نوعاً ما، إلى أن مناطق البادية كان يقطنها حوالى 1.5 مليون نسمة موزّعين على
حوالى 222 تجمعاً، منهم حوالى 500 ألف نسمة من البدو الرحّل، وقد اضطرّ كثيرون منهم
إلى مغادرة تجمعّاتهم خلال سنوات الحرب، التي تسبّبت بأضرار كبيرة جدّاً لهم، وفق مدير
«هيئة تنمية وتطوير البادية»، محمد الطماس، الذي يوضح في حديثه إلى «الأخبار» أن «غالبية
مناطق العمل خرجت عن السيطرة وتعرّضت للتخريب والتدمير، فكانت هناك اعتداءات واسعة
على الغطاء النباتي من خلال فلاحة أراضي البادية وعمليات الحرق والاحتطاب، ودخول الآليات
من جرارات وسيارات نقل، وفتح الطرق العشوائية».
كما أن منشآت الهيئة ومشروعاتها الخدمية
والاقتصادية في البادية، كانت هي الأخرى عرضة للنهب والسرقة والتخريب، إذ «تمّت سرقة
وتخريب محتويات 375 بئراً ارتوازية كانت تؤمّن المياه لقطيع الثروة الحيوانية، و14
محطة تحلية لتأمين مياه الشرب للسكّان، و13 مشتلاً رعوياً، و59 محمية حكومية، إضافة
إلى مباني الهيئة والعديد من آلياتها الإنتاجية والخدمية». ويضيف الزعبي، إلى ما سبق،
«التراجع في أعداد الثروة الحيوانية، وخاصة الأغنام والإبل بسبب أعمال السرقة والقتل
للقطعان، وتأثّر الثروة الحيوانية جراء ارتفاع تكاليف التنقّل، وقلّة المراعي المتاحة،
وتدنّي مستوى الخدمات البيطرية. والأخطر من كلّ ذلك، هو وجود مخلّفات من ألغام ومتفجّرات
في مناطق عديدة، وتعرّض العاملين للخطر الأمني في مناطق أخرى. كلّ ذلك أدى إلى نزوح
وهجرة عدد كبير من سكّان التجمعات في البادية».
مصائب الحرب… فوائد أحياناً
تراجُع الاستقرار الأمني في مناطق عدّة
من البادية، كان له في المقابل أثر إيجابي، تَمثّل ــــ كما تُبيّن دراسات وزارة الزراعة
ــــ في ابتعاد رعاة الثروة الحيوانية عن هذه المناطق، وتَجنّب بعضهم المغامرة في القيام
بعمليات كسر للأراضي فيها، الأمر الذي أدّى إلى حدوث تحسّن في وضع الغطاء النباتي الحوْلي
والمعمّر، وهذا ما ظهر في بعض مواقع بَوَادي محافظات حلب، حماة، وريف دمشق.
ومع أن الأخطار لا تزال قائمة، سواءً لجهة
ظهور مسلحين وقيامهم بعمليات قتل ونهب، أو وجود ألغام وقذائف غير متفجّرة، إلّا أن
محاولات إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الثروة الحيوانية والغطاء النباتي سرعان ما بدأت مع
تحرير الجيش السوري لمساحات واسعة من البادية، بدءاً من عام 2016، حيث تُظهر الحصيلة
الأوّلية لخطوات «هيئة التنمية»، وفقاً لبيانات مديرها الطماس، «إعادة تأهيل 78 بئراً
في مختلف المحافظات، وإعادة وضع خمسة مشاتل لإنتاج الغراس الرعوية في الخدمة، والعمل
على إعادة تأهيل الغطاء النباتي من خلال الزراعات الرعوية في المحميات الرعوية ومحميات
تثبيت الكثبان الرملية في بَوَادي عدّة محافظات»، وجميعها خطوات مستقاة من برنامج وطني
أطلقته وزارة الزراعة أخيراً، ويهدف بشكل رئيس إلى الحفاظ على استدامة الموارد الطبيعية،
وزيادة الحمولة الرعوية، وتأمين مستلزمات الثروة الحيوانية.
المصدر :
الأخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة