دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
حزب العدالة
والتنمية التركي الحاكم الذي يتزعّمه الرئيس رجب طيّب أردوغان وصل إلى السّلطة عام
2002 واحتفظ بها لما يَقرُب من العشرين عامًا، والفضل في ذلك يعود إلى النّجاح
الاقتصادي التّنموي الكبير الذي حقّقه طِوال هذه السّنوات، ولكن يبدو أنّ هذا
النّجاح بدأ يتآكل، ليس بسبب الكورونا فقط، وإنّما أيضًا بسبب دُخول الحزب مرحلة
“الهرم”، وتفاقم الخِلافات الداخليّة بين أجنحته، وانشِقاق بعضها، وتناسل أعداد
الخُصوم وتوحّدهم ضدّ تركيا، وتمركز السّلطات في أيدي الرئيس مثلما يرى مُعظم
المحلّلين الأتراك المُستقلّين.
الرئيس أردوغان
أفاق صباح اليوم الاثنين على أخبار سيٍئة تمثّلت في انخِفاض قيمة اللّيرة التركيّة
بنسبة 17 بالمِئة في التّعاملات في الأسواق الماليّة، بعد قراره بعزل ناجي إقبال
مُحافظ البنك المركزي الذي يحظى بمصداقيّة محليّة ودوليّة نتيجة خبرته
واستِقلاليّته، وبعد أربعة أشهر من تعيينه في المنصب، الأمر الذي أثار قلق
المُستثمرين، وأحدث فوضى في الأسواق الماليّة.
سِعر الليرة
التركيّة وصل اليوم في الأسواق إلى 8.5 مُقابل الدّولار وهو أسوأ انخِفاض، بعد أن
تحسّنت قيمتها في زمن حاكم البنك المركزي المعزول، وثَبُتَت عِند سِعر 7.2 مُقابل
الدّولار، وما زال من غير المعروف ما إذا كان هذا الانخِفاض سيستمر أو سيتوقّف في
عهد مُحافظ البنك المركزي الجديد.
الرئيس
أردوغان يُعارض سياسة السيّد إقبال رئيس البنك المركزي التي ترى أنّ رفع سعر
الفائدة هو الطّريق الأقصر والأقوى للحِفاظ على استِقرار سِعر العُملة الوطنيّة
ومنعها من الهُبوط، ويبدو أنّ قراره برفع سعر الفائدة 200 نقطة (19 بالمئة)
لمُواجهة التّضخّم الذي رحّبت به الأسواق الماليّة، أغضب الرئيس أردوغان، ودفعه
إلى إصدار مرسوم رئاسي بفصله فَورًا مساء يوم الجمعة دُون تقديم أيّ أسباب.
هذا المرسوم
أحدث حالةً من البلبلة في الأسواق الماليّة، وأدّى إلى تعليق التّعامل في بُورصة
إسطنبول لهُبوط أسعار الأسهم بأكثر من 6 بالمِئة، ممّا يعني أنّ هذه الأسواق
والمُستثمرين فيها “غير مُرتاحة” لتعيين شهاب قافجي أوغلو رئيسًا للبنك المركزي
مكان إقبال، لقلّة خبرته ومُجاراته لسياسة رئيس الدولة أردوغان الذي يُعطي أولويّة
قُصوى لعدم رفع سِعر الفائدة لمُحاربة التّضخّم الذي بلغت نسبته في شباط (فبراير)
الماضي حواليّ 15.6 بالمِئة.
اللّيرة
التركيّة تعرّضت مرّتين للانخِفاض عاميّ 2018 و2019، وما أنقذها تدخّل دولة قطر
حليف أردوغان، وضخّها استِثمارات وعُملات صعبة بِما يَقرُب من 15 مِليار دولار في
المرّتين، الأمر الذي أدّى إلى استِقرارها، ومنع انهِيارها.
ما زال من غير
المعروف ما إذا كانت دولة قطر ستتدخّل للمرّة الثّالثة، وتَضُخ استِثمارات
مِلياريّة جديدة في الاقتِصاد التركي لإنقاذ اللّيرة مثلما فعلت في السّابق، ولكن
لا تُوجد أيّ مُؤشّرات، وحتّى كتابة هذه السّطور بأنّها ستُقدم على هذه الخطوة،
ويُرجّح المُراقبون أنّها قد تتردّد بسبب ظُروفها الماليّة الصّعبة نتيجةً لتراجع
مدخولها من عوائد النّفط والغاز وارتِفاع تكاليف البُنى التحتيّة لمُنشآت كأس
العالم، مُضافًا إلى ذلك الانعِكاسات السلبيّة لفيروس كورونا على اقتِصادها،
ومُعظم الاقتِصادات الخليجيّة أيضًا.
قبل أربعة
اشهر (تشرين الثاني)، عندما انخفضت قيمة اللّيرة وبادر الرئيس أردوغان بطرد صهره
بيرات البيرق من منصبه كوزير للماليّة، انحصر التّدخّل القطري المالي السّريع
بشِراء أسهم في مؤسّسة بورصة إسطنبول، يُعتَقد أنّها كانت في حُدود 300 مِليون
دولار، وأدّى هذا الاستِثمار إلى نتائجٍ عكسيّة، حيث اتّهمت أحزاب المُعارضة
الرئيس أردوغان ببيع العمود الفِقري للاقتصاد التركي لدولة قطر، رغم أن الحصّة التي
اشترتها قطر لا تزيد عن 10 بالمِئة من أسهم مؤسّسة البُورصة.
مُعظم
المحلّلين الاقتصاديين داخل تركيا وخارجها يتوقّعون أن يُقدِم رئيس البنك المركزي
الجديد شهاب قافجي أوغلو، النائب عن حزب العدالة التنمية في البرلمان على تنفيذ
أوامر أردوغان بتخفيض أسعار الفائدة، الأمر الذي قد يعني المزيد من الانخِفاض في
سِعر اللّيرة، وهُروب الاستِثمارات الأجنبيّة ممّا سيُؤدّي إلى مصاعب جديدة
للاقتصاد التركي الذي يُواجِه تحدّيات صعبة هذه الأيّام.
الرئيس
أردوغان كان يعتمد على عُقول اقتصاديّة جبّارة مِثل علي باباجان، نائب رئيس
الوزراء ووزير الماليّة الأسبق الذي يُوصَف بأنّه مُهندس النّهضة الاقتصاديّة
التركيّة في بداية صُعود حزب العدالة والتنمية إلى الحُكم، ولكن باباجان استقال
وشَكّل حِزبًا خاصًّا به يقف حاليًّا في خندق المُعارضة، مثله مِثل زميله أحمد
داوود أوغلو صاحب نظريّة “صفر مشاكل”، وبات الرئيس التركي يُقدّم الولاء على
الخبرة حسب تصريحاته (أي باباجان) الأخيرة، ولهذا تتعاظم أزَمات الاقتصاد التركي
وتتناسل مخاطر أزمة اللّيرة الحاليّة إذا لم يتم تطويقها بسُرعةٍ، لأنّها تتزامن
مع أزَمات سياسيّة عديدة أُخرى، أبرزها الخِلافات التركيّة مع مُعظم دول حوض شرق
المتوسّط حول الحُدود القاريّة، وحُقوق التّنقيب عن النّفط والغاز بالتّالي.
الإنجاز
الاقتصادي الكبير الذي منَح الحزب التركي الحاكم شعبيّةً كبيرة يبدو أنّه في طريقه
للتّآكل، ومُحاولات الإصلاح تبدو صعبةً، وبطيئةً، في وَقتٍ تتناقص فيه أعداد
الأصدقاء، مُقابل تصاعد أعداد الخُصوم والأعداء، ولهذا لا يبدو مُستقبل الحزب
الحاكم وَرديًّا في الحاضر والمُستقبل المَنظور معًا، حسب توقّعات مُعظم
الخُبراء.. واللُه أعلم.
المصدر :
رأي اليوم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة